الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

مصالحة استراتيجية وانقلاب محتمل في رؤية بوش للشرق الأوسط؟!

31 ديسمبر 2005
واشنطن - الاتحاد - خاص:
عرب كثيرون صفقوا للرئيس 'دوايت ايزنهاور' حين أمر 'دافيد بن غوريون' و'موشى دايان' بالانسحاب من شبه جزيرة سيناء· يومها قال أيزنهاور: أميركا هي أميركا وإسرائيل هي إسرائيل· ماذا تغير الآن··؟
لا ريب أن شخصية 'آيك' الذي قاد القوات الأميركية في أوروبا ابان الحرب العالمية الثانية مختلفة كلياً عن شخصية الرئيس 'دبليو بوش' الذي أحاطته كوكبة من المنظرين لا مثيل لها على امتداد العهود الأميركية، لكن الواضح أن العلاقات العربية - الأميركية لا يمكن أن تستمر، بضبابيتها الراهنة، فيما يخرج المتطرفون من الشقوق· القليلون يراهنون على انقلاب في موقف الرئيس·· لكن السؤال الذي يطرح الآن: لماذا لا تعقد مصالحة استراتيجية بين أميركا والعرب الذين لايزال كثيرون منهم يحلمون ··· بالحلم الأميركي·· نتابع التفصيلات في التقرير التالي:
المصطلح المتداول هو 'المحافظون الجدد'، ربما بسبب الظلال الأيديولوجية الحادة التي تحيط بهم مع أن المثير أن منظريهم لا يفكرون بصورة اوركسترالية، أو على الأقل بصورة منسقة ·· يحمل هذا المفكر الشهير 'جون كنيش غالبريث' على القول: 'كما لو أنك تشق الطريق أمام قطيع من الماعز للدخول إلى سمفونية ··· بحيرة البجع'·
المقارنة جارحة، لكن 'غالبريث' الذي يكاد يناهز المائة عام (ولد في العام 1908 وله مؤلفات هامة في الاقتصاد والسياسة والديبلوماسية) يسأل عن التقاطع الفلسفي بين 'ديفيد فروم' و'وليم كريستول'، أو بين 'كارل روف' و'روبرت كاغان'· كل ما في الأمر أن هؤلاء المنظرين يطلقون الأفكار المدوية، بمعنى آخر انك أمام قاذفات قنابل محملة بالأفكار، الأفكار معدة للتفجير··
يعتبر 'غالبريث' ان مصطلح 'الجمهوريين الجدد' أكثر واقعية، إذ أن انقلاباً حدث في الحزب الجمهوري الذي تأسس في العام 1854 وكان الوريث غير المباشر للحزب الفديرالي الذي أنشأه 'الكسندر هاملتون' في العام ·1787
منذ بداية القرن العشرين وحتى الآن، شهدت الولايات المتحدة 18 رئيساً، 11 منهم جمهورين ('تيودور روزفلت'، 'وليم هوارد تافت'، 'وارن هاردينغ'، 'كالفن كوليدج'، 'هربرت هوفر'، 'دوايت ايزنهاور'، 'ريتشارد نيكسون'، 'جيرالد فورد'، 'رونالد ريغان'، 'جورج بوش الأب' و'جورج دبليو بوش'· و7 ديمقراطيين (وودرو ويلسون'و 'فرنكلين روزفلت'، 'هاري ترومان'، 'جون كيندي'، 'ليندون جونسون'، 'جيمي كارتر' وبيل كلينتون')· لعل المع الجمهوريين هو 'دوايت ايزنهاور' (آيك)· وجه يشبه وجوه الأطفال، ولكن بماض عسكري مذهل، انه بطل الإنزال الشهير في النورماندي، والذي تمكن من أن يصل إلى البيت الأبيض تاركاً وراءه جنرالات بارزين آخرين سرعان ما ذهبوا إلى الظل: 'دوغلاس ماك آرتر'، 'ماتيو ريدغواي'، 'جورج مارشال' و'جورج باتون'·
الرؤوس والنيران
حتى في أرض المعركة لم يكن هناك من يستطيع مثله أن يرى ما وراء المسافات، في وقت مبكر جداً، وهو الجنرال الذي درس في جامعة كولومبيا كي يختلط بنوع آخر من الناس، لاحظ أن المؤسسة الصناعية والعسكرية في الولايات المتحدة تتضخم على نحو مثير وخطير·· قال بضرورة السيطرة على الرؤوس التي تندلع فيها النيران بسرعة، إلى حد التحذير من أن الولايات المتحدة إذا ما أخذت بجاذبية القوة، سيكون من الممكن جداً أن نشهر فيها انقلاباً عسكرياً·
