الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«كتاب أبوظبي».. غرس زايد

«كتاب أبوظبي».. غرس زايد
6 مايو 2015 22:05
لم يشرد ذلك الظبي من الجزيرة.. لقد بقي شاهداً على بدايات بيوتها وحاراتها وأهلها القادمين من أعماق ليوا، يدلهم على منابع المياه العذبة، ويستريح معهم من عناء بناء البرج الأول في مواجهة البحر.. كان ذلك في عام 1761م حين قال الشيخ ذياب بن عيسى آل نهيان لرجاله: «هنا نضع اللبنة الأولى»، وما هي إلا لحظة تاريخية حتى وجد ذلك الظبي ظلاً بارداً يتكئ فيه على جدارٍ نابضٍ بالحياة.. هل في هذه الصورة المشهدية ما يشير إلى الكتاب؟ نعم، إن الكتابَ ظبيٌ يدل قارئه على المياه العذبة، في المكان نفسه الذي بنى فيه الشيخ ذياب بن عيسى برجه الأول! إنه مبنى المجمع الثقافي، الملاصق تماماً لقصر الحصن، وأبراجه التي تنوعت في العمارة، وتاريخ البناء ومراحل التطور عبر نحو مئتين وخمسين سنة، حين وقف قائد آخر للمرة الثانية وفي المكان ذاته، وقال: «هنا نسطر الفصل الأول في قصة كتاب أبوظبي»، وبقي واقفاً حتى كان أول زائر لأول معرض. زمن الخيمة بدأت قصة معرض أبوظبي الدولي للكتاب من اليوم الأول لافتتاح مبنى المجمع الثقافي سنة 1979 1980، حين وجّه المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ببناء مكان يترجم رؤيته في جمع المعارف والعلوم والثقافات والفنون تحت سقف واحد، وفي مكان له أثر في مسيرة الحياة والبناء عبر مئات السنين، ومرتبط بذاكرة القيادة والحكمة والقوة والوجود. وبعد ترتيب المكان بما يتناسب مع نظامه الأساسي الحديث، وتوزيع المهام على مؤسساته وفق رؤية تخصصية واضحة، أقيم معرض كتاب مصغر في سنة 1981، ضم عدداً من عناوين الثقافة الإسلامية، التي تعكس روح أبوظبي المتسامحة، ورؤيتها الحضارية للثقافة والمعتقدات والتنوع، وتشيع معاني التعايش بين الجميع. إن قراءة الحدث الثقافي وتاريخه «المجمع والمعرض وسنة 1981» يجعلنا نقف أمام مفصل تاريخي مهم في تثبيت دعائم البناء الثقافي في أبوظبي والدولة عموماً. ففي سنة 1971 وقف الشيخ زايد وسط أخوانه حكام الإمارات ليشهدوا رفع علم دولة الإمارات العربية المتحدة، وبعد عشر سنوات من ذلك التاريخ، يقف القادة أنفسهم أيضاً ليفتتحوا مبنى المجمع الثقافي في أبوظبي، ونشاطه الأول والمتمثل بمعرض للكتاب.. تلك السنوات العشر شهدت بناء جميع مفاصل الدولة في سباق مع المستحيل، لم يتوقف على زراعة أو تعليم أو صحة أو رياضة، لتشهد الدولة إنجازات شاملة، أدخلت في حياة الناس تحديثاً هائلاً، مع تكريس روح الانتماء وأصالة العيش والجذور. وها هو المجمع الثقافي في أبوظبي واحد من إنجازات السنوات العشر الأولى من عمر الاتحاد، وجد ليبعث إشعاعه من أبوظبي إلى جميع مدن الدولة بل تعداها إلى المحيط الخليجي والعربي والعالمي في كثير من المواقف والأعمال والنتاجات المشتركة. لقد استمر معرض الكتاب الإسلامي يتكرر من سنة 1981 وحتى 1985. لكن في سنة 1986 تغير اسم المعرض إلى «معرض