الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

فالتر بنيامين يكتب سوداوية عصر الأنوار

فالتر بنيامين يكتب سوداوية عصر الأنوار
9 سبتمبر 2016 21:01
ترجمة وإعداد أحمد عثمان جمعت مؤخراً الرسائل السبع حول الأدب، الموجهة إلى الفيلسوف الألماني ماكس هوركهايمر، وهي بقلم فالتر بنيامين، ما بين مارس 1937 ومارس 1940، ومتناثرة في طبعات ألمانية أو فرنسية، بالنسبة إلى بعضها (وتحديداً آخر الرسائل لأنها مكتوبة بالفرنسية) لدى مطبوعات «زويه»، تحت إشراف مورييل بيك، وصدرت ?بمقدمة ?مثيرة ?للاهتمام. بعد إغلاق هتلر معهد الأبحاث الاجتماعية في جامعة فرانكفورت، أعاد هوركهايمر تأسيس معهد للأبحاث الاجتماعية في قلب جامعة كولومبيا، وضمّ إليه مجموعة من العلماء المنفيين. وسعى هؤلاء ذوو «التفكير الحر» إلى تهيئة وإعداد «نظرية نقدية عن المجتمع، وعلى وجه الخصوص عن الوعي البورجوازي»، بالتوازي مع نضالهم ضد القومية - الاشتراكية (النازية) وصعود الفاشية في أوروبا، لأنهم شعروا أن «الأسوأ لم يأت بعد». وخلال إقامة الفيلسوف الألماني فالتر بنيامين في باريس، ساهم في أعمال المعهد، بموافاة مديره هوركهايمر بتحليلاته المتعلقة بالوضع الحالي للحياة الأدبية الفرنسية، التي تحيا عصراً مضطرباً، وهذه «الرسائل حول الأدب» تتنبأ بكارثة مزدوجة: «بلية الحرب» و«الفكر الاستسلامي». ويشير عنوان الكتاب، المختار من قبل مورييل بيك، ?إلى ?روح ?الأنوار «?عندما بدأت ?ألمانيا ?تسجن ?الهوية ?والثقافة ?في ?عتمة ?القومية ?الجرمانية ?الأسطورية»?، ?في ?لحظة ?تبدّى ?للجميع ?أن ?المثقفين ?الفرنسيين ?تخلوا ?عن ?العقل ?النقدي ?والقوة ?الثورية، ?وارتكنوا إلى ?الأفكار ?المحبطة ?التي ?تبين ?شيئاً ?من «?الانقياد إلى ?الفاشية ?والديكتاتورية ?الستالينية، ?المفروضتين ?على ?أوروبا»?. ?وهكذا، ?تروي رسائله ?سوداوية ?الأنوار، ?وهي ?تسطر ?هذه ?الأزمنة، ?أزمنة ?الظلامية ?التي ?تلوح ?من ?جديد. وفي ذكره لأعمال هوركهايمر، علّق فالتر بنيامين، بعمق ومن دون أي مجاملة، على كل الإصدارات واستقبالها من قبل الجمهور أو النقد، والمقالات المنشورة في كثير من المجلات، من دون أن ينسى تحليل بعض النقاشات الدائرة في الحلقات التي يرتادها، والكلام عن بعض المسرحيات الباريسية أو المعرض الأخير للسورياليين (الذي أقيم قبل رحيلهم/‏‏‏ هروبهم إلى المنفى الأميركي). كما يتبدّى أيضاً نقده عالم النشر «البارد» بتعبيره، ?أو ?انتقاده «?لكلية ?السوسيولوجيا» ?التي ?عاقبت ?جورج ?باتاي، ?ميشال ?ليريس، ?وروجيه ?كيوا. سعى بنيامين دوماً إلى عدم الفصل بين الأدب والتاريخ، ولذلك كانت كتاباته تجتاز التعليق الأدبي (الاستسهالي) بقوة. وكان يهتم على وجه الخصوص بالنتاجات التي تنشغل بالراهن السياسي الأوروبي، وحقائقه التي تكشفها، وهي تلك الحقائق المتعلقة بوضع المجتمع الفرنسي: معاداة السامية، معاداة النزعة الفكرية، «الصمت على شرور القومية - الاشتراكية»... مجتمع تأكد دخوله إلى نمط «ما قبل الفاشية»، في استدعائه لمقال جاك مالو في مجلة «اسبري». بنيامين، الذي فضح النازية والستالينية، واغتمَّ من التطور السياسي الأوروبي، أصابه الذهول من «سيرورة التفكيك في الأدب الفرنسي»، وأعلن احتقاره صور اللّبس والالتفاف، وصور تلوث هؤلاء المثقفين الفرنسيين الذين تخلوا عن أي دور اجتماعي، حيث وبّخ «صمتهم المتواطئ» و«تلميحاتهم المخيفة» لأن «عدم وعيهم يغتسل بماء آسن، ووعيهم جالس على الضفة يصيد السمك». بيد أن هذه الرؤية المتشائمة لمصير أوروبا ولمستقبل الحرية، ليست استسلاماً ولا خضوعاً. لأن بنيامين مناضل سياسي لا يستسلم لـ«النزعة الاستسلامية»، كما تتبدى لدى دو روجمون. بالنسبة إليه، هو يعتقد بسلطة الكاتب على الشعب، وقدرته على الدفاع عن «الأسس الديمقراطية للأمم». وفي مقال كتبه لمجلة تصدر في زيوريخ، جاهد لكي يصوغ فكره، دون إنكار معتقداته «عاملاً على تبيان كل ما يلفت انتباه البورجوازية المثقفة»، وكذا كل ما يفضي إلى إيقاظ الوعي النائم. (*) الكتاب بالفرنسية: -Walter Benjamin، Lettres sur la littérature، mars 2016، édition établie et préfacée par Muriel Pic، trad. allemand Lukas B?rfuss، 160 pages، 15 €.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©