الانقلاب ليس من الضروري أن يحدث بالدبابات، كما في انحاء كثيرة من العالم الثالث، وحيث فوهات المدافع تأتي بالخبز والديموقراطية· يمكن أن يحدث بالمفاهيم· لا ريب أن 'جورج دبليو بوش' متخلف كثيراً عن 'دوايت ايزنهاور' الذي أرغم 'دافيد بن غوريون' و'موشي دايان' على الانسحاب من شبه جزيرة سيناء بعد الحملة الثلاثية في السويس·
صحيح أنه كان يريد دفع الإمبراطوريات القديمة إلى حيث ينبغي أن تكون، وهذا كان يفترض إعادة إسرائيل إلى داخل حدودها بعدما تواطأ 'بن غوريون' مع الإنجليزي 'انتوني ايدن' والفرنسي 'غي موليه' الصحيح أيضاً أنه الرئيس الوحيد الذي تجرأ على القول إن أميركا هي أميركا، وأن إسرائيل هي إسرائيل··
نعلم أن 'ريتشارد نيكسون'، وكان نائباً لــ 'ايزنهاور'، انتخب رئيساً بعدما هزمه 'جون كنيدي' الذي خلفه في البيت الأبيض، اثر اغتياله، 'ليندون جونسون'، كان يمتلك تصوراً معيناً لمعالجة أزمة الشرق الأوسط هو أول من استخدم تعبير 'الجراح الأبدية'، ولذلك كان يائساً من امكانية التوصل إلى حل جراحي للأزمة· اوكل مهمة التحرك الديبلوماسي إلى مستشاره للأمن القويم 'هنري كيسنجر' الذي ما لبث أن أزال 'وليم روجرز' وحل محله في وزارة الخارجية· بالطبع، كان الرجل يمتلك عقلاً هائلاً، وقال إن كونه يهودياً يستطيع أن يفهم منطق المنطقة أكثر من غيره· لكن كثيرين في المنطقة العربية صفقوا وراءه الباب بعدما اكتشفوا براعته في الخداع·
الرئيس ·· والرؤية
لطريف أن تقول 'هيلين كارير دانكوس'، المتخصصة في الشؤون السوفيتية (وبعدما الروسية) ان الاتحاد السوفيتي كان ضرورة أميركية، إذ أن منطق القوة في التقاطع مع العالم كان شديد التأثير، حتى أن الجنرال 'باتون' لم يكن يستطيع أن يضبط مشاعره، وكان يعتقد أنه بعد هزيمة المانيا النازية لابد للدبابات الأميركية أن تتجه إلى موسكو·
لا أحد هناك ينبه الرئيس 'جورج دبليو بوش' داخل الإدارة، ثمة أكثر من عامل فلسفي يبرر الحرب على العراق· ولكن من الصعب جداً أن تجد صحيفة أميركية لا تحدث عن 'قهقهات التنين'، أي أن الصينيين يشعرون بأنهم سيكونون سادة الكرة الأرضية إذا ما استمر النزف الأميركي في العراق، نصائح كثيرة تتسلق أسوار البيت الأبيض: أيها السيد الرئيس انتبه للصين·
الحرب تستهلك الكثير من أميركا دوامة الدم تبدو وكأن لا نهاية لها الفدرالية هي مجرد خريطة طريق يفضي الى التجزئة ولا مجال للخروج من العراق لأن ذلك يستتبع الخروج حتى من غونتنامو 'نيوزويك' تلح على الرئيس بأن ينظر نحو تلك الهضبة الآسيوية التي طالما شهدت تدفق الخيول إلى ما كان يعرف بالشرق الأدنى·
ولعل الطريف أن الذين كتبوا عن الرئيس 'جورج دبليو بوش' قالوا إن حياته قلما عرفت الاستقرار· ثمة لحظات انكسارية كثيرة، فهل يحدث، في لحظة ما، انقلاب في نظرته إلى الشرق الأوسط؟
سقط كثيرون من القافلة ('ريتشارد بيرل'، 'دوغلاس فايث'، وصولاً إلى 'كارل روف'، و'لويس ليبي' اللذين تلاحقهما فضيحة موظفة الاستخبارات·· هذا لابد أن يؤثر في الرؤية، وان كان الرئيس 'بوش يقرّ شخصياً بأنه يعتمد على الرؤيا أكثر من اعتماده على الرؤية، ناهيك عن أنه لا يزال 'بين جبلين' التعبير لوزير الخارجية السابق في وصفه لــ 'ديك تشيني' و'دونالد رامسفيلد'·