أبوظبي الأول للكتاب»، وتغير معه شكل العرض ومضامينه وعناوين الكتب ودور النشر المشاركة. أما المكان فقد ظل بجوار تلك الظلال التي يتفيأ بها الظبي، ذلك الدفء العميق للموقع التاريخي المتمثل بالمساحة الخارجية الرابطة بين قصر الحصن والمجمع الثقافي، إذ بقي المعرض طيلة سنوات يقام في «خيمة المجمع»، وهي الخيمة التي شكلت أيضاً ذاكرة جيلٍ من زوار الكتاب، ارتبطوا بتفاصيل تلك الحقبة التأسيسية. لحظة فارقة بعد تجواله في أروقة معرض الكتاب الأول سنة 1986، وقف المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، متحدثاً عن تلك اللحظة التاريخية التي أسست لتقليد سنوي فيما بعد، اسمه معرض أبوظبي الدولي للكتاب. تلك اللحظة التي رآها الشيخ زايد قبل حدوثها بسنوات، وهو يسعى إليها ضمن منظومة بنائية تأسيسية شاملة، كانت ولم تزل مثار إعجاب العالم في القريب والبعيد. قال الشيخ زايد وهو يتصفح أحد الكتب: «الكتاب هو وعاء العلم والحضارة والثقافة والمعرفة والآداب والفنون، والأمم لا تقاس بثرواتها المادية وحدها وإنما تقاس بأصالتها الحضارية. والكتاب هو أساس هذه الأصالة والعامل الرئيس على تأكيدها».. هذه الكلمات أسست لرؤية مستقبلية في ظرف زماني ومكاني معروف للجميع، حيث كان السباق مع الزمن أحد أبرز معالم القيادة الحكيمة للشيخ زايد، ودوره التاريخي الذي أدركه هو أولاً قبل أن يدركه غيره فيه، لذلك لم يكن يفصل بين مهمة وأخرى على أساس الأهمية أو الضرورة، بل كان البناء في آن واحد يشمل الاقتصاد والثقافة، ويشمل الآلة والكتاب، إنها حقبة الغرس الحقيقي بكل معانيها الجليلة. إن الموقف الثقافي المعرفي للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، تجلى في أكثر من مكان ومناسبة، فهو لم يقل ما قاله عن الكتاب في مناسبته فحسب، بل ظل يواكب ويتابع ويعيد ويذكّر بأهمية الكتاب ودور الثقافة والتعليم في حياة الأمم والشعوب، وها هو يقول في مناسبة أخرى: «لقد آن لنا أن نستعيد عزتنا ومجدنا، ولن يكون ذلك بالمال وحده، وما لم يقترن المال بعلم يخطط له وعقول مستنيرة ترشده، فإن مصير المال إلى الإقلال والضياع. إن أكبر استثمار للمال هو استثماره في خلق الأجيال من المتعلمين والمثقفين».. لقد أدرك المغفور له بإذن الله الشيخ زايد منذ البداية أن المعرفة قوة، والقوة لن تتحقق كاملة بأي شيء آخر غير المعرفة، والعزة والمجد لم تتحقق بالمال، ولابد من العلم والمعرفة والثقافة، أي لابد من الكتاب، الوعاء الذي يحوي كل أجناس الآداب والعلوم والمعرفة. وبالتالي فإن الاستثمار في الكتاب هو أفضل استثمار لأنه سيخلق أجيالاً من المتعلمين والمثقفين، وهي الكلمة التي كتبها المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في كتاب القيادة الحقيقية، حين قال:»إن أفضل استثمار للمال هو استثماره في خلق أجيال من المتعلمين والمثقفين، علينا أن نسابق الزمن، وأن تكون خطواتنا نحو تحصيل العلم، والتزود بالمعرفة، أسرع من خطانا في أي مجال آخر». وسائل