الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

11 سبتمبر .. أحد عشر شكاً .. المحنة مستمرة !

11 سبتمبر .. أحد عشر شكاً .. المحنة مستمرة !
15 سبتمبر 2016 19:01
الفاهم محمد تحل الذكرى السنوية في الحادي عشر من سبتمبر كل عام. لقد مرت حتى الآن 15 سنة على الحدث الذي افتتحنا به الألفية الثالثة. إنه حدث سقوط الأبراج التجارية في نيويورك. 11/‏‏9 ليست مجرد واقعة كباقي الوقائع التي تحدث يومياً، والتي يمكن أن تتابعها الصحافة بتغطيتها المعهودة. نحن نسميه كذلك (11/‏‏9) كما لو أننا نريد أن نؤشر على أهمية الزمان الذي يبدو أنه توقف في هذا التاريخ. وهذا ليس بسبب عدد الضحايا الذي ناهز ثلاثة آلاف شخص، لأن هناك نزاعات أودت بحياة أكثر من هذا العدد. كما أنه ليس بسبب السلاح المستعمل، وهو هنا طائرات مدنية، لأن هناك حروباً استعملت فيها أسلحة أفظع محرمة دولياً. الأمر يتعلق إذن بحدث غير مسبوق على غرار مفهوم الحدث عند ألان باديو، أي حدث يمتلك القدرة على تغيير مجرى التاريخ وتصورات الإنسان حول ذاته وحول العالم الذي يعيش فيه، لكنه في الآن نفسه حدث يصعب علينا رفعه إلى درجة المفهوم وصياغته بقول خطابي واضح. إذا كان الحدث عند باديو هو مجال انكشاف للحقيقة في أبهى حضور لها فإن 11/‏‏9 على العكس من ذلك ما زال إلى يومنا هذا يلفه الغموض والإبهام. كنا نردد غالباً بأن سقوط البرجين في نيويورك هو حدث مفصلي علينا أن نميز فيه بين ما قبل وما بعد. وهذا صحيح إلى درجة كبيرة لأن العالم والعلاقات الدولية وطبيعة الصراعات كلها تغيرت في الألفية الثالثة، خصوصاً مع ظهور الإرهاب الدولي العابر للحدود. مع ذلك مازالت مسألة حقيقة هذا الحدث مستعصية على الفهم فهل يمكننا أن نقول بأن الخمس عشرة سنة التي تفصلنا اليوم عما اصطلح عليه بـ «غزوة مانهاتن» كافية لاستجلاء حقيقته؟ بطريقة أخرى: إذا كان الحدث لم يبح في حينه بكل أسراره، ألا يمكننا اليوم في سياق ما بعد حدثي أن نكشف الستار عن حقيقته، ونسلط ولو القليل من الضوء على الغموض الذي يلفه حتى الآن؟ هل الأمر يتعلق بهجوم واعتداء إرهابي تعرضت له أميركا؟، أم بمؤامرة داخلية يقودها اليمين المحافظ المتحالف مع الجماعات السرية؟ اختزال الشكوك فلنستعرض هنا بعض الشكوك التي ترددها نظرية المؤامرة، وهي مختزلة هنا في حدها الأقصى لأنها كثيرة وقد لا يتسع عرضها في مقال كهذا، كما أن بعضها يثير حساسية سياسية فائقة. 1- العديد من التقارير الاستخباراتية قدمت للحكومة الأميركية عن إمكانية تعرض الولايات المتحدة لهجوم منظم بواسطة طائرات مختطفة. ولكن كل هذه التقارير أهملت، وحينما وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ذكرت الحكومة الأميركية أن لا أحد كان يتوقع اختطاف طائرات مدنية واستعمالها كقاذفات، في حين أن منذ 1999 كانت وزارة الدفاع تجري أربعة تدريبات سنوياً حول إمكانية اختطاف طائرات وتوجيهها ضد البرجين التوأمين. 