والواقع أنه عندما كانت فكرة الشرق الأوسط الكبير تتفاعل في رأس الرئيس كان يمتلك تصورات غير تلك التي لديه الآن· الذين تابعوا نشاطات المقربين يدركون ذلك جيداً، بدا أن المنطقة ليست مجرد 'صحراء'، كما تصورها 'ريتشارد بيرل'، وكان يلقب بــ 'أمير الظلام'· هنا التاريخ يلعب بكثافة، كذلك الايدولوجيا، حتى ان 'برنارد لويس' الذي بات داخل الفريق الفلسفي للإدارة، اعترف بأنه تعرف على الزمن حين اكتشف كثافة اللا زمني في الشرق·
هذه منطقة مرهقة جداً· لاحظوا ماذا حل بكل الأباطرة كلهم ذهبوا بكمية ما من المرارة (أو من الموت) كثيرون في القارة العربية مفتونون بــ 'الحلم الأميركي'· كان الشيوعية نوعاً من الفانتازيا اللغوية· يعترف شيوعي عربي بارز بأنه يسخر الآن من نفسه عندما يتذكر كيف أصبح شيوعياً· ابتلع الكثير من الكتب المترجمة بصورة رديئة للغاية· لا علاقة للنص العربي بالنص الأساسي· ومع ذلك، كان الكثيرون يحفظون عبارات معينة عن ظهر قلب· يقول انه كان يقرأ 'توت عنخ آمون' وهو يحسب انه يقرأ 'كارل ماركس'·
شيء ما من أميركا
جاءت 'كارين هيوز' من أجل تقديم صورة مختلفة عن أميركا· العرب يعرفون الكثير عنها· ثمة أشياء جميلة لا تحصى· لا شك أن داخل كل ثقافة هناك شيء ما من أميركا· ذات يوم اشتكى الفرنسيون من الغزو الأميركي· شعروا أن أنوفهم تتحطم فلجأوا إلى تدبير غريب، وهو تغريم كل من يستخدم الكلمات الأميركية المتداولة في التحية أو في مسائل أخرى· كانت النتيجة مضحكة، كان على العديد من الفرنسيين أن يدفعوا، يومياً، غرامات تفوق مداخيلهم بعشرات المرات· ثم من قال إن اللغة الفرنسية عذراء، حين اطلق 'شارل باسكوا'، وزير الداخلية الاسبق، مشروعه الشهير حول تهجير المهاجرين، كان على 'الطاهر بن جلون'، الحائز على جائزة غونكور أن يكتب في 'آللوموند' أن هناك أربعة آلاف مفردة عربية في اللغة الفرنسية و'ينبغي أن ترحل معنا'· ماذا كان يمكن أن يحل بلغة 'فيكتور هوغو' و'موليير' و'بودلير' و'جان بول سارتر' لو رحلت تلك المفردات مع أهلها؟
لكن الواضح أن ثمة خطأ أميركياً ينتفخ· حين كان 'جيمس بيكر'، وزير الخارجية في عهد الرئيس 'بوش' الأب، يقوم بجولاته المكوكية إعداداً لمؤتمر مدريد حول السلام في الشرق الأوسط، أو حى بأنه ما أن يخطو العرب الخطوة الأولى حتى يتهاوى التابوت الإسرائيلي بأسره ودفعة واحدة، ماذا حدث؟
على هذا الأساس ذهب العرب إلى العاصمة الاسبانية· تحت الثريات الأندلسية جرى ذلك الشيء الذي يشبه المعجزة الدبلوماسية· كان ثمة كلام رائع للشاعر 'غارسيا لوركا' الذي اغتيل بصورة مروعة إبان الحرب الاهلية· الكلام كان منقوشاً على أحد الجدران: 'أخيراً، لابد أن تتشابك الأزهار'·· ما صدر عن رئيس الوزراء الإسرائيلي 'اسحق شامير' خلال المؤتمر أو بعده يترك المجال لتبديل المعنى كلياً: 'لابد أن تتشابك الحناجر'· عملياً، الوفد الإسرائيلي فقط هو الذي ذهب إلى هناك وهو يحمل الخنجر بدل القفاز· قال لنا وزير خارجية عربي بعد خروجه من ردهة المفاوضات: 'يبدو أننا خدعنا'، إذ راح المفاوضون الإسرائيليون يغرقون المحادثات بكلام فضفاض عن التطبيع، كما لو أن التسوية قامت فعلاً·
