الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التناغم الطائفي في الهند وباكستان

5 مايو 2012
يعمل خورشيد أحمد خان، نائب المدعي العام في باكستان، وهو منحنٍ على أرضية غوردوارا سيس غانج، معبد السيخ في نيودلهي، على تلميع أحذية القادمين إليه إما ببهجة أو بفضول ودهشة. ويشكل تلميع الأحذية من وجهة نظره اعتذاراً عن عملية القتل الوحشية لرجل من السيخ على أيدي "طالبان" قبل سنتين في باكستان. وقد أزاح الانخراط في هذا العمل الودي، الذي يعبر عن التواضع إلى حد كبير، بالنسبة له حِملاً جسيماً كان يثقل ضميره هو الشعور بالأسى والأسف بسبب المشاكل الطائفية التي يواجهها أفراد الأقليات في منطقته، بحسب ما يقول. وهو مقتنع بأنهم يستحقون حياة أفضل، خالية من الترهيب والإكراه. قد يختلف البعض مع فلسفة التواضع والاعتذار هذه التي يقدم عليها السيد خان، المسلم الذي أخذ أيضاً بعض الوقت أثناء زيارته إلى الهند لتلميع أحذية المصلين في أماكن عبادتهم، بغض النظر عما إذا كانت بيوت عبادة للسيخ أو معابد هندوسية. وقد أراد من خلال كل ذلك إظهار مدى احترامه للإنسانية وللديانات الأخرى، وعدم وجود أية مركبات نقص أو تعالٍ على الغير في وجدانه. ومع هذا لا جدال في حقيقة كون مستوى التناغم المجتمعي الديني مقلقاً في جنوب آسيا وخاصة في الهند وباكستان، حيث تقتل كل سنة أعداد كبيرة من الناس باسم الدين، وهذا أمر غير مقبول بالمرة. كما لا يمكن تحقيق أي تقدم في مجال التعددية والتعاش والتسامح الديني ما لم يدعمْه توجه عام لتحقيق تناغم أكبر بين المجتمعات الدينية. وقد نشأت الديانتان الهندوسية والسيخية في جنوب آسيا. وكذلك دخل المنطقة الإسلام والمسيحية وأتباع الديانات الأخرى، مثل التاوية والشنتو وغيرهما من ديانات آسيوية. وقد شكل التعايش السلمي سمة مميزة عامة، من الناحية التاريخية، في هذه المنطقة من العالم المعروفة بكثافة السكان من الناحية العددية. وعلى رغم وجود أوقات ساد فيها الصراع الطائفي بشكل كبير، إلا أن تقليد التعايش والتسامح عموماً راسخ في تاريخ المنطقة أيضاً. ويشكّل تحالف لياكوات نهرو عام 1950، الذي يُلزم الهند وباكستان باتخاذ كل من جانبه خطوات وتدابير إيجابية لضمان حماية الأقليات، مثالاً على هذه التقاليد. ولكن لسوء الحظ أنه قد جرى تجاهل هذا التحالف أحياناً. وحتى يتسنى التعامل مع هذه المشكلة يستطيع أصحاب المصالح والاهتمامات الرئيسيون في الهند وباكستان، بما في ذلك الإعلاميون والمجتمع المدني، الضغط بأقصى حدود ممكنة على حكوماتهم لضمان حقوق دينية وثقافية متساوية لجميع المواطنين. وهناك أيضاً أساليب أخرى يمكن من خلالها لكلتا الدولتين مساعدة الأقليات الدينية المعرّضة للمضايقة لتظهر ضمن التيار العام الرئيس. وعلى سبيل المثال، يمكن تشجيع الطلبة على التعلّم ومعرفة المزيد عن نقاط التماثل الإنسانية العامة المشتركة بين الديانات المختلفة، بدلاً من التنقيب والبحث عن نقاط الاحتكاك أو المواجهة والاختلاف والخلاف. ويمكن من خلال دراسة تعاليم ديانات المنطقة المختلفة عن كثب توضيح الجوانب التي تمثل الحب والسلام والأخوة الإنسانية والتسامح. لقد أكد الرسول صلى الله عليه وسلم دائماً على حماية حقوق الأقليات، كما أن تعاليم العديد من الديانات الأخرى تنادي بالحب والسلام. ويجب إبراز حقائق كهذه في كل فرصة ممكنة. وإضافة إلى ذلك، يجب احترام المناسبات الدينية للجماعات الدينية من الأقليات من قبل الدولة على أنها عطل عامة وأن يُنظَر إلى كونها تضيف لجمال الثقافة الوطنية وتنوعها وتعدديتها، وليس بالضرورة أن تكون سبب شقاق وخلاف طائفي. وأخيراً، لم يُعطِ الناشطون في النظام القضائي حتى الآن أهمية كافية لوضع الأقليات في كل من الهند وباكستان. وقد ترددت المحاكم في تثبيط همة العدالة عندما تعلق الأمر بقضايا بارزة حول هذه المواضيع. وعلى سبيل المثال، وفي الهند بالذات، ما زالت قضايا المتهمين في تدمير مسجد بابري عام 1992، إضافة إلى المتهمين بمقتل مئات المسلمين في أعمال الشغب في غوجارات عام 2002، معلقة. والوضع مخيب للآمال كذلك في باكستان، فقد مضت أكثر من ثلاث سنوات منذ أن تم نهب مستوطنة مسيحية في قرية غوجرا بالبنجاب، حيث هاجمت مجموعات من المتشددين طائفة مسيحية بعد اتهامها بتدنيس المصحف الشريف عام 2009، إلا أن المتهمين لم يحاكموا بعد. والوضع هو نفسه عندما يتعلق الأمر بحرق الكنائس في فيصل آباد عام 2009. ويمكن تدابير رسمية تُظهر وجود نظام قانوني فعال أن تذهب بعيداً في ردع من يعملون على تخريب التناغم المجتمعي والتسامح الديني. ونأمل ألا تذهب رسالة السيد خان الشعبية البارزة أدراج الرياح، وأن تشكّل قوة اندفاع تؤدي إلى عمل تحتاجه المنطقة بشدة لترسيخ قيم التعايش الطائفي والتسامح الديني. صبور علي سيد - صحفي باكستاني ينشر بترتيب مع خدمة "كومون جراوند" الإخبارية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©