الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كلب عجوز وحيلة جديدة

كلب عجوز وحيلة جديدة
27 يناير 2008 00:59
كان من سوء حظي أنني تعلمت قيادة السيارات على كبر، وفعلت هذا مضطرًا لأنهم قالوا لي إن الطبيب يجب أن يملك سيارة· كنت أعتقد أن الطبيب هو الذي يكشف على المريض ويكتب له العلاج وليس سيارته، لكنهم أكدوا لي أنني أحمق كالعادة· هكذا اضطررت آسفًا لشراء سيارة·· واضطررت آسفًا لتعلم القيادة· الرجل الذي تولى مهمة تعليمي قاد السيارة إلى منطقة نائية قرب الحقول، ثم ترجل وطلب مني أن أحتل مقعد القيادة، وقال بلهجة تقريرية: ـ''دوس على البنزين والدبرياج معاً ثم عشِّق السرعة الأولى، وارفع قدمك ببطء عن الدبرياج، وزد البنزين، ثم انتقل للسرعة الثانية·· هيا!''· كل هذا جميل، لكنني لا أعرف ما هي السرعة الأولى ولا الثانية ولا أعرف ما هو (الدبرياج)·· هذا الأحمق يعتقد أنه يكلم (مايكل شوماخر)· ولو كنت بهذه البراعة فلماذا طلبتك أصلاً؟ في النهاية تحركت السيارة فراح يطلق التهليل ويمتدح براعتي المذهلة· إنني أقود السيارة كما تسبح السمكة في النهر·· كما يحلق العصفور في سماء صافية·· كما··· ثم أدرك أننا لا نتقدم، وبرعب لاحظ أننا نرجع للخلف·· اكتمل رعبه عندما أدرك أن ما يوجد بالخلف هو بركة كبيرة عميقة··! فجأة راح يصرخ في هستيريا: ـ''دوس الفرملة!··· لا تضغط البنزين، شد فرملة اليد!··· توقااااف!''· شرحت له في هدوء ونحن نواصل رحلة الغرق ماشين للخلف أنني لا أعرف مكان الفرملة، ولا أعرف أين فرملة اليد هذه·· كان قد عاد لصوابه فشد فرملة اليد في اللحظة الأخيرة، ثم سقط مغشيًا عليه لبضعة دقائق· لا أعرف سبب توتره لهذا الحد·· المفترض أنه محترف··· على كل حال واصلت الدروس معه، وجاء اليوم الذي قال لي فيه بوجه شاحب غارق بالعرق إنني صرت مؤهلاً لأمشي في الطرقات وحدي، وودعني وأطلق ساقيه للريح· لا أذكر إن شعر رأسه كان أبيض عندما بدأنا الدروس لكني أرجح أنه كان يصبغه وكف عن ذلك·· هكذا قررت أن أبدأ وحدي تجربة القيادة·· ركبت السيارة وانطلقت·· لاحظت أن هناك صفًا طويلاً من السائقين العصبيين يمشون خلفي ولا يكفون عن إطلاق آلة التنبيه·· ماذا أصاب الناس ليصيروا بهذه الوقاحة؟ كنت أعتقد أن السير بالسيارة يعتمد على استعمال السرعة الأولى فقط، أما السرعات الباقية فهي هنا من أجل الشباب الرقيع الذي يسبب الحوادث على الطرقات· كانت النتيجة هي أن السيارة ارتفعت حرارتها لدرجة غير مسبوقة وبدأ الدخان الأبيض يتصاعد من ''الراديتور'' بلا توقف·· اضطررت للتوقف في شارع ضيق مما أرغم 36632623 سيارة على التوقف في صف خلفي· لسبب ما راح كل واحد يبرز من سيارته ويشد شعره ويلوح بقبضتيه·· الناس لم تعد مهذبة كما يبدو· انتهت مرحلة التعلم وبدأت مرحلة التركيز في القيادة·· كلما قابلت صديقًا قال إنه لوح لي أمس لكنني لم أكن أرَ ولا اسمع لأنني كنت منهمكًا في القيادة· لسبب ما يعتقد هؤلاء أن علي أن أقود السيارة فلا أنظر أمامي أبدا، بل أتلفت يميناً ويساراً بلا انقطاع بحثاً عن أصدقائي المتناثرين على جانبي الطريق· ذات مرة لوح لي أحدهم وهو يقف على جانب الطريق فملت مباشرة لأقف أمامه وأنا ألوح بذراعي·· سمعت صوت حديد يتحطم وصوت فرامل تئن·· نظرت للخلف فوجدت نحو خمس سيارات قد اصطدمت ببعضها والسبب هو أن الأحمق الذي يقود السيارة خلفي توقف فجأة· لماذا يقود الناس السيارات إذا لم يكونوا يجيدون هذا؟ هكذا أركبت صديقي وانطلقنا تاركين خمسة سائقين يتبادلون السباب واللكمات· أثناء انطلاقي بالسيارة سألت صديقي عن سبب شجار هؤلاء، فقال لي بلهجة غامضة: ''هناك مثل إنجليزي يقول: أنت لا تستطيع تعليم كلب عجوز حيلة جديدة!''· لم أفهم علاقة هذا بسؤالي·· لم أر كلباً عجوزاً في مكان الحادث··· يبدو أن الجميع قد فقدوا عقولهم·· ألا ترى هذا معي؟· د· أحمد خالد توفيق aktowfik@hotmail.com لن أبني فندقاً كأبي لو كان كل الناس مثل أبي لشطبت الحكومات شيئاً اسمه ''سياحة'' من سجل مواردها، ولأقفلت الفنادق غرفها والمطاعم مطابخها والحدائق أبوابها، لأنه لا فضّ فوه قلب البيت إلى فندق مجاني، وذلك قبل أن تُبنى الفنادق بل قبل أن تتحد إمارات الدولة وتصبح دولة واحدة· يقدم فندق أبي بالإضافة إلى غرفة النوم، ثلاث وجبات دسمة ومواصلات من وإلى المطار ومن وإلى السوق ومن وإلى أبعد نقطة حياة في الإمارات، وطاقما من الخدم مكوّناً من الخادمات وأشقائي مع زيادة في أعبائي لأنني الأصغر، أي أصغر العنقود الذي يقولون إنه يستحوذ على النصيب الأكبر من العمل أقصد الدلع· ولأنني نشأت في فندق يكاد لا يخلو من النزلاء على مدار العام، فقد نشأ في داخلي صراع بين ما يجب أن أكون وبين ما أحبّ أن أكون، فالواجب أن أفعل كما يفعل هو، لكنني في الحقيقة لا ألتقي مع أبي في مسألة الضيوف: هو يستبشر إذا زارنا ضيف بينما أتمنى أن يهلك قبل أن تطأ قدماه منزلنا· هو يستقبله بابتسامة لا تفارقه، وأنا استقبله بشفاه تبتسم وقلب متململ· هو يشعر برضا حينما يبدأ الضيف في تناول الطعام لكني أدعو مع كل لقمة أن يغصّ بها· هو يُشعر الضيف أنه في بيته وبيت أبيه ولسان حاله قول الشاعر: ''يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا نحن الضيوف وأنت رب المنزل''، أما أنا فلسان حالي يقول: لم لا تطلب إضافة اسمك في ملكية البيت؟ صدق الله حين قال: ''ويُخرج الميت من الحي''· لا أبالي أن أكون ميتاً إذا كان فيه راحة من الضيوف، فلقد رأيت منهم ما لو يراه الطفل الصغير لقضى حاجته في إناء الطعام ولرمى التفاحة في حفاظته كما فعل أحد وزراء بني العباس، ولولا أنني كنت أتذكر الآية: ''إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحونِ''، كلما أحسست أن والدي قد يتضايق من تبرمنا بالضيوف، لاستقبلتهم بمكنسة· لذلك حين شرعت في تصميم منزلي، كنت شديد الحرص على عدم تحويله إلى فرع من فندق أبي، فلا مجلس للضيوف، ولا غرف إضافية، وكل ما هناك غرف نوم تكفي أسرتي الصغيرة مع صالة ممنوع دخول الضيوف إليها، ومكتب خاص بي، هو مكتب وفي الوقت نفسه مجلس ضيوف، فإذا أخذت خزانة الكتب زاويتين، والطاولة زاوية واحدة، والتلفاز وملحقاته الزاوية الرابعة، لن يجد الضيوف مكاناً يسندون فيه ظهورهم· وإمعاناً في التنكيل، جعلت الحمام الملحق به ضيقاً صغيراً لا يستطيع الضيف السمين دخوله، فهو إما أن يكون نحيفاً ويعني أنه لن يأكل في بيتي كثيراً، وبالتالي لا بأس أن يرتاح في الحمام، وإما أن يكون سميناً فيأكل إلى أن يندحق، ثم يتورّط في الحمام الذي لا يستطيع دخوله، وإن دخله فلا يستطيع الخروج منه إلا بهدم الحيطان على رأسه· وحتى لوحة أهلاً وسهلاً التي يعلقها بعضهم على مدخل بيته، أفكّر أن أجعلها: ''نعم؟''· أحمد أميري
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©