2 ـ الشكل الذي انهار به البرجان يدل على تفجير داخلي أكثر مما هو ناتج عن اصطدام الطائرة به. أغلب التقارير أكدت أن البرجين صمما أصلاً لتحمل مثل هكذا حوادث، كما أن كمية الوقود الموجودة في خزان الطائرة حسابياً غير كافية لإذابة الحديد. لقد بلغت الحرارة الناتجة عن الاصطدام 800 درجة، في حين أن ذوبان الحديد يتطلب 1600 درجة فرنهايت. كما أن سقوط المبنى الثالث المعروف ببرج التجارة رقم سبعة، والذي يضم مقر المخابرات والخدمات السرية، بعد عدة ساعات يظل أمراً غريباً، وقد قيل في الرواية الرسمية إنه أصيب بشظايا نارية أدت إلى احتراقه وسقوطه. حدث هذا بينما كل البنايات الأخرى المحيطة به ظلت سليمة لم ينكسر حتى زجاجها. 3- المواد المتطايرة من انهيار البرجين: التراب والغبار حينما تم تحليلهما من طرف جهات مستقلة تبين أنهما يتضمنان مواد لا تتوافر إلا في القنابل وليس في خزانات الطائرات. وقد تحدث بعض الناجين وشهود العيان بمن فيهم رجال الإطفاء عن وجود انفجارات داخل الأبراج، لكن الرواية الرسمية تجاهلت ذلك. 4- الثقب المحدث في جدار وزارة الدفاع لا يتعدى خمسة أمتار، بينما الطائرة يبلغ علو ذيلها ثلاثة عشر متراً. كما أن شكل الاصطدام في مبنى البنتاجون، كما يتبين من الصور، هو على شكل دائرة، وبالتالي لا يتضمن أثر اصطدام الجناحين من الجانبين مما يدل على أن التفجير كان بأداة أخرى غير الطائرة. 5- ما يعزز الشكوك هو أنه لم يتم العثور نهائياً على أثر للطائرة المصطدمة بمبنى وزارة الدفاع كما لو أنها تبخرت. والأجزاء الصغيرة التي عثر عليها لا تتطابق مع طائرة البوينغ 757، بعض الباحثين أكدوا أن قوة الصدمة جعلت أغلب أجزاء الطائرة تحترق وتتفتت. قد يكون هذا صحيحاً ولكن في جميع الأحوال يظل هذا غير مسبوق تماماً في حوادث الطائرات، إذ مهما اشتعلت النيران لا بد من العثور على الصندوق الأسود إضافة إلى المحركات. 6- تؤكد التقارير أن هناك 86 كاميرا في المحيط المجاور للبنتاجون: الشوارع وفندق الشيراتون، وكلها سجلت ما حدث، غير أن الـ (اف. بي. آي) صادرت الأفلام، فلو كانت البوينغ كما يقال هي التي ضربت المبنى، لماذا لا يتم إظهار ذلك بصورة واضحة. 7- أكثر من ذلك كيف يعقل أن يتم ضرب مبنى البنتاجون وهو من أقوى المباني حراسة في العالم، فهو يتضمن صواريخ جاهزة للانطلاق بشكل أوتوماتيكي بمجرد دخول جسم غريب لا يعرف عن نفسه. 8- طائرة البوينغ 757 حسب الرواية الرسمية قامت باستدارة بلغت 330 درجة بسرعة قاربت 530 ميلاً في الساعة، ثم انخفضت في الوقت نفسه إلى درجة 7000 قدم كي تصطدم بمبنى البنتاجون، وهذه حركة مستحيلة حسب خبراء الطيران، فلو قام بها أي طيار سيفقد السيطرة تماماً على طائرته. 9- قام رجل الأعمال لاري سيلفرشتاين، وهو الذي استأجر البرجين لمدة 99 سنة، بالتوقيع على تأمين يغطي مجمل الأخطار التي يمكن أن تهدد البرجين التجاريين، وبالخصوص التأمين ضد العمليات الإرهابية، حدث هذا قبل ستة أسابيع فقط من 11 سبتمبر. وقد وصل مبلغ التأمين إلى 3.5 مليار دولار، وحسب العقد فإنه يتقاضاها في حال اصطدام طائرة بالمبنى. بل إن العقد ضاعف المبلغ باعتبار أن وجود طائرة أخرى هو هجوم إرهابي آخر منفصل. 