العلم والثقافة لابد أن تكون أسرع من أي مجال آخر.. هذه الكلمة النادرة في تاريخ القيادة النادرة، هي اليوم تضيء بشعاعها الخيّر، احتفالات أبوظبي باليوبيل الفضي لمعرضها الدولي للكتاب، وهي 25 علامة مضيئة على خريطة المعرفة والمستقبل، ولم يكن معرض أبوظبي الدولي للكتاب يصل إلى هذا الحضور العالمي، وبهذا المستوى التنظيمي والفعل الثقافي اللائق، لولا دعم وتشجيع وحرص صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، على البناء الثقافي، ضمن روح الهوية الوطنية، وبناء الأجيال بناءً معرفياً وعلمياً وثقافياً، وقد تم ذلك برعاية كريمة ومتواصلة بل وحضور أكيد وداعم من قبل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة. ولا تزال كلمات سموه تتردد في آفاق المعرض عندما قال: «إن إقامة المعرض في مدينة أبوظبي سنوياً يتوافق مع المكانة المتنامية لهذه المدينة كمركز للثقافة والعلوم، يحرص على تعميق الفكر، ويدعم الثقافة بكل أنماطها، ومختلف فروعها، لتنشأ عن كل ذلك مدارس فكرية تجمع بين أصالة المنهج والتفكير الموضوعي النزيه، إلى جانب اكتساب الخبرات». بديل حضاري وها هي أبوظبي تقدم معرضها السنوي الأكثر فاعلية وسعة وتطوراً في ميدان الكتاب ومنتجاته الثقافية والمعرفية، كبديل حضاري عن التشنجات والتراجعات في المحيط الجغرافي، الذي - للأسفٍ - كان عليه (المحيط الجغرافي) أن يكون بمستوى عمقه التاريخي، فيرتقي إلى مصاف الضرورات المعاصرة، حاملاً معه إرثه المضيء، لا أن يطفئ كل شموعه المضاءة عبر التاريخ ليؤثر سلباً على نفسه والمنطقة عموماً. إن أبوظبي اليوم تقدم النقيض الرائع، وهي تستضيف عبر معرضها آلاف الشخصيات، وتعرض ملايين العناوين، وتنصب للمتحدثين مئات المنابر في مهرجان ثقافي لم يكن هو الوحيد، بل أحد أعيادها في مواسمها الثقافية والتراثية والاجتماعية والإعلامية والاقتصادية المتعددة. لقد تضمنت فصول قصة معرض أبوظبي الدولي للكتاب عشرات العناوين التاريخية، التي تستحق أن توضع أمام الأجيال المقبلة، ليتعرفوا إلى جهود حشد من الشخصيات التي مرت على هذه القصة، من مؤسسين ومنظمين وناشرين ومؤلفين ومشاركين، ممن يعدون بالآلاف، يتقدمهم أصحاب القرار الذين ساهموا بفعل توجههم الحضاري في رفع سقف الرقابة على الكتب بل ورفع الرقابة نهائياً، وهو الأمر الذي ساهم في إنجاح مسيرة الكتاب ومنتوجاته البناءة. كما شهد المعرض شخصيات اجتماعية وفعاليات اقتصادية ساهمت في دعمه، بالحضور وافتتاح المواسم، والتجوال في أروقته، والتعبير بالمشاركة الفعلية، عبر مساهمات أخرى متعددة. إن قصة معرض أبوظبي الدولي للكتاب، وعلى الرغم من الاحتفال بالدورة الخامسة والعشرين، فإنها في الحقيقة بدأت منذ نحو 35 سنة، أي منذ 1981، ولكن المقصود باليوبيل الفضي، الذكرى الخامسة والعشرون لإقامة أول دورة للمعرض بالمعنى الشامل تنظيماً ومشاركات وتوسعة لمختلف صنوف المعرفة والعلوم والآداب سنة 1986.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©