الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سقطوا في شر أعمالهم

سقطوا في شر أعمالهم
15 يوليو 2010 20:24
لم يستنكر «عويس» ما يقوم به ابنه «حمزة» من الاتجار في المخدرات، والأسلحة والذخائر، بعدما ترك مهنته الأساسية في صيد الأسماك، بل اتخذ من القارب نفسه وسيلة للتخفي، والتستر على نشاطه الذي يعلم أنه آثم ويجرمه القانون وتحرمه الشرائع لكنه لم يفكر لحظة في مسألة الحلال والحرام، فهذا لا يهم، إنما المهم هو هذا الفيض الوفير من المال الذي يدخل جيبه كل يوم، حتى أصبح بحاجة إلى جيوب أكثر، ولا يهم أيضاً أن يبني ثروته على جثث وبقايا الشباب من ضحاياه الذين يتعاطون هذه السموم، وامتدت علاقات «حمزة» وتوسعت وتشعبت وأصبح معروفاً لدى كبار التجار، وكان لهذا الكسب الكبير أثره في نفس أبيه الذي كان مثل الشيطان يشجع أبناءه على هذا الفسق والدمار بلا تفكير، فأصبح الأب هو الذي يدور في فلك ابنه ويتبع أوامره، وجذب «حمزة» معه بقية إخوته ليعاونوه في تجارته بمباركة أبيهم الذي جحظت عيناه لكثرة الأموال التي تأتي من الحرام، وهكذا تحولت العائلة غير المحترمة إلى مجموعة من الأشرار تمارس الفساد من أجل الثراء، لكنهم ما زالوا يحتفظون بمهنتهم القديمة وهي الصيد لتكون ستاراً يتحركون خلفه لإبعاد الشبهات عنهم، وحتى لا تصل أخبارهم إلى رجال الشرطة، وفي الوقت نفسه يبتدعون وسائل من بنات أفكار إبليس في عمليات النقل والتهريب والترويج والتعامل مع التجار في الشراء أو مع المدمنين في البيع، فتجدهم تارة يدسون سمومهم في الأسماك، وتارة أخرى في نعوش الموتى الخالية، أو في المنتجات الزراعية. لكن الحذر لم يمنع وصول أخبارهم إلى رجال مكافحة المخدرات وبكل التفاصيل، وحتى يتم القضاء على هذا الوكر لا بد من قطع رأس الأفعى العقل المدبر وراء كل ذلك وهو «حمزة» ابن الثلاثين عاماً الذي ظهرت عليه علامات الثراء، واستطاع أن يجدد قوارب الصيد وأن يرتدي الملابس الغالية هو وأبوه وإخوته، بل إنه بنى منزلاً جديداً أشبه بالقصر بجانب بيت أبيه وبيوت أخرى لإخوته، لكن لا يعرف أحد أين يحتفظ بالأموال، حتى إخوته وأبوه لم يجرؤ أحد منهم على أن يسأله عن ذلك لأن هذا من حقه وحده، وهم يحصلون على كثير من المال مقابل ما يقومون به من أدوار مساعدة له حتى التجار الكبار وضع بينهم وبين إخوته حاجزاً فلا يعرفونهم ولا يعرفون أماكنهم، وقد كان يقصد ذلك تماماً، لأنه لا يريد لأي منهم أن يصل إلى مكانته وأن يظلوا جميعاً تابعين له. وفي الوقت الذي اعتقد فيه «حمزة» أنه في مأمن، وأن حذره سينفعه وأن حيطته كافية، وجد نفسه بين أيدي رجال الشرطة يلقون القبض عليه وبحوزته كمية كبيرة من أنواع متعددة من المخدرات، أو هي أكبر صفقة عقدها في حياته يكاد يكون دفع فيها كل ما يملك، فلم يكن المهم عنده أنه سقط هذه السقطة، وإنما المهم هو ضياع كل ما جمعه في السنوات الماضية، ضاع في لحظة واحدة، وهكذا كان تفكير أبيه وإخوته ولم يهمهم القبض عليه، وأنه قد يدفع ما تبقى من عمره ثمناً لأفعاله، ويقضيه وراء القضبان بل ضربوا الأكف أسفاً على الصفقة الكبيرة وتوابعها من خسائر كبرى، لأنهم خسروا أيضاً الرأس الذي يدير وينظم ويخطط وينفذ، وقد أصبحوا جسداً بلا روح، كل ذلك جعل النار تأكل قلب «عويس» وابنيه الآخرين وامتلأت صدورهم حقداً بدلاً من أن يرتدعوا ويعودوا إلى الصواب وتملكهم الجهل وأخذتهم العزة بالإثم بعدما مرت ثلاثة أشهر عجاف، جفت خلالها كل منابع المال الحرام وأغلقت أبوابه تماماً، حتى ضاق بهم الحال فلم يجدوا ما يوكلون به محامياً ليدافع عن «حمزة» أمام المحكمة في قضيته الخاسرة التي تحتاج إلى محام محنك، بل إلى محامين مخضرمين لينقذوا رقبته من الإعدام، ويحولوه إلى السجن المؤبد، لقد جاءتهم ضربة الشرطة في مقتل، وقضت على أحلامهم غير المشروعة وآمالهم الشيطانية ومعيشتهم في بحر الرذيلة، وما عساهم يفعلون في هذا الموقف العصيب؟ لا حل غير واحد ولا اختيار إلا هو وفيه المخرج من كل تلك المحن التي ألمت بهم جملة واحدة، إنه تهريب «حمزة» بالقوة من محبسه، لكن الأمر يحتاج إلى خطة متقنة وبنجاحها يعود كل شيء إلى ما كان عليه ووافق «عويس» على فكرة ابنه هذه، خاصة أنه شرحها له لأنه شاهدها كثيراً في أفلام المافيا الدولية وقد نجحت وفاز فيها المجرمون وحققوا هدفهم، وعند أول زيارة لابنه المحبوس همس في إذنه بما اعتزمه، فطلب منه التمهل أسبوعين موعد جلسة تجديد حبسه، ربما يتم صدور قرار بالإفراج عنه وحينها نقول يا دار ما دخلك شر، أما إذا تم تجديد الحبس فيتم تنفيذ الخطة التي تم وضعها بالفعل والاتفاق عليها لتكون جاهزة. وبعد نظر القضية جاء القرار مخيباً لآمالهم فقد قررت المحكمة تجديد حبسه خمسة وأربعين يوماً أخرى لحين إحالته إلى محكمة الجنايات المختصة التي ستنظر موضوع الدعوى وهنا تحركت الاتصالات بين الهواتف المحمولة لاتخاذ أوضاع الاستعداد ليقوم كل واحد بدوره بعدما استعان الأب بابني شقيقه وابني شقيقته ليساهموا في خطة الإنقاذ. وسأل أحدهم الموظف المختص عن خط سير سيارة الترحيلات التي تقل المتهمين من النساء والرجال وكان الوحيد الذي تقرر استمرار حبسه من بينهم هو «حمزة» لأن جرمه أشد. وتحرك نصف دستة الأشرار بسيارة خفيفة أعدوها ضمن الخطة، وفي الطريق الذي كانوا قد درسوه تماماً، وعند «مطب» صناعي وقف «عويس» مستغلاً تهدئة سرعة السيارة وهدد سائقها بالقتل بالسيف بعدما وقف أمام السيارة، لكن السائق وبخبرته البوليسية فطن على الفور لمقصده وأنه يحاول أن يهرب أحد المتهمين الذين تقلهم السيارة، فاندفع بها وزاد من سرعتها إلى الحد الأقصى الذي يمكن أن يبلغه وقبل أن يقطع عدة أمتار انطلق خلفه ومن كل جانب وابل من الرصاص عليه وعلى زملائه الخمسة الآخرين المكلفين بالحراسة والذين أخذهم الجناة على حين غرة وتحول الطريق إلى ساحة معركة، الأعيرة تنطلق من كل مكان وفي كل اتجاه والسائق يجري محاولاً الخروج من هذه الحرب ولكن السيارة الخفيفة بمن فيها وأسلحتهم الآلية يواصلون إطلاق النار، وصوت الرصاص يدوي في الأرض والجو وصرخات المحبوسين تتعالى ولا سبيل للخروج وهم وراء هذه الشبابيك الحديدية ولا يعرفون ماذا يحدث في الخارج إلا «حمزة» فإن كل شيء تم تدبيره بعلمه وينتظر اللحظة التي تنتهي فيها هذه الحرب ليخرج من محبسه، وينال حريته ويعود إلى تجارته، وتتوقف السيارات على الطريق خشية الرصاصات الطائشة والمجرمون يواصلون إطلاقها عشوائياً لا يهم في صدر من ستستقر، المهم عندهم النتيجة التي جاءوا من أجلها، ويسقط الشرطي «خليفة» شهيداً لأنه كان يجلس في مؤخرة السيارة لحراستها من الخلف، ولأنه كان مكشوفاً لهم وتفيض روحه ويسقط من السيارة وقد أصيب ثلاثة من زملائه، وهنا وجد المجرمون أنهم وقعوا في شر أعمالهم وفشل مخططهم كله فعادوا أدراجهم خائبين بعد أربعة كيلو مترات من السباق المحموم والملاحقة الدامية، ولسوء حظهم في تلك اللحظة تلفت كل إطارات السيارة من الرصاص والسرعة فتوقفت وإلا انقلبت وفقد كل من عليها حياتهم. لم يكن صعباً تحديد الجناة خلال ساعات لكنهم ذابوا في الأرض مثلما يذوب الملح في الماء، غير أن رجال المباحث تمكنوا من القبض عليهم جميعاً خلال ثلاثة أيام بعدما حاولوا الاختباء في أماكن مهجورة ومناطق جبلية وفي الأحراش، سقطوا وهم يعضون أصابع الندم، وقد خسروا كل شيء لينضموا إلى «حمزة» في محبسه وتصبح اتهاماتهم أكبر منه، والجميع في انتظار حكم العدالة والقصاص
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©