الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عيون الناس ميزاني

عيون الناس ميزاني
16 يوليو 2010 20:56
الميزان للبدين العاقل مثل الكمبيوتر لمهندس البرمجيات، لكن البدين المجنون لا يعترف بنتائج ومؤشرات الميزان وإنما بنظرة الناس، فهم لا يرون ولا يعرفون إن كان المؤشر يترنّح تحت قدميه أو أنه بقي على الوزن صفر برغم وقوفه عليه، لذلك فالمعيار عنده هو ما يقوله الناس. لو قال لي الميزان: مبارك خسرت 10 كليوجرامات، ثم جاء أحدهم وقال لي وهو يفرد يديه في الهواء وينفخ خديه: ما شاء الله ازددت عرضاً. فإنني أكتئب وأصاب بالإحباط. وإذا قال لي المؤشر: ارحمني فقد زدت 10 كيلوجرامات، ثم رآني أحدهم وقال لي وهو يشفط خديه كأنه يسحب نفساً في الأرجيلة: خير إن شاء الله، يبدو أنك انكمشت قليلاً. فإنني أنتشي وأشعر بالسعادة تتغلغل بين طبقات بطني. الخطأ الذي لم أنتبه له هو أن الذين يزنونني ويقيّمونني هم في الغالب أولئك الأشخاص الذين لا ألتقي بهم إلا على فترات متباعدة، بينما الذين ألتقي بهم يومياً أو على فترات متقاربة، لا يستطيعون أن يحكموا لأن التغيير في نظرهم يحدث ببطء ولا يمكن ملاحظته. فيكون رأي الشياطين الذين يلاحظون الفرق مضللاً في معظم الأوقات، فمن يلاحظ أن وزني قد ازداد، فهو يقارن ما يراه بجسمي الذي رآه قبل سنة مثلاً، فأتحطم وأفقد الثقة بنفسي وأترك الرياضة والحِمية، والعكس مع من يقول لي بأن وزني نقص، فهو يقارن النقص الذي يلاحظه بحالتي قبل سنة حين كنت أكبر حجماً، فيغريني ثناؤه وأبدأ في الانتظام بالأكل وقلة الحركة. ولأن الناس لا يرونني كما خلقني ربي وإنما محاطاً بالكندورة البيضاء، فللكندورة دور في جريمة زيادة وزني. فما إن أتخذ قرار اتباع الحمية أو ممارسة الرياضة وأطبقه أسبوعا أو أكثر، أجري على محل الخياطة لأخيط كنادير جديدة وأطلب من الخياط ألا ينظر إلى حجمي الحالي، فعمّا قليل يا أيها الخروف سأفقد وزني وستكون الكندورة واسعة عليّ. وأنجح فعلاً في تخفيف وزني، وتكون الكنادير ملائمة فترة من الزمن، ثم تضيق عليّ الكندورة مهما اتسعت. فأفصّل كنادير جديدة تلائم ما استقر عليه جسدي، فأعود إلى ممارسة الرياضة والحِمية فتصبح واسعة عليّ. وهكذا قضيت وأقضي حياتي في كنادير ضيقة أو واسعة. ومن حسن حظي، وحظ معدتي، أنني من بلد يلبس فيه الناس الكنادير التي تغطي سائر أنحاء الجسم ما عدا الرأس والكفين والقدمين، وزيادة الوزن لا تبين عادة على الأطراف. إذا كان الشيطان يختبئ في التفاصيل، فإنه في حالات زيادة الوزن، تختبئ الشحوم في التفاصيل، فتأتي الكندورة لتغطي كل شيء وتجعله نسياً منسياً. وتستطيع الكندورة بسهولة أن تخفي زيادة الوزن لنحو 5 كليوجرامات أو أكثر، وكلما زاد الوزن توسعت الكندورة على يد الخياط، إلى أن يأتي يوم لا ينفع فيه لا مال ولا خياط ويظهر صاحب الكندورة على حقيقته. ومع هذا، فإن البدين «المُتكنْدِر» بالأقمشة البيضاء لن يسمع إلا تعليقات إجمالية، وعمومية، من مثل: دب، وثلاجة، وكرة. لكن ماذا يفعل حين يقرر ارتداء الزي الغربي؟ فأهم جزء في الجسد لقياس السمنة هو الخصر، وهذا الخصر لا محل له من الإعراب في الكندورة، لكنه يبرز بشكل واضح مع القميص والبنطلون، وينقسم الجسد إلى قسمين يفصل بينهما الخصر. لذلك، تعال انظر إلى حالي قبل السفر بأيام إذا كانت الوجهة إلى بلاد لا يرتدي أهلها الكنادير، وهي بلاد قليلة لا تتعدى أصابع اليدين، فهي الدول الخليجية الست، وبعض الدول العربية كالعراق واليمن، حيث لا يزال للكندورة فيها حضور وإن بشكل نسبي وضعيف. المحصلة النهائية أنني لا أستطيع السفر بثقة في النفس إلى 183 دولة حول العالم، وهو عدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ناقصاً دول الخليج الست والعراق واليمن، أي مجموعة 6+2. وفي كل مرة أستعد فيها للسفر إلى الدول خارج نطاق مجموعة 6+2 فإنني أشتري ملابس مناسبة وأقيسها على جسدي بإحباط شديد لأن الزي الغربي يجعل الكثير من مرتديه يحافظون على الحد الأدنى من الرشاقة، بينما نحن لا نبالي لأننا نسبح في فضاء الكنادير الفضفاضة، والغشاشة، والمخادعة، فتكون عيون الناس حينها دقيقة وأكثر قسوة من مؤشر الميزان. Ahmedamiri74@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©