الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

النيجيري تيجو كول يرتحل بين الذاكرة والنسيان في وجه نيويورك

النيجيري تيجو كول يرتحل بين الذاكرة والنسيان في وجه نيويورك
6 مايو 2011 22:21
بعد روايته الأولى “كل الأيام للسارق” التي يلقي فيها الضوء على جملة الظروف الحياتية في المجتمع النيجيري المعاصر، والتي أشاد النقاد من خلالها بموهبة كاتبها المصور الفوتوغرافي النيجيري المهاجر إلى الولايات المتحدة “تيجو كول”، يعود من جديد برواية بعنوان “مدينة مفتوحة” الصادرة مؤخرا عن دار راندوم هاوس للنشر يرحل من خلالها بين الذاكرة والنسيان، حيث يجد نفسه أمام ثقافة مضادة تشعره بالغربة. ولعل ما يجذب القارئ إلى هذا المؤلف هو ميله إلى التأمل في ملامح المدن، خاصة التي يعيش فيها. وكما سبق له التأمل في وجه “لاجوس” الإفريقي، فها هو في روايته الجديدة “مدينة مفتوحة” يستغرق في التفكير ملياً في وجه مدينة نيويورك العالمي. هذه المدينة التي يعيش فيها منذ سنة 1992، وباعترافه فقد أمضى سنوات طويلة في التجوال في أنحائها، أملاً في أن يتمكن من الكتابة عنها على نحو يجسد تجربته الشخصية للحياة فيها. ومثلما انتهى به المطاف إلى البحث عن هوية لـ “لاجوس” ينتهي به البحث هنا عن هوية إنسانية لنيويورك ولنفسه. مدينة مفتوحة رواية سير ذاتية، فيها يجد القارئ نفسه أمام سلسلة طويلة من القصص والحكايات التي تقع أحداثها في الساعات الأولى من الصباح. الفجر اللحظة التي يصطاد فيها الراوي “جوليس” أشباح الماضي التي تزدحم بها أجواء الحاضر في نيويورك فتعمل على توترها. وكما يرى كول، فإن جولة بطله ستكون بمثابة البحث عن نفسه وتحديداً “الدور الذي يلعبه في الحياة في هذا المكان. لكي يتوصل إلى ما يفيد بأنه ليس أول أو آخر من يفعل ذلك”. تروي القصة جوانب من حياة مهاجر نيجيري من أم ألمانية يدرس الطب النفسي في إحدى جامعات نيويورك. وفيما يميل بطل كول إلى العزلة على الرغم من مشاعر الود التي تربطه بالآخرين، فإن ذلك يبدو مناسباً بالنسبة له كمؤلف حيث تقنية الراوي الصامت المنهمك في التفكير توفر له فرصة التأمل وللقارئ فرصة الدخول إلى عالمه الصادم على نحو يشده فكرياً ونفسياً. في أوقات فراغه، يجد جوليس لذة كبرى في التسكع في أنحاء المدينة لمراقبة ما يشبه الأشباح الحقيقية في الساعات المبكرة من الصباح، ليصف لنا بهدوء مشاهداته، وما يسمعه ويفكر به. وفي تلك الأثناء يوافينا بصورة بانورامية للملامح المتميزة بها جزيرة منهاتن. لكنه على الرغم من حميمية هذه الملامح، يجد نفسه مضطراً إلى الكشف عن شعوره بالغربة. هذا الشعور يتنامى فيما هو يتبادل بين وقت وآخر حوارات بسيطة مع المارة، الذين يعبرون له بتلقائية عن قلقهم تجاه التحول المفاجئ في تلك الملامح. ولعل ذلك يصبح كافياً لتحريضه على الغوص عميقاً في المكان والزمان. ومن مكان إلى آخر، من بين تلك المباني الشاهقة، والملاعب الفخمة التي تستمتع فيها الأمهات عادة بمراقبة لهو أطفالهن البريء في المساءات الجميلة تطل علينا ذكريات ماضيه، التي لا تخلو من ملامح استفزازية. يتذكر أن نيويورك كانت على الدوام أيضاً، مسرحاً لصراع الثقافات حتى قبل أن تشهد في تاريخها الحالي، الذي ارتبط كثيراً بالحادي عشر من سبتمبر. فمن اجتثاث سكانها الأصليين وهو ما يمكن تشبيهه باجتثاث تاريخها الأصلي، إلى تجارة العبيد التي اشتهرت بها موانئ المدينة، وأثرت المؤسسات المالية والتجارية حتى في أعقاب صدور قانون منعها، إلى الشك في ثقافة الآخر. إن أحداثاً مرعبة كهذه تبدو كافية بالنسبة لبطل كول لكي يستغرق في التفكير. وبالنسبة له كوافد مهاجر فإن المدينة الجميلة، تتحول معالمها ومناظرها الخلابة إلى مشاهد جحيمية. “كما أن أرواحاً معذبة أخرى مثل روحه تتجول فيها كالعبث لا لشيء، بل لتعبر عن قلقها بصمت” إن هذه الاستعارة الذكية من بطل “ألبير كامو” في روايته الشهيرة “السقوط” تبدو ضرورية، كما أنها لا تنقص من رواية كول بقدر ما تقدمه للقارئ كمثقف تمكن من خلط فلسفته في التاريخ والسياسة والأدب والفن لكي يخرج برواية متزنة. سرد قصصي يأتي على شكل منولوج داخلي يحسه القارئ كصرخة إدانة. إدانة للكل ومنهم شخصيته الرئيسية التي ينبغي لها أن تؤثر في القارئ إذا ما أرادت أن تعبر عن حالة التوتر الكابوسية التي تعيشها هي وكثيرين غيرها من المنتمين إلى ثقافات أخرى متعددة. في إحدى مقابلاته، يقول كول عن فلسفته الروائية، إنها تشبه إلى حد ما ما يقوله الكاتب الأميركي رالف إليسون على لسان بطله في رواية “الرجل الخفي”، حول التعددية الثقافية وعلاقتها بمجمل الإشكاليات الاجتماعية والفكرية، فهو يرى أن التفاعل بين الثقافات يشبه عملية مزج ذكي للألوان. إن قطرة من الطلاء الأسود في جردل من الطلاء الأبيض ستجعله أكثر حيوية.
المصدر: دبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©