10- العديد من المسؤولين الكبار في مجال المال والأعمال قاموا بشكل مفاجئ بإلغاء رحلاتهم في العاشر من سبتمبر، أي قبل يوم واحد فقط من الحدث، وكأنهم تلقوا خبراً مسبقاً بذلك. 11 - وجود مادة الكرودايت في حادثة البنتاجون، وهي مادة لا علاقة لها بالطائرات بل هي تستعمل كوقود للقذائف والصواريخ. أطروحتان متناقضتان لقد أوردنا هنا فقط الشكوك الواضحة والتي تقفز أمام عيوننا، كما يقال، وهناك الكثير غيرها. نحن مثلاً لم نركز على هوية المختطفين الذين تبين فيما بعد أن ستة منهم لا علاقة لهم بالحادث، وقد تم سحب اسمائهم من لائحة المتهمين. كما لم نتحدث عن سحب معظم المقاتلات التي تغطي الولايات المتحدث والتي تم تحريكها في 10 سبتمبر إلى كندا وآلاسكا للمشاركة في تدريبات عسكرية. وعلى العموم نحن أمام أطروحتين متناقضتين تلغي إحداهما الأخرى. الأولى هي أطروحة الاعتداء الخارجي الذي هدد حسب تعبير بوش الابن حرية أميركا ونمط حياتها، وهي الأطروحة التي قادت هذا الأخير كما هو معروف إلى تقسيم العالم إلى قسمين: إما أن تكونوا معنا أو أنتم ضدنا. أما الأطروحة الثانية فهي على النقيض مما سبق، وترى أن عملية 11/‏‏9 هي عبارة عن مؤامرة داخلية جاءت بقصدية تهدف إلى إيجاد حدث مؤسس للنظام العالمي الجديد وللدور الطلائعي والقيادي الذي ستلعبه أميركا فيه. بدأت نظرية المؤامرة تتسع وتتنامى بشكل تدريجي مباشرة بعد الضربات. لنذكر هنا فقط بعض النماذج ممن كانوا أوائل من أذكوا الشكوك حول أطروحة الاعتداء الخارجي، كان الفرنسي تيري ميسان هو أول من أثار التساؤلات حول حقيقة أحداث الحادي عشر من سبتمبر في كتابه المترجم للعربية تحت عنوان «الخديعة الكبرى»، مؤكداً على أن الطائرة التي قيل إنها اصطدمت بمبنى البنتاجون تثير الكثير من الشكوك، سواء بسبب الشكل الدائري الذي خلفه أثر الاصطدام، أو بسبب عدم وجود أي أثر لتزحلق الطائرة على العشب. إن الأمر لم يعد اليوم مقصوراً على باحث أو اثنين ممن يمكن أن نتهمهما بالبحث عن الشهرة، إذ بفضل الجهود التي بذلها العديد من المحققين والصحفيين والملاحظات التي أبداها المهندسون والفيزيائيون يتبين بالملموس أن الرواية الرسمية للحادي عشر من سبتمبر لا تتطابق تماماً مع الوقائع. هناك العديد من الشكوك والتساؤلات التي تفرض نفسها بقوة ولا يمكن لأي ذهن حصيف أن يتجاهلها. نذكر أيضا في هذا السياق الفيلم الذي أخرج سنة 2005 من طرف شاب يبلغ من العمر آنذاك 24 عاماً فقط، اسمه Dylan Avery مدعوماً بفريق من الشباب المتحمس تحت عنوان (Loos change) والذي بث بشكل واسع على الإنترنت وترجم لعشر لغات عالمية، وهو الفيلم الذي يؤكد، انطلاقاً من معطيات علمية، أن البرجين لم ينهارا بسبب اصطدام الطائرتين بل بسبب متفجرات متحكم فيها عن بعد. هذه المؤامرة حسب الفيلم كانت بهدف غزو العراق ووضع اليد على الثروة النفطية. لقد دفع هذا الفيلم فيما بعد إلى تشكيل حركة نضالية من الشباب والمدونين على الإنترنت الذين قاموا بنسخ الفيلم على الأقراص وتوزيعها مجاناً، أو مقابل مبلغ بسيط أحياناً على المارة في الشوارع، بغرض تكذيب النسخة الرسمية للوقائع كما تروج لها الإدارة