الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ابتسام عبد العزيز: أصوّبُ على الأدمغة

ابتسام عبد العزيز: أصوّبُ على الأدمغة
15 يناير 2014 21:44
لأسباب كثيرة تطرح تجربة الفنانة التشكيلية الإماراتية ابتسام عبد العزيز أسئلة من نوع حارق: أسئلة تتعلق بالفن وغايته، والعمل الفني وعلاقته بالسائد والمكرس، والسبب الذي من أجله يختلف الفنان أو يحلق بعيداً عن السرب.. وأعمالها، التي هي في الغالب إشكالية، تفتح في دائرة الوعي الفردي والمجتمعي قوساً واسعاً على الجدل. على المستوى التقني والأسلوبي هي ممن تأثروا بالفنون النظامية.. على المستوى الفكري تبوح أعمالها بثقافة متعمقة، ثقافة نقدية، تقف وراء اشتغالاتها ورؤاها، وهي ترى أن في القبح عمقاً فكرياً. جاءت أعمالها مزيجاً تركيبياً بين العديد من الخامات: الفيديو والصور الفوتوغرافية والخرائط، فصنفت في خانة الفن المفاهيمي، عن تجربتها الإبداعية وطريقتها في ترجمة دواخلها الفنية كانت هذه الوقفة مع الفنانة التشكيلية الإماراتية ابتسام عبد العزيز. ? يرى البعض أن أعمالك تعكس تخصصك في العلوم والرياضيات لطرح قضايا إنسانية وثقافية مجتمعية كيف ذلك؟ ?? ليس بالضرورة لأنني درست الرياضيات أن تعكس أعمالي ذلك. أنا ممن تأثروا بالفنون النظامية، وتعلمت الكثير عنها، ولأنني درست الرياضيات توافرت لدي الإمكانيات لإنتاج أعمال استندت إلى الأرقام والهندسة كعناصر أساسية في تكون العمل الفني. أيضاً، يتعلق الأمر بتكوين شخصيتي كفنانة، فأنا أميل إلى إنتاج الأعمال التي تحمل بعض الغموض، رغبة مني في إمتاع بصيرة المشاهد، ليصل إلى المتعة والتذوق المرجو، لأنني لا أحب إنتاج أعمال جميلة وفقط زاهية، بل أفضل أن تكون أعمالي عميقة بالفكر وتغذي الأدمغة، حتى لو كان الناتج قبيحاً (!!)، فأعمالي عكست تحرري إزاء الموضوع، إذ تعبر في غالبيتها عن تبدل كبير في رؤيتي كفنانة؛ في تعاملي مع الفكر وصلته بهذا الواقع، أحولها إلى نتاج فني بطرق تجريبية. الفنان ليس بمعزل عن الأحداث الإنسانية المتعاقبة التي تتولد في تجربة الحياة الواقعية، والعمل الفني أصبح يعاد إنتاجه على درجات ومستويات متعددة، حيث أصبحت أتساءل عن الشيء وقيمة الشيء التي تجعل الموضوع أو الممارسة عملا فنياً.. من هنا هدفت غالبية أعمالي إلى الدمج بين طبيعة العصر وتقنياته وبين طبيعة أعمالي، فطبيعة أعمالي الحالية تلبي حاجتي الملحة للاطلاع على اتجاهات الفنون المعاصرة التي يرتبط أغلبها ارتباطاً وثيقاً بالعلوم المعاصرة، خاصة علم الرياضيات، فحاجتي إلى استخدام هذه العلوم تحتم علي ذلك.... لقد قمت بإنتاج عديد الأعمال التي ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بعلم الرياضيات، وهي تقدم مفهوم «الفن النظامي»، أحدهما بعنوان «المثلثات العشرة» والآخر «الاحتمالات الأربعة»، «تحويل كلمات إلى فن»، «إعادة رسم الخريطة».... وغيرها. وقد ارتبطت هذه النوعية من الأعمال بالعلوم المعاصرة؛ فلكي يقدم عمل يحمل معنى ما يجب أن يفهم أولاً، ولفهم هذه النوعية من الأعمال يجب أن يفهم النظام الأساسي للعمل وذلك بتتبع النظام الرياضي الهندسي الذي وضعه الفنان وقراءة المادة النظرية المصاحبة، وكذلك فهم العلاقات التي تربط بين العناصر المختلفة في العمل.. وهكذا يمكن الاستمتاع بالعمل الفني والتمتع بالجوانب والتفاصيل الدقيقة فيه. وبحكم دراستي لعلوم الرياضيات، فقد استطعت إنجاز عمل فني يتبع نظاماً حسابياً مبنياً على عمليات حسابية مبسطة في مضمونها معقدة في تكوينها. كذلك استفدت من الرياضيات في تجريد بعض الرؤى الفنية التي قدمتها في بعض من أعمالي، فعلى سبيل المثال رسمت خطاً على الجدار في عمل لي بعنوان «خط»، يعتمد بشكل رئيسي على تجسيد إحدى الظواهر الفيزيائية، إلا