الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مجسمات فنية تُزيّن قصور حكام وأثرياء المسلمين

مجسمات فنية تُزيّن قصور حكام وأثرياء المسلمين
4 مايو 2013 23:03
يسود اعتقاد بين عامة الناس مفاده أن الإسلام حرم وحارب تصوير الكائنات الحية ومن قبلها عمل المجسمات لمختلف الكائنات، بما في ذلك مجسمات الإنسان والطير والحيوان، ورغم ذلك فإن المتأمل في منتجات الفنون الإسلامية التطبيقية سيجد أنه لم يتم الالتزام بذلك التحريم في غير أماكن العبادة ودور العلم، مما قد يدعم بعض وجهات النظر التي ترى في مثل هذا التحريم مجرد اتجاه عام ساد في القرون الثلاثة الأولى من بعد الهجرة، بغرض الحيلولة بين المسلمين والعودة لما كان عليه الحال قبل الإسلام من تقديس للأصنام والأوثان في بلاد العرب وغيرها من المناطق التي شكلت دار الإسلام. إذا كنا قد رأينا المئات من المخطوطات التي زينت بالمنمنمات التي توضح أحداثاً أو موضوعات تحدثت عنها متون الكتب، فإن ذلك لم يكن مستغربا في ظل القاعدة الشرعية التي تقول إن الضرورات تبيح المحظورات، ذلك بفرض أن تصوير الكائنات الحية كان محرماً شرعاً ولكن اللافت هو وصول عدد من المجسمات إلينا، ضمن ما تعرضه المتاحف العالمية اليوم من تحف الفنون التطبيقية الإسلامية. الديك والأسد وبعض هذه المجسمات نراه ملحقا بأدوات مثلما هو الحال في مجسم الديك الذي يبدو وكأنه يصيح ناشرا جناحيه، والذي كان عبارة عن شكل الصنبور في الإبريق البرونزي المنسوب لمروان بن محمد، آخر خلفاء بني أمية والمحفوظ حاليا بمتحف الفن الإسلامي بالقاهرة. وهناك أيضا مجسمات كانت تشكل جزءاً من نافورات القصور وخاصة في كل من مصر خلال العصر الفاطمي، والأندلس منذ عصر الخلافة بقرطبة وحتى نهاية حكم بني نصر بغرناطة. والحقيقة أن هذه المجسمات أخذت دائماً هيئة الطيور والحيوانات وفي بعض الأحيان كانت تجسد كائنات خرافية أو ملفقة تجمع بين هيئة الحيوانات والطيور، فيما اعتبره البعض تحايلا ذكيا على ميل المسلمين لتحريم تجسيم الكائنات الحية، لما في ذلك من سعي لمضاهاة خلق الخالق الجليل، بينما أثبت مؤرخو الفنون أن مثل تلك الكائنات كانت معروفة على نطاق واسع في أساطير الأمم الغابرة سواء في جوف آسيا أو في بلاد الإغريق. ولعل أشهر تلك الأجزاء من النافورات وجميعها من البرونز المشكل بالصب وليس بالنحت ذلك العقاب الذي يزدان به مدخل مدافن مدينة بيزا الإيطالية والمعروف باسم عقاب بيزا، وهو كائن له رأس وأجنحة نسر وجسد أسد وقد اختلف العلماء في مصدره، فمنهم من اعتبره صناعة فاطمية خالصة ومنهم من نسبه للأندلس. وهناك أيضا أجزاء أخرى من نافورات فاطمية كانت بمثابة الصنابير التي تتدفق من فوهاتها المياه لحوض النافورة، منها مجسم على هيئة أسد فاغر فاه وقد انثنى ذيله على ظهره متخذاً في طرفه هيئة ورقة نباتية ثلاثية البتلات، والحقيقة أن المتاحف العالمية تحتفظ بأكثر من تمثال لسباع فاطمية الصنع مما يشير بوضوح لرواج مثل هذا الفن في القصور الفاطمية. مجسم الأرنب البري ولم يكن الأسد وحده الحيوان المفضل عند صياغة صنابير النافورات الفاطمية، بل نجد أيضاً صنابير اتخذت هيئة الأرنب البري اتساقا مع اعتماد أشكال الحيوانات المرتبطة بهواية الصيد الملكية. ومن أبدع تلك المجسمات الفاطمية تمثال صغير من البرونز لغزال يقف متأهبا وقد فتح فمه لتنطلق المياه عبره إلى حوض النافورة، ويمتاز هذا التمثال برشاقة ظاهرة وتناسق بديع لأجزاء جسده والأرجل الأربع والتي غطيت جميعها بزخارف نباتية محفورة على بدنه، وغني عن كل بيان أن مثل تلك التحف البرونزية كانت تصنع بأعداد تدور بين ثمانية أو ستة عشر تمثالا متماثلة