السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«هيروشيما حبي».. أيقونة السّينما الفرنسية

«هيروشيما حبي».. أيقونة السّينما الفرنسية
26 يوليو 2017 20:36
 يحظى الفيلم الروائي الفرنسي «هيروشما مون أمور» بشعبية كبيرة في فرنسا، وذلك منذ عام 1968 فقد اجتمعت لهذه التحفة السينمائية كل مقومات النجاح؛ بل والاستمرار في النجاح خلال ما يزيد على 5 عقود من الزمن. حيث السيناريو بقلم الكاتبة الفرنسية الراحلة مارغريت دوراس، التي وهبت حياتها للكتابة والتأليف وخلفت وراءها عشرات الروايات كلها موجودة في المكتبات الفرنسية، وفي بيوت الفرنسيين؛ لأن دوراس سطرت كتاباتها الروائية بأسلوب إبداعي مبتكر بحسب النقاد والقراء، وذلك من حيث الجرأة الحادة والجودة المطلقة والتمكن المحكم من زمام لغة فولتير. ومن حسن حظ الفيلم «هيروشيما عشقي» أنه من إخراج السينمائي الفرنسي الكبير آلان رينه، الذي ترك للفرنسيين وللناطقين باللغة الفرنسية أعمالا سينمائية تعتبر جواهر الكلاسكية السينمائية الفرنسية، كما مثّلت في الفيلم  أمنويلا ريفا في ريعان شبابها وتألقها في مجال التمثيل والأداء. وهي التي عرفت بسيدة الشاشة في فرنسا. وقد رحلت «ريفا» عن عالمنا قبل 3 أشهر. وأعاد رحيلها موجة من الاهتمام بأعمالها الفنية خصوصاً «هيروشيما عشقي»، الفيلم الخالد في فرنسا رغم التطور التكنولوجي في مجال الإخراج والتصميم. وحصل هذا الفيلم على العديد من الجوائز، من بينها جائزة الفدرالية الدولية للصحافة والسينما في مهرجان «كان» عام 1959. وذلك بعد عام من تصوير الفيلم. كما حصل «هيروشيما عشقي» على جائزة الكتابة السنمائية والتلفزونية. الحب رغم الدمار  تبدأ أحداث الفيلم في صيف 1968، في مدينة هروشيما بعد الدمار، وتوجد في المدينة شابة فرنسية مهمتها التمثيل في فيلم حول السلام، إلا أن «هيروشيما عشقي» هو المقطع الأخير من هذا الفيلم، حيث تحاول الشابة الفرنسية الثلاثينية مغادرة المدينة والعودة إلى باريس لزوجها ولطفليها. غير أنها تلتقي بشاب ياباني مهندس متزوج هو الآخر ولديه أبناء؛ لتبدأ قصة حب على أنقاض الدمار رغم الزواج والأطفال والجراح، فالمهم في القصة ليس مجرد اللقاء بين الشابين؛ فهذا حدث يحصل كل يوم في اليابان وغيرها من الدول؛ تقول دوراس. المهم حسب السيناريو هو حالة الحب على وقع الجراح والدخان والخراب، إنها نزوة ليلة يتيمة في مدينة يتيمة كل شيء فيها سواء أكان كلمة أو حركة له معنى أكثر من غيره في أية بقعة من الكون؛ لأن الدمار حوّل المدينة المنكوبة إلى ورشة عمران وبناء، تعكس فلسفة الإنسان الياباني، فهي عقلية تبني رغم المأساة والجراح والجوع. «رأيت الجرحى والناجين، رأيتهم يرمون الطعام في كل المدن، كل مولود جديد يأتي معاقاً. رأيت في هيروشيما الصبر والمعاناة، حتى المطر أصبح مخيفاً، مدن بأكملها حزينة ضد الفوارق بين الشعوب، يمكنني أن أنسى مثلك كل هذا الرعب، لماذا الإنكار أمام 200000 قتيل و80 ألف مصاب، مدينة بأكملها تنهار في ثانية واحدة. ألتقي بك وأتذكرك تعجبني وتقتلني في الوقت نفسه، ضمني إليك في هذه المدينة المنكوبة» تقول «ريفا» قبل أن تضيف هل أنت ياباني حقاً؟ يرد المهندس نعم أنا ياباني قح. تقول الممثلة رأيت كل شيء في هيروشيما، يرد الشاب الياباني، لا لم تري شيئاً في هيروشيما، هي: رأيت المستشفى في هيروشيما، هو: لم تري شيئاً في هيروشيما. تظهر الممثلة الشابة وهي ترتدي حجاباً، قبل أن تظهر مكشوفة الصدر والذراع، هذا النقاب الذي أصبح اليوم قضية في فرنسا وفي العديد من الدول، أرادت الكاتبة أن يكون الرداء أو الحجاب حاجزا بين المشاهد والشاشة، بحيث يترقب الآتي؛ شيئاً فشيئاً تظهر كتفيها وضلعيها. في حالة التباس؛ كأنها محفوفة بدخان وعرق وتبقى حالتها مبهمة ورأسها مخفياً. رغم معانقة الشاب الياباني صاحب الدور الثاني في الفيلم بعد البطلة «امونيلا ريفا». الزمان والمكان تشير عقارب الساعة إلى الرابعة بعد الزوال في ساحة السلام في هيروشيما وعلى مقربة من فنيين سينمائيين لديهم كاميرا وشاشات للعرض، وعمال يابانيون يطوون مسرح التصوير، يرى المشاهد فريق السّينما دون أن يعرف ماذا يصور. لكن شعاراً مكتوباً بعدة لغات يظهر في الخلفية؛ يقول هذا الشعار: «من أجل أن لا تتكرر هيروشيما» يفهم المشاهد تلقائيا أن هذا الشعار يوحي إلى اسم الفيلم. تظهر ريفا أمنيولا مكشوفة الرأس هذه المرة مستندة على لوحة تحمل نفس الشعار، حليقة الرأس كأنها ممرضة. تمر الجماهير قرب ساحة السلام من دون أن تلقي بالا لتّصوير باستثناء الأطفال الذي ينظرون بشغف، فقد تعود الناس هنا على تصوير أفلام حول السلام منذ نهاية الحرب». الفتاة: «ألتقي بك، إني أتذكرك. من أنت؟ إنك تقتلني وتسعدني. كيف لم يخطر على بالي أن هذه المدينة مصممة على مقاس الحب؟ كيف لم يخطر ببالي أنك خلقت على مقاس جسدي. إنك تعجبني، أي إحساس هذا وأي دفء، لا يمكنك أن تدرك أنك تقتلني، لدي الوقت. ضمني إليك». فجأة يظهر وجه الفتاة مفعما بالمشاعر؛ وهي تنحني نحو الشاب الياباني قائلة: كم هي وديعة ولطيفة أناملك». هو: لماذا تشاركين في فيلم حول السّينما في هيروشيما؟ هي: «أحب الإطلاع، أعتقد أن النظر والمشاهدة تنمي موهبة البصر»، وفي اللقطة الموالية تظهر الفتاة فوق سطح عمارة وهي تنظر إلى المارة: مشاة وأصحاب دراجات هوائية، تحتسي كأس قهوة ثم تعود إلى الغرفة وتجد الشاب الياباني يغط في نوم عميق ويده تهتز كأنه في حلم عنيف، تنظر إليه ووجهها يمتلأ حسرة على الماضي، والعشق القديم لجندي ألماني تسلل إلى قلبها، في فترة الحب فيها حرام بل هو خيانة عظمى في فرنسا المحتلة من طرف الجيش الألماني، وكانت الفتاة الفرنسية تتعرض لأشد العقوبات حين تقع في حب الجنود الألمان، وتتراوح هذه العقوبة الأسرية والاجتماعية بين الحجز في غرفة انفرادية وبين القتل بتهمة التعاطي مع المحتل. تدلف الشابة غرفة النوم وتقول للياباني هل تريد كأسا من القهوة، فيرد بالإيجاب، ثم تسكب له كأس القهوة وهو مستلق على الفراش، يقول لها أين كنت وقت الانفجار في هيروشيما؟ هي: في باريس. هو: وأين كنت قبل باريس؟ هي كنت في «نفير». هو: ولماذا أردت رؤية كل شيء في هيروشيما؟ هي: رغبة مني في معرفة كل ما حدث. هو: هل تعرفت على الكثير من اليابانيين؟ هي نعم؛ لكن لم أتعرف على أحد مثلك. هي: وأنت ما هي مهنتك، هو: أنا مهندس، واهتم بالسياسة. هي: من أجل هذا تتحدث الفرنسية بطلاقة. هو: ما هو الفيلم الذي تمثلين فيه، هي: فيلم حول السلام.  العودة إلى باريس  أمونيلا ريفا: «في مثل هذا الوقت غدا أكون في طريقي إلى باريس». الشاب الياباني: «لكنك لم تخبريني من قبل؛ فأنا أريد أن أراك مجددا حتى ولو كانت طائرتك هذا المساء»، هي: «لا؛ لم يكن من الضروري أن أخبرك بموعد رحلتي»، وتنهض من السرير وتأخذ ساعتها اليدوية ثم تفتح باب الغرفة قائلة: «ل»ا، ردا على طلب الياباني للمرة الثانية. الياباني: «أي مدينة تقصدين في فرنسا». هي: «باريس». هو: لا تذهبين إلى «نفير»؟ هي: «لم أعد أذهب إلى نفير. هنالك قضيت ذروة شبابي وجنوني». هو: «عندما تتحدثين أتساءل هل تكذبين أم تقولين الحقيقة». هي: «أنا أكذب، وأقول الحقيقة أيضاً، لكن معك أنت لا داعي لأن أكذب». هو: «قولي لي هل عشت مثل قصتنا أحياناً؟»