الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صورة نوبار باشا بين الولاء والعمالة

صورة نوبار باشا بين الولاء والعمالة
14 يوليو 2010 20:08
أخيراً، صدرت مذكرات نوبار باشا رئيس وزراء مصر في عهدي الخديو إسماعيل والخديو توفيق باللغة العربية بعد أن ظلت حبيسة اللغة الفرنسية، منذ أن انتهى من كتابتها في مايو 1894 وكانت المذكرات قد نشرت بـ”الفرنسية” أول مرة في بيروت عام 1983 وتعرض لها باستفاضة المؤرخ الراحل أحمد عبدالرحيم مصطفى في كتابه الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 1990 وفي عام 1991 قدم الكاتب نبيل زكي عرضاً موسعاً لها، في كتاب بعنوان “نوبار في مصر”. وفي تقديمه للمذكرات “الطبعة الفرنسية” شرح ميريت بطرس غالي سر تأخر نشرها، فقد قرر نوبار باشا ان يترك لورثته القيام بهذه المهمة، ورأى الملك فؤاد ومن بعده الملك فاروق أن الوقت غير مناسب لنشرها، فاحترم أحفاد نوبار تلك الرغبة الملكية، وبعد قيام ثورة 23 يوليو 1952 كان لدى الأسرة عرض بضرورة نشرها، لكنهم آثروا التريث، خشية أن يفهم من نشرها أنهم ساروا في إطار الحملة القاسية على أسرة محمد علي، وهكذا تأخر النشر كثيراً، وكان الإلحاح من الباحثين والدارسين بضرورة ظهورها، وسعى المؤرخ الراحل د. يونان لبيب رزق إلى هذه المهمة، ولم يقدر له أن يراها. ولد “نوبار يان” في أزمير عام 1825 من عائلة عريقة ترجع أصولها إلى أعالي أرمينيا، ودرس في جينيف ثم تولوز، وفي عام 1842 استدعاه خاله بوغوص بك الذي كان يشغل منصب ناظر التجارة والأمور الإفرنجية لوالي مصر محمد علي، وعمل نوبار سكرتيراً في مكتب خاله حتى وفاة بوغوص في عام 1844، وبعدها انتقل ليصبح سكرتيراً ومترجماً لمحمد علي، ثم التحق بخدمة إبراهيم باشا، الذي اصطحبه في كل أسفاره حتى وفاته في عام 1848 وتراجع دوره في عهد الوالي محمد سعيد، ثم واصل الصعود في عهد الخديو إسماعيل، وتولى هذا الرجل الأرمني المسيحي رئاسة الوزراء ثلاث مرات، الأولى في عهد الخديو إسماعيل عام 1878 ثم في عهد توفيق بين عامي 1884 وحتى 1888 وأخيراً في عهد عباس حلمي 1894- 1895 وتوفي في عام 1899 وهناك شارع باسمه في القاهرة، وآخر في الإسكندرية، بالإضافة إلى قناة تحمل اسمه وهي ترعة “النوبارية” في دلتا النيل. واختلفت الآراء حول نوبار ودوره في التاريخ المصري، وهناك رأي شائع يعتبره رجل الامتيازات الأجنبية وانه ناصر الاحتلال، فلم يجد غضاضة في أن يعمل مع إسماعيل ثم توفيق في ظل الاحتلال الأجنبي، وهناك رأي آخر غير ذلك بالمرة، يقول عنه ميريت بطرس غالي في تقديمه “مهما حدث، فلن تبقى سوى حقيقة واحدة، وهي أن نوبار كان أول رجل دولة مصري ينادي في القرن التاسع عشر بمبادئ الإنسانية والعدالة الاجتماعية في وقت كان فيه الرأي المصري ينبع من مجتمع الصفوة، وجازف بنفسه مراراً حتى يتمكن في النهاية من إعلان وتطبيق مبادئه لصالح الشعب المصري”، ويرى ميريت أن نوبار اصطدم في سياساته بالمصالح العليا، وأنه واجه مراكز تبدو في ذلك الحين غير قابلة لانتقادها، وقد نجح هؤلاء في تشويهه في بلده مصر، ولكنه أحب مصر حباً خالصاً أميناً. يركز نوبار في مذكراته على عدة أمور من بينها أنه صاحب الفضل في إلغاء السخرة في مصر، ولعله بذلك يقصد التنديد بدليسبس والوالي محمد سعيد، الذي سخر العمال المصريين في حفر قناة السويس، أما هو فقد حافظ على حقوق العمال المالية وهم يعملون في مشروع مد السكك الحديدية، وأن الإدارة