كليا، نظرا لاستخدام أسلوب الصب بالقالب لإنتاجها وذلك بغرض تحقيق التماثل والتطابق الكاملين بين أجزاء النافورة. وتبقى الأندلس الأكثر ثراء بمثل تلك المجسمات التي صنعت لتكون صنابير للنافورات بالقصور الأندلسية، ومنها ما تمت صناعته من البرونز بطريقة الصب بالقالب ومنها ما تم نحته في الرخام. ومن أجملها تمثال من البرونز يحتفظ به متحف اللوفر بباريس وهو على هيئة أسد يقف متأهبا على قوائمه، بينما اتخذ فمه هيئة فتحة عرضية متسعة وشكل ذيله الملتصق بظهره شكل نصف مروحة نخيلية، وقد صنعت تلك التحفة الرائعة بالأندلس إبان عصر خلفاء الموحدين الذين حكموا المغرب والأندلس معا، وبدن هذا التمثال مغطى كليا بزخارف محفورة قوامها مناطق بها رسوم نباتية وهندسية وأشرطة ضيقة بها كتابات عربية بالخط الكوفي المورق ولعلها من صناعة القرن السادس الهجري (12م). وتبقى أسود نافورة بهو الأسود بقصر الحمراء بغرناطة الأشهر بين المجسمات التي صنعها الفنانون المسلمون عبر التاريخ، وهي منحوتة من المرمر الأبيض لتحمل الحوض الرخامي لنافورة البهو، ومن ثم فهي المثال الوحيد للمجسمات التي تقوم بوظيفة بنائية في الفنون الإسلامية. وأمر المجسمات لم يقف عند حدود نافورات القصور، بل تخطى ذلك لصناعة بعض الأدوات على هيئة تماثيل لكائنات حية آدمية وحيوانية أيضاً، ومنها ما صنع من البرونز المصبوب ومن الخزف. البقرة والوعل وقد اشتهرت إيران بصناعة تماثيل من الخزف منها تمثال ربما استخدم كدمية للأطفال أو بغرض زينة المنزل وهو على هيئة امرأة جالسة، وهو من خزف مطلي باللون الأزرق الكوبالت. وشبيه به شمعدان خزفي على هيئة وعل تعود صناعته للقرن السابع الهجري وهو يزدان بزخارف نباتية تحيط برسم لطائرين متواجهين، رسمت باللون الأسود تحت طلاء زجاجي باللون الأزرق الفيروزي وقد وضعت الفتحة الخاصة بالشمعة فوق ظهر التمثال. ومن أجمل ما أنتجه الخزافون تمثال يحتفظ به متحف بستان بطهران، وهو لفيل يحمل هودجا بداخله بعض أشخاص وقد صنع من الخزف المطلي باللون الأزرق الفيروزي ويبدو أن الغرض من صناعته هو الزينة فقط. ولم تتخلف سوريا في القرن السابع الهجري عن ركب صناعة المجسمات بغرض الزينة، ومن أجمل ما أبدعته تمثال يجسد بقرة بجوارها وليدها بينما يقوم الراعي بحلب البقرة، وهذه القطعة الفنية البديعة من الأمثلة النادرة للتماثيل التي تجمع بين الإنسان والحيوانات في مجسم واحد، ويبدو أنها كانت تنتج بأعداد كبيرة إذ تمت صناعتها بطريقة الصب في القالب. وتحمل المجسمات زخارف بسيطة باللون الأسود تحت طلاء زجاجي فيروزي اللون. والخلاصة هنا، أن الفنان المسلم لم يجد حرجا في صناعة التماثيل أو المجسمات طالما كان الغرض منها هو المنفعة الوظيفية أو الجمالية. مبخرة «سلجوقية» من المنتجات التي استخدمت المجسمات في صناعتها المجمرة أو المبخرة، ومن أروع أمثلتها المشهورة مبخرة «سلجوقية» أنتجت بإقليم خراسان في القرن السادس الهجري (12م) وقد نفذت بأسلوب الصب وتتألف المبخرة من قسمين رئيسيين يتصلان بواسطة مفصلة متحركة القسم السفلي منهما يمثل جسد أسد يرفع ذيله، بينما الجزء العلوي يأخذ شكل رأس حيوان أقرب لأن يكون فرسا وبدن المبخرة مزخرف بزخارف نباتية مفرغة لإتاحة الفرصة لاشتعال الفحم ولمرور رائحة البخور عبر الزخارف المفرغة، وكذا عبر فتحات العيون والأنف والفم برأس الحيوان بالقسم العلوي من المبخرة. ولدينا أيضا من أفغانستان حامل لمجمرة كانت تستخدم بغرض التدفئة وقد اتخذ هذا الحامل هيئة قط جاثم على الأرض، وهو مصنوع من البرونز المصبوب ويعود تاريخ صناعته للقرن السادس الهجري.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©