الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«شيء مستعار» لا يرى الصراع بين الأعداء فقط!

«شيء مستعار» لا يرى الصراع بين الأعداء فقط!
9 مايو 2011 20:16
بمزيج محبب من الدراما والكوميديا والرومانسية، يعلن فيلم “شيء مستعار” Something Borrowed، إخراج لوك جرينفلد، بطولة كايت هيدسون، جنيفر جويدين، وكولن ايكلزفيلد عن نفسه، يقارب قضايا إنسانية في غاية التعقيد دون التخلي عن بساطة التوصيف، ودون الانجراف في متاهات التنظير والتأويل. هي النفس البشرية التي تختزل إشكاليات شتى، يخضع بعضها لضوابط وقواعد، ويتمرد كثير منها على كل أشكال التنظير، هذا بعض ما يحاول الفيلم قوله، وإن كان كثير من مضمونه يبقى مدرجاً في مجال اللامرئي، أي في ذلك الحيز الذي يصعب علينا التغاضي عن وجوده، دون أن يكون في وسعنا الإحاطة به وفق معايير مجردة، ذلك النفق الآدمي المظلم الذي يبقى كذلك بالرغم من أضواء كثيرة مسلطة نحوه. دارسي "كايت هيدسون" ورايتشيل "جينفير جويدين" صديقتان منذ أوائل العمر، تشير علاقتهما الممعنة في التجذر إلى أنهما سيبقيان كذلك حتى آخره، وكما في كل رباط استثنائي هناك حالة ما من عدم التوازن في العلاقة، الكفة ترجح على حساب رايتشيل التي يكون عليها أن تتحمل الكثير من غنج صديقتها، تتعامل دارسي مع نفسها بوصفها تستحق خصوصية ما، ويقبل المحيطون بها ذلك على شيء من المضض، وحدها رايتشيل ترى الأمر طبيعياً، أو هكذا كانت تبدو الأمور في بدايتها. يبدأ الفيلم من نقطة متقدمة عن جذور أحداثه، سيتبين لاحقاً أنَّ ذلك يعود لعلة إخراجية، حفلة عيد ميلاد مفاجئة تقيمها دارسي لرايتشيل، الحفاوة التي تحيطها بها تظهر مدى تعلق الصديقتين ببعضهما البعض، إذن هناك صلة معمقة لا يخشى عليها بين الفتاتين، ويكون على المشاهد توقع مفاجأة ما من الخارج، تتجه الأنظار نحو باقي أفراد الشلة لمعرفة من هو العنصر السلبي في هذه المجموعة المقبلة على الحياة بشغف ورضا، دوماً هناك حالة عارمة من التوافق العاطفي والإنساني يخترقها عامل من الجهة المناقضة لها، عامل مثير للشغب مهمته تقويض البنيان المترابط، وتفريق الجماعات المتواصلة. خصم مجهول هل هو ديكس خطيب دارسي الذي ينتظر الاقتران بها قريباً؟ لا يظهر على ملامح وسلوكيات الرجل ما يوحي بذلك، هو شخص يجيد الحب ويبدو قاصراً عن ارتكاب سواه، هل هي كلير "أشلي وليامس"الفتاة التي ترى أنها أوتيت قليلاً من الحظ في حياتها العاطفية، والتي تبذل الكثير من الجهد لتعويض هذا القصور القدري بإقبال مندفع نحو الحياة؟ إن السذاجة المرتسمة فوق ملامحها لا تشجع على الاعتقاد بكونها المصدر المرتقب للشر، وحتى لو كانت كذلك فإنها لا تبدو مثيرة للخوف جراء التواضع الجلي في قدراتها. إذن هل هو ماركوس "ستيف هوي" الصديق الذي يتذمر باقي أفراد الشلة من رعونته وطفولتيه المتمادية؟ أيضاً لا يسع طفل كبير أن يكون مؤذياً حقاً مهما ادعى ذلك، أما إيثان "جون كراينسكي" فهو بالرغم من بعض الغموض المبدئي الذي يكتنف شخصيته، يبدو مفعماً بالمودة الصادقة، وإذا ثبت غير ذلك فإن خطورته ستكون ساحقة لأنه يمتلك الكثير من الإشارات الإيجابية التي تجعله محبباً، قريباً من القلوب.. وبالتالي تحيل انقلابه على أصدقائه إلى خطر حقيقي. داخل القلعة الفيلم، كما الحياة، يحتاج إلى شخصيات شريرة حتى يكتمل، حتى تختمر حبكته وتتعقد أحداثه، لا يمكن لتجربة إنسانية أن تعتمد على الصداقة الصادقة والتواصل العاطفي