الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مريم جمعة فرج تكتب بالنيابة عن المرأة والإنسان

مريم جمعة فرج تكتب بالنيابة عن المرأة والإنسان
14 يوليو 2010 20:07
أقلام نسائية إماراتية (3) تحتل الكتابة النسوية الإماراتية مكانة استثنائية في المشهد الثقافي الإماراتي. فهي غنية بأقلامها وأسمائها، مبادرة في موضوعاتها، غزيرة في إنتاجها، متنوعة في إبداعاتها ما بين الشعر والقصة والرواية والريشة. هنا إطلالات على “نصف” المشهد الثقافي الإماراتي، لا تدعي الكمال والدقة، ولكنها ضرورية كمدخل للاسترجاع والقراءة المتجددة.ماجد نورالدين اسم القاصة الإماراتية مريم جمعة فرج يقترن بأمرين هامين، الأول أنها من أوائل من اشتغلوا بفن القصة القصيرة وتواصلوا معها عبر منجزات كتابية تنتمي للبيئة الشعبية بشكل خاص والمقدرة على استخدام الرموز التراثية بمهارة عالية، وتطوير إيقاع الصورة الفنية والثوب السردي بشكل عام. أما الأمر الثاني فان اسمها يشكل مع اسم القاصة الإماراتية سلمى مطر سيف علامة بارزة في مسيرة هذا الجنس الأدبي، حيث كونتا معا تناغما له خصوصية في جانب الابتكارية لتحقيق “الجودة الفنية” في بناء قصة معاصرة ذات فنيات خارج السرد التقليدي وتماهيات نحو التحرري في تناول الظاهرة الاجتماعية. ومن ذلك ما صدر لها عام 1987 من مجموعة قصصية في كتاب مشترك مع أمينة عبد الله بوشهاب وسلمى مطر سيف تحت عنوان “النشيد”. ونلمح فيها طغيان وجود المرأة المحلية داخل هذه القصص بجانب قصص قليلة أخرى يكون النموذج فيها رجلا. حتى أصدرت مجموعتها القصصية المستقلة عام 1988 بعنوان “فيروز” عن منشورات اتحاد كتاب وأدباء الإمارات. وكتب الدكتور ثابت ملكاوي في كتابه “الرواية والقصة القصيرة في الإمارات” عن “فيروز”: “في قصص فيروز نقرأ الشخصيات تعيش حالة الهذيان والحلم واجترار الأفكار، محلقة في مدارات رومانسية رافضة للواقع، ومتمردة عليه، والواقع نستشف ملامحه من خلال الحلم، أو أن الحلم هو البديل الموضوعي للواقع”. القهر والصدق في الحقيقة إن ما يميز شخصيات مجموعة “فيروز” هو قوتها النابعة من داخلها، رغم أنها مقهورة ومحاصرة من الخارج، فهي صادقة مع نفسها، وتعيش حياتها كما هي على مرأى من نفسها، ولكنها مختبئة، وتراقب العالم من الثقوب، وحركتها تسير في دوائر وانكسارات وقفزات لاهثة، في إطار مغلق، مزدحم بالأفكار والهواجس. إن حركة الشخصيات في هذه المجموعة في مجملها هي حركة أشبه بالسمك الصغير المحصور في حوض زجاجي من ذلك الذي نراه مخصصا لأسماك الزينة. في قصة فيروز والتي تحمل اسم المجموعة ثمة مناخات رومانسية، ففيروز يغالب كل أشكال القهر، فهو متعب حتى النخاع، متعب إلى درجة الهزيمة الداخلية: “ماذا دهاك، تجمد رأسك حتى لم تعد لديك القدرة على الحلم، وتجمدت أطرافك حتى لم يعد لديك القدرة على الحلم، وتجمدت أطرافك حتى لم تعد لديك القدرة على الركض، تجمدت حتى لم تعد قادرا على النطق