الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المثل.. يقلّ الكلام ويتسع المعنى

المثل.. يقلّ الكلام ويتسع المعنى
15 يناير 2014 21:47
امتلكت العامة لسانها كما امتلكت الخاصة لسانها كذلك، وبهما خلقوا لغة التواصل بين كل منهما والآخرين، وبهما كتبوا الأمثال وتداولوها، وإنْ غلب اللسان العام في التخاطب وكتابة الموروث بما يحمله من أمثال وكنايات أكثر انتشاراً وعمومية، وإنْ لم يخلُ اللسان الخاص من الأمثال والحكم والكنايات وإنْ تم اختصاره بطبيعة اللسان ومساحة وصوله. وقد وقع المثل الشعبي في مأزق التنوع والتقارب ما بين الدول والمناطق والبيئات، فضلاً عن التأثيرات الخارجية وتنوع ثقافات المناطق في البلد الواحد. ولو تكلمنا عن منطقة واحدة، كذلك، لوجدنا المثل نفسه يقال بأكثر من طريقة ولهجة وصور ومفردات في دولة ومدينة ومنطقة أخرى، وهي، دون شك، دلالة صحية ولغوية لصحة المثل وإمكانية انتشاره إلى أكبر شريحة من الناس في كل مجتمع. قال تعالى في كتابه الكريم: «ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون». ربما تدل هذه الآية الكريمة على أهمية المثل وعمق تاريخه في لغة الشعوب، فالمثل كما يعرف: «شكل من أشكال الفنون الشعبية، وهو عمل كلامي يستحث قوة ما على التحرك». لذا، فالمثل جزء من الفنون الشعبية والأدب الشعبي، وهو من أعمال اللغة (اللفظيات) وذلك لمجموعة أسباب، أهمها: أنه (أي المثل) أكثر الأشكال الشعبية شيوعاً ولا تخلو منه ثقافة أو لغة في أي مجتمع، حيث يعتبر المثل قولاً مأثوراً وعصارة حكمة الشعوب. المثل وشيوخ اللغة يعرف المثل بأكثر من مصطلح فهو المثل، التسوية، المماثلة، الشبه، النظير، الحديث والصيغة. وقال فيه أبو إسحاق: (المثل مأخوذ من المثال والحذو). ويقول الفارابي: (المثل ما ترضاه العامة والخاصة في لفظه ومعناه حتى ابتذلوه في ما بينهم وقنعوا به، وهو أبلغ الحكمة لأن الناس لا يجتمعون على ناقص). أما السيوطي فيقول في المثل: (جملة من القول مقتضبة من أصلها أو مرسلة بذاتها). وقال العسكري: (هي من أصل الكلام أنبله وأشرفه وأفضله لقلة ألفاظه وكثير معانيه). ويقال عند العامة والخاصة إن المثل (جملة محكمة البناء بليغة العبارة شائعة الاستعمال عند مختلف الطبقات، ويلخص قصة عناء سابق وخبرة غابرة اختبرتها الجماعة، ويحظى بثقة الناس لأنه يهتدي في حل مشكلة قائمة، بخبرة مكتسبة لمشكلة قديمة، فانتهت الحكاية وبقي المثل كدليل وحجة في معنى وحكمة نتيجة هذه الحكاية). أسرار البقاء يعتمد المثل في بقائه وانتشاره علي مجموعة عوامل، أهمها: العلم به وبمعانيه مسبقاً موافقة الجميع لمعناه وألفاظه سهولة وسرعة فهمه من العامة والخاصة يتقارب في صيغته مع مجمل الأمثال يختلف المثل في تكوينه وصياغته وقانونه عن مجموعة تعبيرات وجدت في اللغة وتم تداولها، ومنها: «التعبير المثلي»، وهو عبارات قائمة بذاتها تثري الكلام وتوضحه، كما في هذا التعبير المثلي (الناس سواسية كأسنان المشط)، وهو تعبير بسيط ووعظي ويعتمد على المجاز، لكن يخلو منه المثل كلغة ومفهوم وقواعد، ومنها أيضاً «القول المأثور» وهو (قول يقر واقعاً معيناً ولا يحوي معاني ضمنها)، و«الحكمة» وهي التنبيه والإعلام والوعظ وتعتبر تحديد شرط سلوكي وقيمة أخلاقية، وتمتاز بطابع الإبداع الشخصي، ومنها مقولة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه «أغنى الغني العقل وأفقر الفقر الحمق». ومن صنوف التعبير المثلي أيضاً: «الكناية»، وهي التعبير عن شيء معين بلفظ غير صريح لغرض من الأغراض فيقال (امصنجر شراعه)، أي لف شراعه علي خشبة الدستور، وهي دلالة علي استعداده للسفر، أو (خشبهم يرقل) والخشب هو الخشب والسفينة، أما يرقل أو يرجل باللفظ الخليجي من