الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رمضان ومفهوم التقوى

9 يونيو 2018 23:13
من يتتبع منظومة الشريعة الإسلامية يجدها سلسلة ذهبية متكاملة لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً، ففي كل أمر ونهي تجد الدقة والانضباط، وأهدافها تصب في مصلحة الفرد والأسرة والمجتمع والأمة بشكل عام، فلا مكان للانزواء أو التعصب، بل إن تشريعات الإسلام تؤكد وحدة الصف والتضامن، واجتماع الكلمة ولم الشمل ونبذ الفرقة والاختلاف، ويأتي رمضان ليؤكد هذه المفاهيم ويرسخها في قلوب الصائمين. إن أمتنا الإسلامية اليوم في أمسّ الحاجة إلى غرس مفهوم «التقوى» في نفوس أفرادها، فالتقوى من أكبر ثمار الصيام التي جاء رمضان ليحققها في القلوب. وعلى الإنسان أن يتقي الله في نفسه، وأن يتقي الله في غيره، فالتقوى في معناها اللغوي مشتقة من وقى، والوقاية هي حفظ الشيء ممّا يؤذيه ويضره، يقال وقيت الشيء أقيه وِقاية ووِقاءً، فنحن مطالبون بأن نقي أنفسنا مما يضرها، باتباع ما أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم واجتناب ما نهى عنه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. وكذلك من التقوى ألا نكون سبباً في إيقاع الضرر بالآخرين وتشويه سمعتهم والنيل منهم، فالتقوى لا تنحصر في حفظ الجوارح في نهار رمضان فحسب، وإنما التقوى هو المنهج الذي يجب أن نمشي عليه ونتعامل به مع الله سبحانه وتعالى، ومع الآخرين ليشمل علاقاتنا كلها كأفراد وأسر ومجتمعات. ونحن أيضاً مطالبون بغرس مفهوم «الصبر» في حياتنا وتعاملاتنا مع الآخرين فالصبر من أكبر ثمار رمضان التي يجب أن نتدرب عليها في هذا الشهر الفضيل تدريباً عملياً مع أنفسنا وأهالينا وجيراننا. وكذلك يجب أن نتحلى بصفة الصبر أثناء تعاملاتنا في المؤسسات ومع المراجعين ومع طلبة المدارس والأطفال والخدم وعوام الناس، فالصبر من أجمل الصفات التي يتحلى بها العقلاء والحكماء، فحتى المشكلات الدولية العصرية تحتاج إلى أناس يتحلون بالصبر كي تتحرك العقول لاتخاذ القرارات المناسبة التي تحفظ الأخوة الإنسانية وتمنع الشحناء والبغضاء والكراهية، وترسخ مبدأ الحكمة وتحكيم العقل. إن الجو الرمضاني يختلف اختلافاً كبيراً عن بقية الشهور، فالمشهد الرمضاني يتسم بالتواصل والرحمة والتسامح، فالكل يسعى إلى التوبة والتسامح مع الآخرين والاعتذار عما بدر منه في السابق، وبدء صفحة جديدة مع الله سبحانه وتعالى ومع الناس. والكل يتسابق إلى إطعام المسكين والتصدق وإخراج الزكاة والمساهمة في أعمال البر في مشهد إنساني يتسم بالرقي وقيم الحضارة التي أسسها الإسلام وعمت أنوارها في أصقاع الأرض. واليوم نحن مطالبون بتوسيع الترابط فيما بيننا حتى بعد رمضان. وكذلك على الصعيد الدولي، بحيث نعين بعضنا بعضاً، ونعالج قضايانا ومشكلاتنا بروح إنسانية بعيداً عن العنصريات و«الحزازيات» التي تفرقنا كبشر وتشتتنا. وقد جاء رمضان في دورته السنوية ليربي الأمة ويعيد برمجتها السنوية في وقت واحد في نفس التوقيت، وكأن الأمة الإسلامية دخلت دورة سنوية في مجالات أخلاقية وقيم إنسانية راقية وعادات صحية تحفظ صحة الإنسان، وهي بحد ذاتها رسالة لأهمية «الوحدة الإسلامية»، فالأمة قوية في وحدة أفرادها وضعيفة في تشتتها وخلافاتها، فنحن مطالبون اليوم بالوحدة، وإجماع الكلمة والرأي وربط جميع الدول الإسلامية برباط الأخوة وشدها بحبل الوحدة كالجسد الواحد الذي إذا تأثر فيه عضو واحد تأثرت باقي الأعضاء. لنجعل من رمضان فرصة لتصحيح مساراتنا على صعيد الأفراد والأسر والمجتمعات والدول، وليكن هذا الشهر منطلقاً ننطلق منه إلى الوحدة والتضامن فيما بيننا، فهذا الأمر لن يتحقق بإقامة المؤتمرات الداعية للوحدة فحسب، وإنما يجب أن نصلح أيضاً ما في أنفسنا أولاً ونقومها، ونعيد بناءها من جديد، ثم نطبقها مع الآخرين على الصعيد النفسي والاجتماعي والإقليمي والدولي، بحيث نكون مستعدين للتعايش مع الآخرين ونتقبلهم كما هم، وبهذه الطريقة نكون قد استفدنا حقاً من رمضان وحققنا مكاسبه المنشودة التي يجب أن نتمسك بها، وألا نفرط فيها أبداً. فيصل بن زاهر الكندي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©