الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فوائد السفر على الطريقة الفرنسية

فوائد السفر على الطريقة الفرنسية
14 يوليو 2010 20:08
يمكن تصنيف كتاب “أسفار ومشاهد طبيعيّة” الصادر هذه الأيّام باللغة الفرنسيّة ضمن “أدب الرحلة”، ومؤلفه ميشال تورنييه هو أديب فرنسي شهير، وقد بلغ اليوم الخامسة والثمانين من العمر، يقضي حياته في الريف الفرنسي بعد أن طاف العالم مشرقاً ومغرباً، وعندما سئل عن البلد الذي يطيب له فيه الإقامة والعيش أجاب: “تونس لجمالها، ومصر التي لي بها أهل، فابنة عمّ أمي تزوجت طالباً مصرياً كفيفاً هو طه حسين، والذي أصبح أحد كبار الكتاب العرب، وكان بإمكاني وبسهولة ـ لو أردت ـ أن أدرّس بجامعة القاهرة”. والمؤلّف سافر كثيراً بوصفه عضو لجنة جائزة “غونكور”، (وهي أهمّ الجوائز الأدبيّة في فرنسا)، كما أنه سافر أيضاً إلى بلدان كثيرة بمناسبة ترجمة كتبه للغة هذا البلد أو ذاك، وهو يعلّق على هذه الرحلات قائلاً: “عندما أقضي أسبوعاً في بلد لا أعرفه، فإني أشعر برغبة في البقاء مثلما حصل ذلك مثلاً في اليابان، فقد طابت لي الإقامة في هذا البلد ولكن اللغة كانت هي العائق”. ويعدّد المؤلف مزايا السّفر ـ عندما كانت أغلب الرحلات والأسفار تتمّ عبر القطارات أو البواخر ـ فيؤكد أنه كان يجد الوقت للتمتع بالمشاهد الطبيعية الخلابة ولربط علاقات مع بقية المسافرين، أما الطائرة فإنه يصفها بأنها “نعش طائر”، فأنت ميّت، أثناء تحليق الطّائرة، ولا “تبعث” ـ حسب تعبير الكاتب ـ إلاّ عندما تحطّ على اليابسة. بين التاريخ والجغرافيا ويجزم تورنييه بأنّ التاريخ مظلم بحروبه واغتيالاته، في حين أنّ الجغرافيا هي ضياء ومتعة وجمال بجبالها وبحارها وغاباتها، والسفر ـ من وجهة نظره ـ أساسي لاكتشاف جمال العالم، وهو يقول: “أنصح كلّ الأولياء أن يعوّدوا أبناءهم على السّفر واكتشاف بلدان أخرى والالتقاء بشعوب مختلفة وربط صداقات مع شباب ينتمون إلى حضارات غير حضارتهم”، ويعترف المؤلّف بأنّه كان محظوظاً، فمنذ طفولته كان يقضي إجازاته مع والديه في ألمانيا ودرس بعد ذلك الفلسفة بألمانيا أيضاً، وهو فخور اليوم بامتلاكه كل مؤلّفات الفيلسوف “كانت” Kant باللّغة الألمانيّة، وهو أحد القلائل في العالم الذين يملكون هذا الذي يعدّه كنزاً، وبعد ذلك تولى ترجمة آلاف الصفحات من اللغة الألمانيّة إلى اللغة الفرنسيّة لصالح دار النّشر “بلون” Plon التي عمل سنوات معها. 500 رواية وميشال تورنييه فخور بأنّ نصوصه تدرّس في مناهج العلم الفرنسي، وإنّ كتبه تباع مؤكّداً: “إن كتاباً لا تباع منه مائة ألف نسخة فما فوق هو صفر!”