في زمن يتكلم فيه الحديد والثلج” (ص 12 من قصة فيروز). ونلحظ هنا ومن خلال هذا السرد كيف تنجح مريم جمعة فرج في رسم الحالة النفسية للشخصية في إطار يغفو على ظلال من جماليات التعبير وازدواجية المعنى. ولعل ما يميز شخصيات المجموعة (بلال العبار في قصة عبار، وبدرية في قصة بدرية، ودرويش في قصة درويش، وفيروز وموزه في قصة ضوء، وعبد الله في قصة ثقوب) هو ذلك الزخم في التعبير عن الأحلام الضائعة والطموحات في حياة أفضل من عدة زوايا نراها في عمق تجربة الكاتبة وقدرتها على الإمساك بفنيات القص وبشعرية اللغة من خلال تصوير الواقع المرير القاسي. كما نجحت الكاتبة في تقديم تنويعات من الأنماط والنماذج والملامح لشخصيات تم رصدها ونسجها بعناية فائقة، بحيث قضت الكاتبة على آليات السرد التقليدي وخرجت بمهارة عالية إلى السرد الوصفي، من خلال الحوار المقتصد والصور المليئة بالتفاصيل والمشهديات التي تغوص في جوانيات الشخصيات وتطور الحالات النفسية واللجوء إلى الرموز وما هو مكتنز في الموروث الشعبي من جانب ما هو موجود في ثقافة البحر، وهي إحدى المفردات التي اتكأ عليها غالبية كتاب القصة القصيرة والرواية في الإمارات حتى من كتاب القصة الجديدة. رسم الشخصيات وقد ركزت الكاتبة في مجموعتها هذه على البيئة النفسية لدى الشخصيات في إطار محلي، حيث أمكن لنا اكتشاف مدى ارتباط الشخصيات ببيئة المكان أيضا، وقد رصدت الكاتبة هذا المنحى من خلال جماليات السرد التي تبدو واضحة في الكثير من المواضع في قصة فيروز وبخاصة تلك الغرائبية في أركان الفن السردي: “بعد خمس دقائق حملق في الوجوه المشدودة فأذهل العجوز أن تلك الوجوه تغيرت بسرعة، وبعد خمس دقائق أخرى الوجه الصدئ نفسه تمدد، تقطع ثم تحول إلى رذاذ”، وقد اهتمت مريم جمعة فرج اهتماما بالغا بمسألة المكان ومفرداته وبطريقة جاذبة على مستوى شاعرية اللغة، ومن ذلك ما أوردته في قصة “غافة والمجنون” وتقول: “تشبه الغافة هي، جسد الغافة الذي يمتلئ رغم جفافه”، والغافة كما نعلم هي شجرة صحراوية معروفة في بيئة الخليج العربي. كما نلحظ ذلك في العديد من التعابير اللغوية المرتبطة ببيئة المكان: “الآن تثاءبت الجدران، انتعش السمر والصبار، وعادت لتطبق بيديها على أنسجة الجدار كما لو أنها كانت القابلة وأن الحلم هو الخيار”. وفي قصة “ثقوب” نقرأ: “يلهج أبوه: لم يبق من الدنيا أكثر مما سار، سنبني نصف الفنار من جديد، ويضحك للمرة الأولى كالمجنون بالمطر”. كما تكمن براعة الكاتبة الأساسية في المزج وتحويل المشاهد من دلالات الأماكن إلى لحظات زمنية مكثفة مما ينقل التركيز تدريجيا نحو الأجواء النفسية المحددة، فتغيب ملامح المكان متحولة إلى الذاكرة ونقرأ في قصة “عبار”: “بلال العبار يلتقي وجوه بنفس الوجوه الكثيرة والملوحة التي تهبط يوميا إلى جوف الماء. ويعيد الكلام نفسه: عبره، عبره، عبره، ولا يعرف من العالم أكثر من مسافة الخور ويتصل بالدنيا اتصالا مقيتا، فهو