، هي: ربما، لكن ليس بشكل منتظم؛ أحب الشباب. هو: «أريد أن أبقى معك شهوراً وسنوات»، هي: «تقول هذا لأنك تعرف أني أغادر غداً».  فيلم عالمي حول السلام تستقل أمنويلا ريفا سيارة لتذهب إلى مكان التصوير، حيث نرى عدداً من الفنيين منشغلين في إعداد فيلم حول السلام. وتظهر البطلة مستلقية على الأرض تحت شجرة وبين يديها قطة بيضاء تتحرك بهدوء كأنها مدربة على العمل السينمائي. في الفقرة نفسها يلتحق المهندس الياباني بالممثلة؛ ويتساءل: هل هذا الفيلم فرنسي؟ ترد أمونيلا: لا إنه فيلم عالمي حول السلام. تظهر الممثلة وهي متردة بين الجدران، لا تعرف وجهتها، تبدو على ملامحها حالة الانكسار. تغسل وجهها وتقول: لقد خدعتك يا حبيبي مع هذا الياباني المجهول، لقد حكيت له قصتنا، في إشارة منها إلى الجندي الألماني الذي أحبته في «نفير»، تضيف قائلة: ربما لم تمت، ربما لاتزال على قيد الحياة. يظهر الشاب الياباني قائلاً: أبقي معي في هيروشيما أرجوك. بصوت خافت ترد عليه سأبقى في هيروشيما، من المستحيل أن يغادر أحدنا الآخر. سأبقى في هيروشيما. الحب في هيروشيما، اسمك هيروشيا، هو: نعم، اسمي هيروشيما. الحب الأول والأخير  تظهر الممثلة وهي مترددة بين الجدران، لا نعرف وجهتها، وتتحرك في كل اتجاه، ثم تغسل وجهها، وتعبر عن مشاعرها نحو حب انقضى، لكنها في حالة إنكار. تتصور أن حبيبها الألماني لم يمت، ربما لايزال على قيد الحياة. وتخاطب حبيبها الألماني قائلة: «لقد خدعتك هذا المساء مع هذا الياباني المجهول، وحكيت له قصتنا. منذ 14 عاما لم أذق طعم الحب المستحيل. منذ «نفير» موطن حبنا، أنظر كيف نسيتك. أريد البقاء في هيروشيما. كم أنا حزينة، لم أكن أتوقع هذا». الياباني: «من المستحيل أن أتخلى عنك. ابقي معي في هيروشيما أرجوك. من الممكن أن تبقي معي». هي: «تعرف جيداً أن من المستحيل أن يتخلى أحدنا عن الآخر». سيدة الشاشة الفرنسية أمنويلا ريفا سيدة الشاشة الفرنسية على مدار 50 عاماً، رحلت الجمعة 27 من يناير 2017 عن عمر يناهز 89 عاماً، وذلك بعد صراع مرير مع داء السرطان الذي قاومته حتى آخر أيامها رغبة منها في الحياة والعمل  في السينما، حيث شاركت في فيلم الصيف الأخير في إسلاندا، وحصلت على جائزة «سيزار» في «أوسكار عام 2013 عن فليم «الحب» ولم يكن أحد يعلم بمرضها غير المقربين منها. حافظت على حسن أدائها وعلى مكانتها سيدة لشّاشة والمسرح، وظلت متمسكة بالحياة والعمل حتى النفس الأخير.   شقت أمنويلا ريفا طريقها نحو العالمية عندما اكتشفها السينمائي الكبير ألان رينه وهذا الاكتشاف جعل منها بطلة «هيروشيما عشقي» ثم توالت الأدوار في عدة أفلام كلاسيكية وحديثة، وهي القادمة من وسط اجتماعي فقير، حيث ولدت في أسرة من أصل إيطالي، وذلك في 27 من أبريل عام 1927، وكان حلمها أن تشتغل بالحياكة، إلا أن النجومية اختطفتها لتكون واحدة من أشهر الممثلات الفرنسيات. ضمني في هذه المدينة المنكوبة «رأيت الجرحى والناجين، رأيتهم يرمون الطعام في كل المدن، كل مولود جديد يأتي معاقاً. رأيت في هيروشيما الصبر والمعاناة، حتى المطر أصبح مخيفاً، مدن بأكملها حزينة ضد الفوارق بين الشعوب، يمكنني أن أنسى مثلك كل هذا الرعب، لماذا الإنكار أمام 200000 قتيل و80 ألف مصاب، مدينة بأكملها تنهار في ثانية واحدة. ألتقي بك وأتذكرك تعجبني وتقتلني في الوقت نفسه، ضمني إليك في هذه المدينة المنكوبة». تقول «ريفا» الشخصية المحورية في الفيلم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©