الأميركية على لسان قنواتها الرسمية cnn وfox news وغيرهما. النزعة الشكية هذه لا نجدها فقط عند هؤلاء الشباب الذين قد نلوم حماستهم الزائدة. إليكم أيضا الجريدة المسماة American free press، وهي الجريدة التي تضم عاملين أغلبهم تجاوزوا الستين تحت إشراف ويليس كارتو Willis Carto (توفي السنة الماضية)، وهم جميعاً يدافعون في هذه الجريدة عن أطروحة المؤامرة الداخلية، بل يتهمون إسرائيل باعتبارها لعبت دوراً في صناعة هذا الحدث حتى يتم القضاء على القوة العراقية المتنامية في منطقة الشرق الأوسط والتي يهدد وجودها الكيان الصهيوني. مع ذلك اليوم نلاحظ أن هذا الحدث يقترب من أن يكون مثل تابو يحرم الحديث أو الشك فيه، وهذا بطبيعة الحال ليس بسبب الدافع الأخلاقي لاحترام ذكرى الضحايا الذين سقطوا في هذا اليوم المشؤوم، ولكن بسبب الرغبة في الإبقاء على النسخة الرسمية للوقائع رغم كل الشكوك التي تحيط بها. كل من ينتقد أو يشكك أو يحاول مراجعة الأحداث التاريخية يتم اليوم التضييق عليه وإقصاؤه واعتباره مجرد أبله بعيد عن الحقيقة المجمع عليها. وكما أبان ميشيل فوكو في العديد من أطروحاته لم تعد الحقيقة المعاصرة محل اكتشاف بل محل سلطة تفرض على الجميع انطلاقاً من مؤسسات محددة وبأغراض سياسية أو تجارية. غير أنه في المقابل نجد اليوم العديد من المنتديات والمواقع على الإنترنت، إضافة إلى باحثين أحرار يطرحون الوقائع من وجهة نظر مغايرة. وسواء كنا مع هؤلاء أو أولئك فإن ما هو مؤكد هو أن حدث 11/‏‏9 قد تم استثماره سياسيا من أجل صناعة عالم جديد وعلاقات دولية جديدة. في هذا السياق يمكننا أن نفهم التعبير الذي راج مباشرة بعد سقوط البرجين: «هم فعلوها لكننا أردنا ذلك». وهو تعبير يدل على أنه حتى وإن كانت القاعدة وراء هذا الاعتداء إلا أن هناك جهات داخلية سهلت ذلك وسمحت به. الحداثة ضد الإرهاب أن ننتقد الإرهاب اليوم معناه أن ندافع عن قيم الحداثة والتنوير، لكن في الآن ذاته ننتقد الحداثة، خاصة في صيغتها الظافرة والمتسلطة، تلك الحداثة التي أدت اليوم إلى خلق نموذج الدولة التي لا تستمد شرعيتها من الإرادة الحرة للناس، ومن القوانين المؤسسة للفضاء العمومي، بل هي تستمدها من الدوائر المغلقة ومن المصالح الضيقة للوبيات وجماعات الضغط. وإذا كانت الحقيقة في الفكر الأنواري الجديد مع هابرماس مثلاً ينبغي أن تكون خطابية ومفتوحة على النقاش الحر في الفضاء العمومي، فإنها على العكس من ذلك في فكر المحافظين الجدد ينبغي أن تكون ملك ثلة من الأفراد الذين يديرون شؤون العالم في سرية تامة. وكما أوضح ليو شترواس وهو الأب الروحي والملهم الأساسي لأفكار المحافظين الجدد، والذي طالما عبر عن كراهيته لليبرالية، فإن الخطأ الجسيم الذي ارتكبه سقراط هو أنه فتح القول الفلسفي على المدينة، وعلى العامة وهو ما أدى به إلى هلاكه. إننا لا نحتاج إلى التذكير هنا إلى أن الفلسفة يقوم جوهرها بالأساس على تجاوز كل معرفة باطنية تنبني على معتقد سري كما هو الأمر في الأسطورة مثلاً. تاريخياً ولدت الفلسفة داخل الآغورا وظلت ملتصقة بها، هذا واضح عند