الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحق والحرية وما بينهما

الحق والحرية وما بينهما
3 مايو 2012
أخذت النظرية السائدة في الفلسفة الأخلاقية الحديثة، شكلاً معيناً من المذهب النفعي، لفترة طويلة من الزمن، واقترنت بأسماء مفكرين كبار، مثل هيوم وآدم سميث وبينثام وميل. لكن مفكرين كثر أشاروا إلى غموض مبدأ المنفعة ودللوا على عدم التوافق بين مضامينه وبين مشاعرنا الأخلاقية، غير أنهم أخفقوا في وضع تصور أخلاقي قابل للتطبيق، وظلوا مضطرين إلى الاختيار بين المذهب النفعي والمذهب الحدسي. إلى أن جاء جون رولز، فحاول الاشتقاق من مبدأ المنفعة مطوقاً إياه بقيود حدسية، حيث عمل (رولز) على تعميم ورفع مستوى تجريد نظرية العقد الاجتماعي التقليدية، وحاول من خلال كتابه “نظرية في العدالة” أن يقدم تفسيراً بديلاً للعدالة يتفوق على المذهب النفعي السائد في التقليد الفلسفي، لكي يؤلف الأساس الأخلاقي الأكثر مواءمة لمجتمع ديموقراطي. هذا الكتاب الهام يعد العمل الفلسفي الأفضل في القرن العشرين برأي أغلب النقاد، وقد ترجمته مؤخراً للعربية الدكتورة ليلى الطويل، وصدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب. يرى جون رولز الأستاذ في جامعة هارفرد أن العدالة هي الفضيلة الأولى للمؤسسات الاجتماعية، كما هي الحقيقة للأنظمة الفكرية، فمهما كانت النظرية أنيقة ومقتصدة، فلا بد من رفضها إذا كانت غير صادقة، وكذلك الأمر بالنسبة للقوانين والمؤسسات، مهما كانت كفوءة وجيدة التشكيل، فلا بد من إصلاحها أو إبطالها إذا كانت غير عادلة. فالعدالة تحقق الانسجام بين الإنسان والطبيعة، وبين الإنسان والآخر، وبين الإنسان ونفسه. لقد دعا (كانت) إلى المساواة بين أفراد المجتمع، وإتاحة الفرص أمامهم لتطوير مواهبهم والإمكانات الكامنة فيهم، رافضاً جميع ضروب الامتيازات الطائفية والعائلية والطبقية. أما (رولز)، فقد ذهب أبعد من ذلك في رفضه للظروف الطبيعية والاجتماعية التي تجعل من هم أكثر حظاً يتنعمون على حساب من هم أقل حظاً. فهو يؤكد على أن كل شخص يمتلك حرمة غير قابلة للانتهاك، بالاستناد إلى العدالة، بحيث لا يمكن تجاهلها أو تجاوزها حتى لمصلحة رفاهية المجتمع. لهذا السبب تنكر العدالة أن فقدان حرية بعضهم يمكن أن يكون صحيحاً من أجل تحقيق خير أكبر للآخرين، وهي لا تسمح بالتضحيات المفروضة على بعضهم مقابل مجموع أكبر من المنافع يتمتع بها الأكثرية. لذلك في المجتمع العادل تعد حريات المواطنين المتساوين راسخة، فالحقوق المصانة بواسطة العدالة لا تخضع لمقايضات سياسية أو لحسابات تفاضلية في المصالح الاجتماعية. الحرية والمساواة يحتل مفهوما الحرية والمساواة الركيزة الأساسية لأية نظرية سياسية، وهما يشكلان المبدأين الأولين في نظرية (رولز). وتقول المترجمة الطويل: إن الحرية في الاختيار عند (رولز) أكثر أهمية من الذي نختاره، لذلك يجب وضع القوانين التي تحمي القدر الأكبر من الحرية، ولا يجب التضحية بالحرية مقابل منافع اقتصادية واجتماعية أكبر، وإذا كان لا بد من التضحية ببعض الحرية، فهذا من أجل الحرية نفسها. لكن عاقبة الحرية التي لا مفر منها هو اللا مساواة!. يرى (رولز) أن الناس ليسوا متساوين في إمكاناتهم وفي جهودهم المبذولة في سوق تنافسية. ويعتقد الليبراليون أنه ليس من مهام