بعبارة أخرى، بدأت المفاوضات من النهاية لتنتهي على لا شيء، ولكن ليبرر 'بيكر'، في مذكراته، سقوط تعهدات بالقول: 'لا ريب ان الجميع كانوا سعداء لأن أبواب السلام لم تعد موصدة'· بعد المؤتمر بسنوات قليلة حدثت مجزرة قانا· والواقع أن تغيراً واضحاً حدث في المشهد· هذه مسألة طبيعية حين يجلس الأعداء وجهاً لوجه تحت سقف واحد، ومع ترديد الرئيس 'بوش' الأب الذي حضر الجلسة الافتتاحية بعض النصوص المقدسة التي تحث على الخروج من الخراب والعمل على صناعة الأفق·
سلام يذهب وحيداً··
المناخ إياه هو الذي أفضى إلى اتفاق اوسلو والى اتفاقية وادي عربة، ثم إلى المفاوضات المثيرة بين دمشق وتل أبيب، والتي انتهت، فعلياً، في تلك اللحظة الدراماتيكية حين أطلق 'ييغال عمير' النار على 'اسحق رابين'· في اليوم التالي كتب 'يوئيل ماركوس' عن 'سلام يذهب وحيداً إلى المقبرة'·
لماذا لم يتصرف الرئيس 'بوش' الأب في خريف العام 1991 كما تصرف الرئيس 'دوايت يازنهاور' في خريف العام 1956 الرئيس 'بوش' لا يدعي أن له ماضياً مماثلاً لكنه كان طياراً وكاد يفقد حياته، كما أنه كان مديراً لوكالة الاستخبارات المركزية، وأول سفير في الصين· ربما هذا لا يكفي لكي يقول لــ 'اسحق شامير' ما قاله 'آيك' الذي كان شديد الصرامة، رغم وجهه الطفولي، في إدارته للمعارك، وحتى في إدارته للجنرالات الذين لم يكونوا يناقشونه بسبب دقة آرائه وفاعليتها· نذكر أن 'مادلين اولبرايت' تحدثت عن ملايين الساعات الضائعة· الساعات الدبلوماسية طبعاً يسأل بعض المعلقين الأوروبيين، وحتى الروس، البارزين الآن: 'هل ضاعت أميركا في الشرق الأوسط؟'·
من الطبيعي الضياع هنا· لكن الدول، المجتمعات، تضيع أيضاً داخل ذلك التلاطم في المفاهيم· حدث شيء هام في قمة مكة خرج أمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي 'أكمل الدين احسان اوغلي' متفائلاً'، ووزير الخارجية السعودي الأمير 'سعود الفيصل' لم يستبعد ان تمضي البلدان الإسلامية نحو الاتحاد بعدما ذهبت الأفكار المتطرفة بعيداً في استقطاب فئات مختلفة تشعر بأنها مهمشة اجتماعياً أو ثقافياً أو اقتصادياً، وحتى إنسانياً·
كان واضحاً ما صدر عن القمة ان الإرهاب أو التطرف لا يأتي من فراغ· ثمة ظروف تنتج مثل هذه الحال، فكان ان القمة تحدثت عن حلول، اي عن معالجة المشكلة في الجذور، ولكن مع التأكيد على عدم بقاء المراوحة الراهنة بين البلدان الإسلامية في عالم يتغير، أو بالأحرى في 'عالم يلعب داخل الزلزال'، كما سبق وكتب 'روجيه غارودي'، فمما لاشك فيه ان المرحلة الانتقالية التي بدأت مع زوال الاتحاد السوفيتي قد تنتهي في فترة تتراوح ما بين الخمس والعشر سنوات· سنكون، حتماً، امام معادلات استراتيجية وجيوبوليتيكية مختلفة تماماً، حتى إذا ما أخذنا بالاعتبار المنحى الذي يأخذه الصدام بين الاقتصادات (وليس فقط بين الحضارات)، لكان من الضروري البحث في الآلية الخاصة بتشكيل كتلة إسلامية أكثر ديناميكية وأكثر فاعلية· هذا هو المؤمل، وإن كان واضحاً، في ظل هذا العالم المعقد، ان عوائق هائلة تحول دون بلورة سريعة لآلية استراتيجية متكاملة·
لكن المداولات التي جرت في قمة مكة أظهرت مدى الخطر الذي يتهدد المجتمعات العربية والإسلامية· حدث شيء هائل في عمان، كما أن المملكة العربية السعودية لا تزال تواجه خلايا تخريبية· في الجزائر أخذت العمليات منحى همجياً لا يمكن أن تكون له علاقة بالسماحة التي تميز بها الدين الإسلامي· والآن، بدأ 'أبومصعب الزرقاوي' يلعب في سوريا، ودائماً تحت شعار الدين الحنيف··