. وهو إلى اليوم، وهو في الخامسة والثمانين، على اتصال دائم بتلاميذ المدارس الذين يدرسون في مناهجهم التعليمية نصوصه الأدبيّة، وقد كان ـ إلى وقت قريب ـ ينتقل بنفسه إلى المدارس للحديث إليهم والالتقاء بهم والاستماع إلى استفساراتهم، ومنذ ستة أشهر ـ وبسبب شيخوخته ـ أصبح يتلقى الاستفسارات ويجيب عنها بصوته في أشرطة “كاست” توجّه إلى كلّ تلميذ يراسله، وهو حريص على أن يشير في كلّ أجوبته إلى اسم التلميذ. وهو بصفته عضو لجنة “غونكور” يتلقّى حوالي 500 رواية في العام الواحد، يطالعها وينتقي منها ما هو جدير بنيل أهمّ جائزة أدبيّة فرنسيّة، ويقول الكاتب إنّ أهمّ روائيّ فرنسي في نظره هو غوستاف فلوبار، معبّراً في الوقت نفسه عن عدم إعجابه بمارسيل بروست، ومن أطرف ما كشف عنه الرّوائيّ الفرنسيّ أنّه يختار عنوان كتابه قبل تأليفه. وأعلن ميشال تورنييه أنّه يعترم الاستقالة من لجنة منح جائزة “غونكور” ويقترح “جاك لانغ” (وزير الثقافة في عهد فرانسوا متيران) لخلافته في اللّجنة. ويعترف الكاتب بأنّه كاد يتحصّل على جائزة “نوبل” للآداب منذ أربعين عاماً فقد تمّت دعوته إلى ستوكهولم رفقة كلود سيمون Cla de Simon، حيث تمّ استقبالهما من طرف أكاديميّة الآداب التي ألقت عليه سيلاً من الأسئلة ثمّ عاد إلى بلاده، وبعد أيام تمّ الإعلان عن فوز كلود سيمون بجائزة نوبل للآداب. زيارة رئاسية ويروي تورنييه حادثة طريفة وغريبة حصلت له مع الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران، فقد تمت دعوة المؤلف ـ بصفته شخصية أدبية مرموقة ـ لحضور حفل الاستقبال الذي يقام كلّ عام، يوم 14 يوليو في حدائق قصر “الإليزيه” احتفالاً بالعيد الوطني الفرنسي، وحصل أثناء الحفل أن التقى المؤلف بالرئيس الفرنسي الأسبق فبادره هذا الأخير قائلاً: “يبدو أنك اخترت العيش والإقامة في الريف، وإذا دعوتني فإني سأزورك”، وبعد شهرين جاء اتصال هاتفي من “الإليزيه” مفاده أنّ الرئيس يرغب في تناول الغداء معه. ويقول المؤلف إنّه تمّ إعداد غداء عادي وبسيط، وكان الأمر لا يصدّق فقد حطّت طائرة الهليوكبتر المقلّة للرئيس في حقل قريب من البيت الريفي للكاتب، وكان في الانتظار حرس وسيارة. ويعترف الكاتب أنّه لم يحب أبداً باريس الّتي ولد بها، وله ميل للحياة في الرّيف، والرئيس الفرنسي الأسبق فراسوا ميتران ـ وهو كاتب ومفكر ـ يحب هو الآخر الريف، وكان له بيت في ضيعة نائية يستقبل به ضيوفه من السياسيين، كما كان ميتران يحب مجالسة الأدباء والكتاب ومحاورتهم في شؤون الحياة والناس، وهو الذي قال في مذكراته إنه لولا انشغاله بالسياسة لكان كاتباً وأديباً. عن الشيخوخة والسعادة وعن الشّيخوخة، يقول تورنييه: “لقد عشت بما فيه الكفاية، وإنّي أتألّم بسبب الشّيخوخة، فصحّتي اعتلّت؛ ولذلك لم أعد قادراً على السّفر. إنّني لن انتحر ولكنّني أشعر بالملل والسّأم”. وعن حصيلة حياته، يقول: “لقد أعددت مؤشرات لتقييم أي شخص حصيلة لحياته وهي الصّحة، العائلة، الأصدقاء، الحب والمهنة، ضع معدّلاً بين هذه المؤشرات وستعلم أنّك عشت سعيداً أو لا”. وعن حصيلة حياته هو يقول: “الصحة لا بأس ولي من الأصدقاء ما يكفي، أمّا الحب فهو صحراء قاحلة، والمهنة هي نجاحي الأكبر، إذن فالحصيلة إيجابيّة”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©