السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تعليم الفتيات.. لمحاربة «بوكو حرام»

17 مايو 2014 22:46
مالكوم بوتس وأليشا جريفس عضوان مؤسسان لمبادرة «واحة» المعنية بمساعدة منطقة الساحل بجامعة بيركلي الأميركية رغم العمل المشين الذي أقدمت عليه جماعة «بوكو حرام» المتشددة باختطافها فتيات من مدرسة داخلية في نيجيريا، فإنها محقة في شيء واحد، وهو قدرة الفتيات المتعلمات على تغيير المجتمع وإحداث تحول في العقليات والثقافة السائدة، وهو ما تخشى منه الجماعة وكل منظمة متطرفة تسعى لفرض أيديولوجيتها على المجتمع. وبسبب العمل غير المسبوق الذي أقدمت عليه الجماعة، فقد تجنَّد الملايين حول العالم ممن تعاطفوا مع الفتيات في وسائل التواصل الاجتماعي من خلال وسم «أعيدوا فتياتنا» الذي انخرط فيه أناس كثر بعدما هالهم مشهد زعيم الحركة وهو يتوعد في شريط فيديو ببيع الفتيات. وحسب أفكار الحركة يتعين على الأهالي إبقاء بناتهم في المنازل وتزويجهن مباشرة بعد البلوغ أو حتى قبل سن الـ 12. والحقيقة أن الترهيب الذي تمارسه الحركة في شمال نيجيريا إنما ينبع من إدراكها الدور المحوري الذي تلعبه النساء عموماً في تحسين الظروف الحياتية للمجتمع والدفع بها قدماً، عبر المدرسة والتعليم. وعلى غرار العمليات الأخرى التي تقوم بها «بوكو حرام»، مثل تفجير المنشآت الحيوية لتوليد الكهرباء، وخطف الفتيات، فهي تصب جميعها في سياق استراتيجيتها الرامية إلى إعاقة تقدم المجتمع من خلال ضرب عنصر مهم فيه، ألا وهو المرأة. وحتى نفهم السياق العام لهذه الهجمات الإرهابية والأطراف المسؤولة عنها، من الضروري وضع المنطقة في إطارها الجيوسياسي، وأيضاً استحضار الخلفية التاريخية. فمعروف أن شمال نيجيريا التي تشهد نشاطاً ملحوظاً لحركة «بوكو حرام»، هي جزء من منطقة الساحل التي تحاذي الشريط الجنوبي للصحراء الكبرى وتمتد من المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر، وهي منطقة تتميز بتزايد سكاني ملحوظ يعتبر الأكبر في العالم، من دون أن يكون مصحوباً بنمو اقتصادي موازٍ لتلبية احتياجات السكان. كما أن المنطقة تظل الأكثر تعرضاً لتداعيات التغير المناخي المتمثلة في ارتفاع درجات الحرارة وقلة التساقطات المطرية. وفيما كانت المنطقة خلال خمسينيات القرن الماضي تضم نحو 30 مليون نسمة، قفز العدد حالياً إلى أزيد من 125 مليون نسمة، ومن المتوقع أن يصل في عام 2050 - حسب تقديرات الأمم المتحدة - إلى 321 مليون نسمة، إذا ما حافظت نسبة التزايد على وتيرتها المرتفعة. هذا النمو السكاني الكبير يأتي بالموازاة مع ارتفاع درجات الحرارة بشكل متزايد. وهذا المنحى قد يؤدي إلى سيناريو كارثي يجد فيه سكان المنطقة، والذين قد يتجاوز عددهم سكان الولايات المتحدة، من دون زراعة، بعد أن تذبل محاصيلهم وتتلاشى وتنفق قطعانهم الحيوانية بسبب الحرارة من جهة وقلة المياه من جهة أخرى. ووفقاً للمعطيات الحالية يصل عدد السكان المهددين بانعدام الأمن الغذائي إلى نحو 20 مليون نسمة، بل تضيف هيئة مكافحة التصحر التابعة للأمم المتحدة أنه بحلول 2020 سيضطر ما لا يقل عن 60 مليون نسمة إلى الهجرة من منطقة الساحل إلى شمال أفريقيا وأوروبا بسبب زحف الصحراء وقلة الفرص. ولمعالجة هذا الوضع نظمت جامعة بيركلي الأميركية في عام 2012، ندوة عالمية لمناقشة تداعيات التغير المناخي والأوضاع السيئة للنساء على منطقة الساحل، ليتفق المتدخلون على أنه من الضروري لتفادي كارثة إنسانية محققة مساعدة الأهالي على التأقلم مع التغير المناخي من خلال تعزيز إمكاناتهم الذاتية، وأيضاً - وهو الأهم - حثهم على التخطيط الأسري التطوعي. كما ركز المتدخلون المعنيون بمستقبل المنطقة على ضرورة التركيز على الفتيات وولوجهن للمدارس؛ فطالما أن أغلبية الفتيات يحرمن من التعليم ويتزوجن قبل سن الـ18، فسيكون من الصعب إشراكهن في إيجاد الحلول لبلدانهن وإنقاذها. وبالطبع لا يمكن تجاهل دور الشباب من الذكور، فقد أوضحت لجنة التحقيق في هجمات 11 سبتمبر في تقريرها أن «تزايد شريحة الشباب على نحو مطرد من دون وجود فرص مستدامة للعمل، يعد وصفة أكيدة للاضطراب الاجتماعي»، وهو ما يعضده مثال «بوكو حرام» التي تجند الشباب وتستقطبهم إلى صفوفها في ظل غياب بدائل تدفع الشباب بعيداً عن الفكر المتطرف. ورغم إشارة الاستراتيجية الأممية الحالية الموجهة لمنطقة الساحل إلى التقدم الطفيف في الإنتاج الزراعي الذي ارتفع بنسبة 1 في المئة خلال السنوات الخمس الماضية، فإن حصة الغذاء بالنسبة للفرد تراجعت بنسبة 13 في المئة خلال نفس الفترة، هذا ناهيك عن نقص الاهتمام بالتعليم الذي يعاني من قلة التمويل. وعلى غرار ما يعلمنا التاريخ، يمكن للحركات المتطرفة أن تلحق ضرراً بالغاً بالسكان وتسبب معاناة لا حصر لها، لاسيما بالنسبة لحركة مثل «بوكو حرام» التي لم تتردد «القاعدة» نفسها في التبرؤ منها، لذا يتعين على منظمات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية حول العالم التعامل مع اختطاف الفتيات النيجيريات وكأنه لحظة مفصلية تتطلب تعبئة خاصة والضغط على المجتمع الدولي للتدخل العاجل. وهذا التدخل لا يعني إرسال قوات إلى المنطقة، ما دام هذا الأمر لن يزيد الوضع إلا سوءاً، بل يعني الاستثمار في التخطيط الأسري، وتطوير الزراعة ومساعدة الفتيات على الدراسة والحصول على تعليم لأنه السلاح الأمضى لمواجهة «بوكو حرام» ودحر أيديولوجيتها المتشددة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©