قلب القاف جيم، فهي دلالة على الاهتزاز وعدم الثبات على رأي واحد، وكلها طرق للكلام والتعبير بداية من المثل وحتى الكناية، وتوجد موادها في الحديث اليومي والحوادث والأشعار والألغاز ونوادر الدار والرحلات والمناسبات، كما تعتبر الأحداث غير الطبيعية أو غير المتوقعة مرتعاً خصباً للأمثال وبقية أساليب التعبير والتشبيه. الشعبي والفصيح المثل هو المثل الفصيح، والمعروف بفصاحته ومتانة لغته وتعابيره، ويختلف في هذا عن المثل الشعبي. كما أن المثل مجهول القائل أو المصدر في أغلبه، كونه من وإلى المجتمع، والمثل الشعبي يختلف عن المثل الفصيح في مجموعة نقاط أهمها: أصالته، فهو عربي المنشأ وإنْ لم يكن فصيحاً، كونه مأخوذ من الدين الإسلامي أو التراث العربي المستخدمة فيه الفصحى، مثل: (خادم القوم سيدهم). يتميز المثل بواقعيته، وهي نتيجة واقعية مباشرة لواقعية المجتمع العربي ببيئاته كافة. بلاغته المعتمدة علي إيجاز اللغة وتركيزها. موسيقاه، وذلك كون اللغة العربية لا تخلو من الرشاقة اللفظية والجرس الموسيقي المتميزة به، وتأتي عدا الأحرف وموسيقاها نتيجة للسجع والجناس (للأحرف والكلمات). أغراضها العاكسة لمشاعر الشعب وصدق أحاسيسه. بنيت الأمثال منذ نشأتها علي مجموعة مصادر كونت مخزونها ومصدرها، ومنها: القصة الواقعية والمتأتية من الأمثال والواقع الوعظي لها، أو حادثة تاريخية معروفة، وربما تكون خرافة أو أسطورة أو من مجموعة خاصة من المصادر (العلمية، الاقتصادية، الاجتماعية وغيرها). الأمثال الشعبية هي أمثال العامة والأغلبية من شعوب العالم لالتصاقها باللسان والحدث اليومي دون استثناء ما بين منطقة وأخرى، وتميزت (الأمثال الشعبية) بمجموعة خصائص أهمها: تأتي معظمها جواباً لشرط أو سؤال أو تعميم لحقيقة ثابتة ومنها: (اللي عمره ما تبخّر تبخّر واحترق). تمتاز الأمثال الشعبية بكثرة الجناس (الروس نامت والبعابص قامت). تتميز بالتعبير المجازي وجمالية الصياغة (اللي في القدر يطلعه الملاس). يعبر المثل الشعبي دوماً عن مواضيع عامة ومشتركة كالكرم والنخوة والحكمة وغيرها (الزبيبه ما تشبع لكن تطيب الخاطر). المثل ابن بيئته يعبر المثل الشعبي عن كل بيئة (بدوية، جبلية، بحرية) بلغتها ومفرداتها (البحر له ناس لفيحة يعرفون التوح من اليرة) و(قال يا بعير بولك عوج قال شو تشوف مني عدل) و(كل ما طاحت نخلة افتكينا من حتتها). تتميز الأمثال الشعبية بطول العبارة وسهولة ووضوح التعبير (كل الركاب ترعي وترتعي، إلا جمل حمدان بارك في الظله). الأمثال الشعبية تمتاز بعموميتها بقدر ما تمتاز بخصوصيتها في اللغة واللهجة والبيئة، فهي مشتركة باشتراك الهوى والحدث والوعظ وأشياء أخرى تربط الإنسان بأخيه الإنسان، وهي نتاج للمثاقفة الشعبية، فالمعنى والغاية يتفقان في كل أمثال العالم. وتوجد الكثير من الأمثال مشتركة في المعنى مع اختلافات طفيفة جداً ومختلفة في اللهجة، ومنها: (الأعور بين العميان ملك) وتقال أيضاً (الأعور بين العميان باشا). كما توجد أمثال مشتركة لكنها تختلف في الكلمات والشخصيات، ومنها: (افتكرنا القط.. جه ينط)، وتقال (لي طريت الكلب برز له حصاه). كما يعكس المثل أحياناً، كمثال: (اللي له أول له آخر) وتقال (اللي ما له أول ما له آخر). وتختلف بعض الأمثلة في الصورة والمفردات مثل: (الشبعان يفت للجيعان فت بطي) ويقال (الشبعان على الجوعان بطي). إن المثل ابن بيئته ولغته وحدثه، ويأخذ من الحدث اليومي والحدث العام، ويخرج من بيئته بمفرداتها وصورها، ويختلف المثل عن الكناية، وإنْ اشتركا في بعض مقوماتها، وهو قصة حياة قابلة لأن تعمم وتخصص وتنتشر وتتطور، وربما تنتهي أو تموت أو تهاجر للكثير من الأسباب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©