الدولة تصحيح الآثار الناجمة عن اللا مساواة. إنهم يعطون الأولوية للحق على الخير. فالخير بنظرهم هو الاختيار الفردي الحر، والحق هو الدفاع عن تلك الحرية. إن الحقوق أساسية وغير قابلة للانتهاك، حتى وإن تعارضت مع الخير العام. بالمقابل ترى الديموقراطية الاجتماعية وجوب تقدير الحرية الفردية، لكن ليس إلى درجة استبعاد المسؤولية الاجتماعية أو العدالة. فالعدالة تعني الفرص العادلة والمتكافئة للجميع من أجل تحقيق خيرهم، وحماية أولئك الذين يخفقون!. يعتقد (رولز) أن الناس بطبعهم يميلون إلى الغيرة والطموح والمنافسة وامتلاك ما ليس لهم. التنافس على الموارد النادرة يدفعهم إلى التنازع وأحياناً إلى الحروب وزيادة الفوارق بينهم، حسب امتلاك القوة والنفوذ. ولحل النزاعات والحكم بين المصالح المتنافسة تتوالى الحكومات من بورجوازية إلى أرستقراطية إلى أوليجاركية. وينحل كل نوع من الحكومات بسبب الإفراط وتجاوز المبدأ الأساسي. ثم تأتي الديموقراطية التي تساوي الجميع في حق الحصول على المنصب وتقرير السياسة العامة والمساواة التامة في الفرص. فهدف النظام السياسي هو أن يساعد الفرد على التطور تطوراً تاماً، ولن يتحقق هذا إلا إذا اشترك كل فرد بقدر استطاعته في تقرير سياسة جماعته ومصيرها، وهذا يتم من خلال نظام متعدد في المنظمات والأحزاب والشركات والنقابات، بحيث يشكل توفيقاً بين الفردية والعمل العام المشترك. لكن مصير الحكومة الديموقراطية لا يختلف عن غيره من الحكومات إذا لم ترتكز على بنية أساسية تتصف بالعدالة. الأفضل والأسوأ ويدافع (رولز) عن المذهب الليبرالي بشقه الديموقراطي الاجتماعي، ويجادل بأن معظم الحقوق والحريات والفرص الأساسية يجب توزيعها بشكل متساو. لكنه سمح ببعض أنواع اللا مساواة، لأنه يفترض اللامساواة في النتائج. محاولاً تقديم تصور للعدالة يُمكن من تعميم ورفع مستوى تجريد نظرية العقد الاجتماعي الشهيرة كما وجدت في أعمال “لوك” و”روسو” و”كانت”. ومن أجل القيام بهذا لا يفكر بالعقد الأصلي على أنه عقد لدخول مجتمع معين، بل إن موضوع الاتفاقية الأصلية هو مبادئ العدالة لبنية المجتمع. وهذه الطريقة في النظر إلى مبادئ العدالة يدعوها (العدالة إنصافاً). (رولز) حاول في كتابه أن يقارب مجتمعاً يشكل رابطة من الأشخاص ذات اكتفاء ذاتي، يدركون في علاقاتهم مع بعضهم بعضاً أن هناك قواعد معينة من السلوك الملزمة، وهم يتصرفون طبقاً لها في معظم الحالات، وهذه القواعد هي مبادئ العدالة الاجتماعية، التي تقدم طريقة لتخصيص الحقوق والواجبات في مؤسسات المجتمع الأساسية وتحدد التوزيع المناسب لمنافع وأعباء الشراكة الاجتماعية. وهذا المجتمع لا يصمم فقط من أجل تحقيق الخير لأعضائه، ولكن يجب أن يكون أيضاً منظماً من خلال تصور عمومي للعدالة. بمعنى أنه مجتمع يقبل كل شخص فيه ويعرف أن الآخرين يقبلون مبادئ العدالة نفسها. ولكن هل تضمن عدالة (رولز) المساواة بين أفراد المجتمع؟. لا شك أنها تقدم حماية أفضل للمساواة في الحرية، مما يوفره المذهب الليبرالي، غير أنها تعترف في النهاية بصعوبة المساواة، فتساوي وتكافؤ الفرص لا يعني المساواة في النتائج، لأن الناس لا يتمتعون بالقدر نفسه من الكفاءة والقدرات، وهذه هي عاقبة الحرية التي لا مفر منها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©