لابد أن يكون هناك خلل ما بالطبع المشكلة داخلية، ولكن أيضاً هناك عوامل خارجية شديدة التأثير لا أحد يتوقع من الرئيس 'جورج بوش' أن يصبح بين ليلة وضحاها 'دوايت ايزنهاور'· لكن المؤكد أن ما من دولة عربية، ما من مجتمع عربي، في حال مواجهة مع الولايات المتحدة· منذ سنوات بعيدة انقضى الزمن الآخر الذي شهد رهاناً على بدائل مثالية· لا اثر لافلاطون، ولا لــ 'يعرب بن قحطان'، على الخشبة العربية، وفي بلدان عربية عديدة تعاني من التخلخل المعيشي وحتى السياسي يحلم الشباب بـ 'الحلم الأميركي'، فهل تقرر الولايات المتحدة عقد 'مصالحة استراتيجية' مع العرب؟
هذا ليس سؤالاً من قبيل الإثارة اللغوية، فقد أسديت نصائح كثيرة ومتلاحقة إلى العرب بأن ينتجهوا سياسات مرنة، بل ومخملية، حيال الولايات المتحدة التي لابد أن تعمد إلى تغيير أو تعديل سياساتها· لم يحدث هذا على نحو مؤثر، والدليل هو الملف الفلسطيني، فقد مشى 'ارييل شارون'بقدميه الثقيلتين فوق خريطة الطريق التي وضعتها الولايات المتحدة، وتبناها الاتحاد الروسي، كما الاتحاد الأوروبي، وأيضاً الأمم المتحدة (في اطار اللجنة الرباعية)· النتيجة ان التصور الاسرائيلي للحل هو الذي يفرض الآن على الأرض، وان كانت وزيرة الخارجية الأميركية 'كوندوليزا رايس' قد وعدت حكومات عربية بأن واشنطن ستكون أكثر حزماً في التعاطي مع موضوع الضفة الغربية، هذا فيما يلاحظ، بوضوح، كيف ان الإدارة تتعامل بارتياح مع الانقلاب الذي نفذه 'ارييل شارون' والذي يبدو أنه يضع الدولة العبرية أمام خريطة سياسية جديدة تحتاج إلى بعض الوقت لتأخذ شكلها النهائي· ولكن ما هو عدد الفلسطينيين الذين يراهنون على 'عقل' ارييل شارون؟
السوريون في العراق
دائماً ثمة كلام عن صفقات، وعن تسويات يحكى عن شيء ما بين واشنطن ودمشق، قد يؤدي إلى دخول الجيش السوري الى مناطق عراقية معينة وبتفاهم مع شيوخ العشائر· خطوة، ان حدث، لابد أن تكون محفوفة بالمخاطر، فالساحة العراقية، بتعقيداتها وحساسياتها الجيوبوليتيكية الهائلة، لا يمكن أن تكون الساحة اللبنانية·
ولكن هل من الطبيعي أن يحكم منطق الصفقات، وعلى الطريقة الشكسبيرية، العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم العربي؟
لا مجال للمقاربة المثالية للعلاقات الدولية· يقول 'زبغنيو بريجنسكي' ان المصالح هي التي تقود الأزمنة الراهنة إذا، الأقوى هو الذي يفرض علاقاته، وقيمه، ومصالحه بطبيعة الحال· أين العرب؟
في مكة، قال عضو في وفد عربي: 'المداولات التي حدثت هنا جعلتني أراهن على بقية باقية من أمل·· أن تعقد قمة عربية، وأن تتولى هذه القمة صوغ استراتيجية للبقاء· مجرد البقاء، لأن الرياح التي تهب، وستهب طويلاً، تهدد وجودنا نفسه'·
كلام جميل· هل الخطر داهم إلى هذا الحد؟ لننظر إلى الساحة العراقية، إلى ساحات أخرى ترتجف· لم يعد بالامكان الانتظار، ولا حتى انتظار أميركا· هل نراهن على قمة عادية أو استثنائية لانقاذ العرب من الذوبان داخل التحولات الراهنة؟ أين نحن استراتيجيا؟ أين نحن جيوبوليتيكيا؟ أين نحن في خريطة المستقبل؟ المسألة تحتاج إلى ··· أشعة ما تحت (ما فوق) الحمراء· ثمة من ينتظر بالثواني نهاية الولاية الثانية للرئيس 'جورج بوش دبليو'· لاحظوا كيف نبقى على حالنا!
أورينت برس
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©