كل أعمدة الفلسفة اليونانية. خذ مثلاً أفلاطون، فرغم أنه ينتقد بشدة فكر العامة القائم على الصراخ والعويل بدل الحجة والدليل، إلا أنه اختار في أسطورة الكهف الشهيرة، وبعد أن حطم الفيلسوف القيود التي تشده إلى عالم الزيف والأوهام واكتشافه للنور، أن لا يستأثر بهذا الاكتشاف لنفسه، بل أن يعود للكهف من جديد كي يمد يد العون لزملائه ويساعدهم على تحطيم قيودهم الخاصة رغم كل ما في المحاولة من مخاطرة لأنها قد تؤدي بهؤلاء العامة الذين اعتادوا على الظلام إلى الإجهاز عليه. نقول هذا الكلام كي نؤكد على أن كل موقف يدعي احتكار الحقيقة لا بد أن يسقط في الشمولية، سواء باسم الطهرانية الإسلامية (حالة الجماعات التكفيرية) أو باسم الطهرانية المسيحية (حالة المحافظين الجدد). وعليه إذا كان الإرهاب اليوم قد أصبح ظاهرة عابرة للحدود وذا جاذبية قوية تجلب إليه كل الناقمين على الحداثة والديمقراطية، فإن الحل لا يمكن أن يكون بأي حال من الأحوال عبارة عن مؤامرات ودسائس تحاك في الخفاء من طرف لوبيات وجماعات سرية، بل بالعكس تماماً لا يمكن الوقوف في وجه الإرهاب إلا بابتكار حلول جماعية وتخطيط دولي تشاركي. أما الحلول المؤامراتية فإنها لن تفعل شيئا آخر سوى أنها ستفاقم من أشكال الإرهاب وتوسع دائرته. من شأن الحداثة أن تكون ضد الإرهاب ولكن شريطة أن لا تتحول هي ذاتها إلى نموذج معولم يقتلع الشعوب قهراً من هويتها ويزج بها في تغيرات جارفة مبنية على التسليع والربح المتعاظم. من هذا المنطلق نفهم المراجعات النقدية التي طالبها هابرماس من أجل إصلاح أعطاب الحداثة وإدماج المسألة الثقافية والهوية المجتمعية كبعد أساسي ضمن أي عملية تحديثية (2). هذه العملية في نظر هابرماس لن تكون ناجحة إلا إذا أخذت بعين الاعتبار أهمية التواصل في رأب الصدوع التي تخلفها السيرورات التحديثية، فالعنف في نظره يحدث بسبب انعدام التواصل والحل هو أن يتم تعزيز الثقة بين الشعوب بواسطة القانون الدولي النزيه. ما بعد11 سبتمبر لقد سعى هابرماس إلى إنقاذ المثل التليدة للأنوار، بواسطة الرهان على تواصل فعال يضمن الاعتراف بحقوق الآخر. ولكن إلى أي حد يمكن أن يكون هذا الحل ناجعاً مع الإرهاب؟ يبدو أن الفلسفة التواصلية عند هابرماس لم تلامس جيداً الطابع المأساوي الذي تنطوي عليه ظاهرة الإرهاب. فنحن أمام شكل من الصراع يقدم نفسه ليس كمجرد نزاع بل كاختلاف أساسي طبقاً للتمييز الذي يقدمه ليوتار للمفهومين. الأول تتم تسويته بواسطة اللغة المتاحة، أما الثاني فهو يطالب بلغة جديدة بتاتاً. صحيح أن الفلسفة خطابية لكنها في الآن ذاته مأساوية. بمعنى أنها تشرح بشكل نقدي اللامساواة وعدم التكافؤ الذي أنتجته الحداثة، لكنها لا تضمن أبداً نجاح البشر في إمكانية تجاوزهم لشرطهم الوجودي. إن ما هو (غير مسبوق) في 11/‏‏9 طبقاً لجاك ديريدا (3) هو أننا أصبحنا نتحدث عن شيء غير مفهوم، شيء ما حدث بالفعل لكننا غير قادرين على تصوره أو صياغته بلغة عقلية مفهومة. وإذا كان هذا الحدث الفريد من نوعه قد قسم التاريخ، حقاً، إلى ما قبل وما بعد فإنه يهمنا هنا متابعة ما الذي