وحدهما، لتكون جديرة بأن تروى، أو أن يتم التوقف عندها، الأمر آنذاك سيكون أقرب إلى حدوتة ترويها الجدات للصغار في ليالي الشتاء الباردة، ولا يمكن لفيلم سينمائي معاصر أن تغويه التجربة. كانت الأحداث تتجه بجاذبية الصداقة والحب نحو محطات مغرقة في الإيجابية، وكانت الأذهان تمعن في التساؤل عن مكان وهوية هادم الذات الذي سينقض فجأة على المسار الإيجابي المهيمن، عندما حدث ما لم يكن في حسبان أكثر الأذهان تشككاً: ديكس خطيب دارسي، ورايتشيل صديقتها الحميمة، يبديان انجذاباً عاطفياً مباغتاً حيال بعضهما البعض، القلاع الحصينة تسقط من الداخل، هكذا قال المجربون، والأرجح أن علاقة بحجم الصداقة التي تربط دارسي برايتشيل، وبمستوى الحب الذي يجمع بينها وبين ديكس، تحتاج إلى عطب داخلي حتى تتحول إلى مأساة.. هنا تدور الأسئلة في أذهان المشاهدين عن الأسباب التي حدت برايتشيل لترتكب فعل الخيانة بحق صديقتها الأقرب، وبقليل من الاسترجاع لجذور الحدث، التي تخطاها الفيلم، كما سبقت الإشارة، تتوضح ملامح الإجابة، ويبدو جلياً أن جوهر المسألة يعود إلى الخلل الذي يحكم علاقة الفتاتين، إلى الهيمنة العاطفية التي تمارسها دارسي حيال رايتشيل، والتي تتعامل معها الأخيرة بوصفها أمراً اعتيادياً، وبأوضح ستخبرنا مخيلة رايتشيل الاستعادية أن ديكس كان صديقها في الدراسة الجامعية، وأنها كانت تكن له مشاعر متقدة، لكنها أحجمت عن البوح بها بفعل تردد يدمغ شخصيتها، ويجعل ثقتها بنفسها أقل من المستوي المطلوب، وذلك بعكس دارسي التي اقتحمت عليهما إحدى جلساتهما الحميمة لتصير محور الحدث فجأة، وتتوجه نحو ديكس بجرأة مميزة: "لماذا لا تدعو رايتشيل إلى لقاء حقيقي"؟! أمام دهشة الإثنين تابعت دارسي: "إلى لقاء عاطفي أقصد"! وعندما لم تجد رايتشيل سوى كلمات تائهة تداري بها خجلها ومفاجأتها: "نحن أصدقاء فقط يا دارسي"! تابعت الأخيرة دون تردد" إذن يمكنك أن تدعوني أنا إلى هذا اللقاء، فأنا لست صديقتك"! هكذا أمكن لدارسي أن تزيح صديقتها عن لائحة ديكس العاطفية، وأن تجعله يتجه نحوها بما تمتلكه من جرأة محاذية للطفولة، وإن كانت رايتشيل ستضع المسألة على عاتق القدر، وستنسب إلى الحظ وحده كل الانتصارات الملتبسة التي حققتها عليها دارسي، دون أن تكف عن كونها صديقتها. أبعد من الخيانة هكذا لا تعود الحكاية حكاية خيانة، وليست لحظة خارجة عن مسار الزمن أيضاً، ذلك أن رايتشيل وديكس سيكتشفان في معرض تحليلهما المشترك لحادثة الانجذاب العاطفي المتبادل التي تعرضا لها فجأة، أنهما لم يكونا أمام حالة ضعف عابرة بنت ساعتها، بل أن كلاهما يكن مشاعر للآخر صادقة، لكن حضور دارسي العاصف شتت مشاعرهما، وجعلهما يضيعان البوصلة والاتجاه، وهو ما احتاج منهما إلى الكثير من الوقت ليستعيدا السيطرة على حركة المشاعر المرتبكة. ببراعة تحسب له يتخطى الفيلم النسق التقليدي من الصراعات البشرية، يخرج الثنائيات من حدودها التقليدية بين الخير والشر، ويرسم معالم مواجهة جديدة، أو قل هو ينفض عنها غبار التجاهل، لا يحتاج المرء إلى عدو كي يتصارع معه، يكفيه لذلك أن يكون لديه صديق حقيقي ينطوي حضوره على بعض الالتباس، صديق لا تقوم الصلة به على القدر الكافي من الاتساق والتوازن، علاقة صداقة تتسم بقدر من العمق والغموض في آن، يسعها أن تؤسس لكثير من الخصومة، وأن تثير الكثير من الضباب في الدروب الواصلة بين الناس.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©