أنه ومن ناحية أخرى، يعتمد بدرجة كبيرة على الإيحاء، ويعرض بطريقة الفيديو، فبينما ينطلق الصوت نسمع ترددات مختلفة، ويكون مصدر الصوت في هذه الحالة ثابتاً، إنما تتغير الترددات ويكون المشاهد هو المتحرك في هذه الصورة ككل. وهكذا يختلف تردد الصوت بينما المشاهد يتحرك، ليتضح من خلال هذه الظاهرة أن إزاحة التردد أو تغيره ينتج عن الحركة الحاصلة بين المصدر والمشاهد، بحيث يزداد هذا التردد كلما اقترب المتلقي من مصدر الصوت، أما الإيحاء في هذا العمل فينبعث من التغير في سماكة الخط الذي يصاحبه تغير في حدة الصوت، ما يوحي للمشاهد بأنه هو من يتحرك باتجاه مصدر الصوت وليس الخط وذلك رغبة منه في إعادة التوازن المختل في حاستيْ السمع والبصر. قضايا الإنسان ? لحظة صياغة اللوحة الفنية عندك، هل هي توظيف لما يحيط بك وما تملكينه من معرفة أم هي منافسة من أجل أن يكون هذا العمل هو الأحسن؟ ?? استخدمت عدداً من الخامات منها الأعمال التركيبية، الفيديو، الصور الفوتوغرافية، الخرائط، الأعمال النظامية، وكل ما يمتلك سمة التطور في إنتاج أغلب أعمالي. فالفنان فرد من هذا العالم وبالتأكيد يحيا على هذه الأرض وليس كما يقال إنه شخص يعيش فوق السحاب، فهو ليس بمعزل عن العالم المحيط، وعن الأرض والبيئة التي يعيشها، فبالتالي هو يلاحظ كل المتغيرات من حوله، فهو يدرك مفرداته في بيئته ومشاكلة اليومية والحياتية، كذلك يطرح قضاياه بشكل غير مباشر في أغلب أعماله. وبالتالي أدوات الفنان تكون من بيئته المحيطة به، و يهيئ أدواته ووسائله من الطبيعة والبيئة، فغالباً ما يكون ذلك بغرض لفت انتباه المشاهد إلى معلومات وجوانب سياسية أو قضايا حياتية، أو أن يرسم من خلال أعماله الفنية بعض المظاهر العمرانية التي تحمل خطاباً سياسياً في جوانبها. وقد يكون ذلك تحدياً وتمرداً على الجغرافيا أو الحدود الجوية والسياسية للدول والأمكنة. وأغلب القضايا التي ناقشتها هي قضايا إنسانية، سياسية، اجتماعية وثقافية، وليس هناك قضية محدده تخص المرأة. والفنان دائماً يطمح إلى أن يقدم شيئاً يتميز بالجمالية، إما الخارجية أو الضمنية، ونحن دائماً نطمح إلى تقديم الأفضل، إلا أنني دائماً ما أسعى أثناء عمليات إخراج العمل أو المنتج الفني، بحيث يكون العرض معبراً وموصلاً للفكر أو المضمون المتضمن في العمل الفني، فالشكل الخارجي مهم، ولكن ليس بأهمية تجسيد الفكرة أو المفهوم المصاحب للعمل الذي أقدمه. ? بمن تأثرت ابتسام عبد العزيز؟ ?? محلياً تأثرت بالفنان حسن شريف، وعالمياً تأثرت بعدد من الفنانين منهم: سول لوييت، ايف كلين. ? قلت في إحدى مداخلاتك عن الفن المفاهيمي «الفكرة هي الآلة التي تصنع الفن»، كيف ذلك؟ ?? أعمالي تشبه إلي حد ما الأعمال المفاهيمية، وذلك لأن الفكرة أو المفهوم المصاحب لكل عمل هو العنصر الأساس في بناء العمل، وبالتالي هو المحرك الأساس للعمل. ففي الغالب الفكرة هي التي تحرك الخامة المستخدمة في إنتاج العمل، فلا اعتمد في إنتاج أعمالي على خامة أو مادة فنية معينة، أحياناً استخدم الصورة الفوتوغرافية كمادة لتوثيق أعمالي الأدائية أو حتى الأعمال الضخمة المتعلقة بفن البيئية، أيضأ استخدم العمل التركيبي أو الفراغي، وأحياناً احتاج إلى الحركة أو الصوت وألجأ إلى فن الفيديو، وأيضاً في بعض من أعمالي استخدم اللوحة المسطحة لإنتاجها التي غالباً ما تكون فيها فكرة مصاحبة، فهذه اللوحات إما تحمل تكوينات هندسية أو رياضية أو أرقاماً تتمثل في الأعمال النظامية التي تحمل رموزاً ومعادلات يجد المتلقي خلالها اللذة في تفكيك تلك الرموز وإيجاد حلول لمعادلاتها. أعمالي يمكن أن تسمى بالتجريبية التي خلالها يبحث الفنان عن مواد وخامات لإنتاج تجاربه الفنية التي عادة ما تحمل مضامين مهمة من خلال الرسائل التي يطرحها كل عمل على حدة. ثيمات وجودية ? عبرت ككل الفنانين في العالم عن الحياة، الموت، الشقاء، السعادة، الحب، الكره، وغيرها من التيمات ولكن بطريقة مغايرة، حدثينا عن ذلك؟ ?? هناك الكثير من القضايا الإنسانية التي مثلتها في أعمالي، وهذا الأمر طبيعي، فالفنان قبل أن يكون فناناً، هو إنسان وحساس أيضاً، يتأثر بالقضايا الإنسانية كافة التي يشهدها في بيئته، فلم يعد الفنان ذلك الشخص الحالم الذي يحكر نفسه في صومعته، ويعزل نفسه عن العالم، ويعيش في اللاواقع، بل بالعكس صار للفنان صوت ودور يؤديه في المجتمع، وله رسالة يؤديها في حياته، فهو كالمؤرخ الذي يكتب تاريخ الزمن الذي عاصره. وأنا كذلك تأثرت ببعض المشاهدات وحاولت أن أطرحها في أعمالي، فهناك الكثير من المفاهيم الإنسانية في أعمالي التي عرضتها وتعلقت بالإنسان، مثل الفقر، الموت، السعادة، الشقاء، تحول الإنسان إلى مستهلك، وآلة لإنتاج المال، وبالتالي تجرد الإنسان من إنسانيته وتحول إلى مجرد أرقام مجردة، وأيضاً طرحت في العمل الأخير الذي عرضته في بينالي الشارقة العاشر، عملاً بعنوان (دوائر المرأة)، طرحت فيه بشكل شبه تجريدي قضايا ومعاناة المرأة في العالم، وغيرها من القضايا، سواءا الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية . اكتسبت من خلال إنتاج أعمال إنسانية الكثير من المتعة والخبرة التي مكنتني من التواصل مع الجمهور، إما في الشارع أو في الأماكن العامة، إيماناً مني وتأكيداً أن الفن لا يقتصر فقط على المثقفين أو طبقات دون غيرها في المجتمع، بل من المهم أيضاً الخروج من مكان العرض وخلق حوار بين الفنان وعامة الجمهور، الأمر الذي أيضاً أتاح لي فرصة عرض قضايا الجمهور ممن له قضايا ويود أن يطرحها. خريطة سلام ? إعادة رسم الخريطة هي عنوان لوحة رسمتها قبل الثورات العربية، هل كانت النبوءة بالتغيير أم هو حب المبدع وثقته بالقدرة على التغيير؟ ?? لطالما راودتني فكرة تغيير خريطة العالم منذ الصغر، ففي داخلي حب للتمرد والتغيير، إلا أنني لم أكن جاهزة للإقدام على هذه الخطوة، في الفترة الأخيرة، وتحديداً قبل الثورات العربية بفترة وجيزة، كنت قد نفذت المشروع وعرضت العمل في آرت دبي (معرض فن دبي) في عام 2010 خلال شهر مارس، لا أريد أن أجزم أن الأمر له علاقة بالتنبؤ، فأنا لا ادعي ذلك، إلا أنني دائماً أقوم بأشياء كثيرة، سواء في الحياة العملية أو الشخصية، اتبع فيها إحساسي. فلا أعلم إن كان الموضوع له علاقة بالصدفة أو أن إحساسي كان قوياً بحيث دفعني إلى القيام بترك بصمتي على خريطة العالم العربي الجديدة. بالنسبة لمشروع رسم الخريطة، جاءت الفكرة من رغبتي في تغيير شكل الخريطة، وتحويلها إلى خريطة سلام، ليست سياسية، لا تخضع لأي حدود جغرافية أو سياسية أو مساحة جغرافية أو اقتصادية، هذه الخريطة ما يميزها أنها لا تتغير حتى لو حدث أي تغيير في شكل ومساحة الدولة، لذلك جاءتني فكرة تحويل الحروف إلى أرقام، ومن ثم تحويل الأرقام إلى رسم بياني رياضي يحمل الملامح الهندسية الصارمة، فأخذت أحوّل الحروف التي يتكون منها اسم الدولة وأعطيت كل حرف رقماً متسلسلاً حسب تسلسل الحروف الأبجدية، ثم رسمت المحورين السيني والصادي، فتكونت لدي أشكال هندسية، وفيما بعد حولت تلك الخريطة من خلال دراسة قمت بها، إلى خريطة فنية، حيث حولت أشكال الدول إلى مجسمات هندسية يزداد ارتفاعها بحسب قيمة الفن فيها، حيث اشتملت الإحصائيات على عدد الغاليرهات أو صالات العرض في كل دولة، نسبة المبيعات في الفن، الأحداث الفنية وأعداد المتاحف أو المؤسسات المعنية بالفن في كل دولة على حدة. ثم قمت بصياغة الفكرة على شكل عمل تركيبي أو فراغي ضخم، بلغت مساحته 4 أمتار في مترين.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©