تغير بعد الحادي عشر من سبتمبر. ما نحن غير قادرين على قوله ربما حتى بيننا وبين أنفسنا هو أن هذا الحدث القيامي l’évènement apocalyptique أثار لدينا المخاوف من كون الجنس البشري ربما سيدمر نفسه بنفسه، وأنه في عالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر علينا أن نعوِّد أنفسنا على التعايش مع هذه الظاهرة الجديدة المناقضة والرديفة للحداثة في الآن ذاته. وأن الجاذبيات الروحية التي يتضمنها الدين بكل معتقداتها وأساطيرها لا يمكن بتاتاً أن تذوب تحت السيولة الجارفة للرأسمالية والحداثة. قد يتعلق الأمر بكل هذا وذاك، ويبقى الشيء الواضح والجلي اليوم بالنسبة للجميع هو أنه منذ هذا التاريخ يبدو أننا قد دخلنا مرحلة جديدة استبدلنا فيها طبيعة الصراع الذي كان يحسم تقليدياً بواسطة الحروب بشكل أفظع منها- وهذا من سخرية الأقدار طبعاً- بصراع غير قابل للمعالجة. اليوم حتى بعد هذه المدة الزمنية التي تفصلنا عن الحدث مازلنا لم نمتلك بعد كامل حقيقته، لكن ما هو مؤكد لنا جميعاً هو أنه منذ هذا التاريخ لم يعد العالم الذي نعيش فيه برمته ملكا لنا، فنحن عرضة لتلاعبات السياسة وتناقضاتها ومغامرات الرأسماليين في بورصة المال وتجارب العلماء غير المتحكم فيها. لذلك فنحن ما زلنا إلى يومنا هذا نعيش ما سماه جاك ديردا بـ «محنة الحدث» حيث أكبر سمات هذه المحنة هو: «عدم القدرة على فهم ما يحدث» (4)، هكذا ما دام أن الحقيقة لم تعد مجالاً خطابياً بل هي حكر على الجماعات السرية الضاغطة، ليس غريباً إذن أن تزدهر نظرية المؤامرة ويتسع مداها. والمفارقة الكبرى هي أنه كلما ارتفع الشعور بعدم القدرة على تملك العالم، فإن ردود الفعل العنيفة وأشكال التطرف ستتفاقم بدورها وتتسع دائرتها، وليس هناك ما هو أوضح من ذلك سوى هذه الفوضى الكلية التي نعيشها حالياً. محنة الحدث تستمر في الحالة السورية وفي الربيع العربي بشكل عام. الهوامش 1 ــ rebuilding america›s defenses التقرير موجود على النت ويمكن الاطلاع عليه بالفرنسية أو الإنجليزية 2 ــ جيوفانا برادوري: الفلسفة في زمن الإرهاب حوارات مع يورغن هابرماس وجاك دريدا. ترجمة خلدون النبواني، نشر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الطبعة 2013 ص 58 و59 . 3 ــ المرجع السابق ص 148. 4 ــ نفسه ص 153. ضرورة «حدث كارثي» قد يكون الحدث فظيعاً وصادماً بالنسبة للرأي العام، ولكنه على ما يبدو ليس كذلك بالنسبة للإدارة الأميركية في عهد بوش واليمين المحافظ. إن ما أطلق عليه: «مشروع من أجل قرن جديد لأميركا» Project for the New AmericanCentury والمعروف اختصاراً بـ PNAC وهو واجهة تأسست سنة 1997، وتضم مجموعة من المحافظين الجدد مثل رامسفيلد وبول وولفووتز وديك تشيني، كان قد أصدر تقريراً تحت عنوان: (إعادة بناء الدفاع الأميركي)، حيث يذكر هذا التقرير أن «تعزيز القيادة الأميركية للعالم» قد يتطلب وقتاً طويلاً، وقد يفترض هذا ضرورة وجود حدث كارثي كبير، مثل حدث بيرل هاربر كمبرر لتعزيز هذه القيادة وبنائها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©