الأجنبية كانت تقوم بتشغيل العمال بنظام السخرة، لكنه اعترض وتصدى لها. النقطة التي اتهم بسببها هي المحاكم المختلطة، فقد كان هو صاحب فكرتها، وهو يرى أنها كانت ضرورية لحماية مصر من الامتيازات الأجنبية، فلم يكن الأجانب في مصر يحاسبون بأي قانون، وكانوا يطلبون التعويضات التي يقترحونها، وكانت مرجعيتهم قنصلياتهم ومثال ذلك أن الخديو إسماعيل حين اختلف مع دليسبس حول حفر قناة السويس، احتكم الخديو إلى امبراطور فرنسا، لذا يعتبر ميريت غالي هذه المحاكم اكبر انجاز لنوبار باشا وجلبت لمصر والمصريين الكثير من الفوائد المهمة. ويعترف ميريت بأن هذه المحاكم كان يمكن ان تكون اكثر فائدة، لو نفذت قبل عدة سنوات من الموعد الذي انشئت فيه، وايضا لو اضيفت اليها بجانب اختصاصها في الشؤون الحديثة القضايا الجنائية، لكن نوبار ارتضى بأن يقتصر عملها على الامور المدنية خشية ان يفقد ثمرة جهد طويل قام به في هذا المجال، وخشية اعتراض فرنسا عليها، فضلاً عن تذبذب الخديو اسماعيل، وتأسست هذه المحاكم عام 1867 وألغيت نهائياً عام 1949 وقد سعى نوبار الى انشائها بعد تصرفات اسماعيل المالية والتي جلبت على مصر الكثير من المخاطر. وفي تقديمها للمذكرات، تعترف د. لطيفة سالم بدور نوبار الايجابي في مسألتي المحاكم المختلطة والغاء السخرة، وانه حين تولى منصب ناظر النظار “رئيس الوزراء” بعد الاحتلال البريطاني اصر على الا تكون هناك عناصر اجنبية في نظارته، وقبلت سلطات الاحتلال بذلك المطلب، لكنها تلاحظ انه وهو ابن الثقافة الفرنسية قبل التعامل مع بريطانيا بعد الاحتلال، ورأى ان بريطانيا سوف تعينه على ما يريد من اصلاحات ادارية ومالية، وبريطانيا استعانت به لتكسب جولات ضد فرنسا، في صراعهما للسيطرة الكاملة على مصر والمصريين. هذه الآراء تتعلق بدور نوبار في تاريخ مصر ومواقفه السياسية، لكن المذكرات بحد ذاتها بالغة الاهمية، فهذا رجل تعامل مع محمد علي وابراهيم باشا وعباس ومحمد سعيد واسماعيل، وكتب عنهم ويحكي الكثير من التفاصيل الدقيقة التي لا يمكن ان نجدها في وثيقة، ويرصد بدقة العلاقة الملتبسة بين محمد علي وابنه ابراهيم، وتربص كل منهما بالاخر، ويسمع من محمد علي قلقه الشديد على مستقبل اسرته، كان محمد علي يرى ان ابنه ابراهيم مريض وقد يسبقه الى الموت، وهذا ما جرى بالفعل، وكان يلاحظ ان من سيتولى الحكم بعد وفاته هو ابن طوسون الوالي عباس وانه لا يصلح للحكم، وان العثمانيين سوف ينتزعون مصر، وتمتلئ المذكرات بالدفاع عن عباس، الذي كرهه الاجانب وقاموا بتشويهه، وكرهته العائلة العلوية، ويقول ان اغتيال عباس في قصره بكفر الزيات تم بتحريض من عمته نازلي ابنة محمد علي، ويصفها بأنها كانت شريرة وسيئة الخُلق وكثيرة النزوات، وانها اعطت جسدها للعبدين اللذين قتلاه مكافأة مسبقة منها على القيام بالمهمة. وقد فعلت ذلك لان عباس حاول التصدي لها ولنزواتها التي كانت معروفة على نطاق واسع داخل العائلة، وبينما يدافع عن عباس يهاجم سعيد الذي منح دليسبس حق حفر القناة، بينما رفض محمد علي تلك الفكرة ويأخذ على سعيد انه لم يستفد من خبرة عباس في ادخال السكك الحديدية الى مصر، باختصار حمل محمد سعيد مصر الكثير من الاعباء بهذا المشروع، منها العمالة بالسخرة وتوفير الماء العذب للشركة وحفر ترعة لهذا الغرض ومنحها مساحات شاسعة من الاراضي وحاول الخديو اسماعيل التخلص من ذلك لكنه لم يتمكن.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©