لا يحبها ولا يكرهها”. كما نرى أن تيار الوعي لديها حول المشاعر الإنسانية النفسية، وينساب في جمل ذات نسق لا يخلو من الصور الرمزية، كما نجد هنا في قصة “ثقوب”: “تظهر الحياة لعبد الله من خلال ثقوب.. في الثقب الأولى نخلة، في الثقب الثاني ناس، وفي الثقب الثالث مطر”. في هذا السياق وإذا كان أحد النقاد قد اعتبر أن أسلوب النهاية المغلقة الذي وجد عند مريم جمعة فرج في مجموعتي “ماء” و”فيروز”، عبر التراتبية المعروفة بداية وعقدة ونهاية، هو بمثابة انغلاق حدود القصة على مستوى الشكل والمضمون والتقنية في إطارها التقليدي، فإن ذلك لم يمنع من أن مريم قد أصدرت لنا كتابة شغوفة بالحرية المسكونة في دواخل الشخصيات وكأنها الموسيقى الداخلية في الحدث الفني، فأحيانا تكون الحركة الداخلية هي انفتاح في النهايات غير المرئية مباشرة، وتحقق بهذه التقنية كسرا للشكل المعتاد في القصة التقليدية. إن المتابع لتجربة مريم الكتابية سيلحظ طرحها الجدي للعديد من القضايا الاجتماعية والهموم الإنسانية، والتفرد في التعبير عن أفكار وهموم الرجل، خارجة بذلك من عباءة التعبير النسوي المهتم بقدر كبير بالقضايا الأنثوية في مواجهة القيم الذكورية الضاغطة. مما جعل من كتابتها نوعا من تجويد النظرة نحو الظاهرة مكتملة. إلى أن كانت مجموعتها الهامة بعنوان: “ماء” عن دار الجديد ببيروت عام 1994، والتي حظيت باهتمام نقدي كبير، حاولت من خلالها تعميم بعض القيم الاجتماعية، كما جسدت رؤيتها الفكرية في ثنائية الحرب وقهر الإنسان. لمريم جمعة فرج عالم خاص ، له علاقة شديدة بالوطن وموروثه الشعبي والثقافي الشرقي، عالم مشبع بالأصالة والشخصيات الحية النابضة القادرة على التواصل مع العالم من خلال الاستفادة من الماضي الجميل وثقافته ما بين الواقعي والمتخيل في إطار جماليات يفوح منها عبق الصورة الفنية ذات الدلالات والرموز التي تدفع بالقارئ كي يبحث عن المضمون، وأيضا من خلال لغة تجمع تنويعات من التعبير، لغة نابعة من بيئة وثقافة المكان والشخصيات. كما تطرقت كثيرا إلى ملامح مرحلة النفط وما بعدها بوضوح ولعل ذلك يبدو في قصتها “من الزوايا المتواضعة” التي تسقط فيها على ذلك التداخل الاجتماعي بفعل تعدد الثقافات والجنسيات ودخول العمالة الوافدة إلى حياة المجتمع الإماراتي: “يمتلئ المقهى بالذباب والهنود في الصباح، أما أهل فريجنا فيأتون في المساء بأخبار الدنيا”. وكما نلحظ من تلك التعبيرات أن هناك تشبيهات قوية تكفي للتعبير عن الكثرة والازدحام دون التعبير مباشرة عن ذلك، وهي خاصية الإيحاء لدى الكاتبة، التي لا تريد القول صراحة حول ما اعترى نمط حياة الناس التي طالها الثراء النفطي، معتمدة على مفهوم الصورة الفنية ومدلولاتها دون الإفراط في تصوير الواقع مباشرة. نقتطف هنا بعضا مما كتبه الناقد والقاص المصري عبد الفتاح صبري عن مريم جمعة فرج بقوله: “إنها قاصة لا تجري خلف الأشكال والرموز فحسب، ولكنها تصهرها لتنسج لنا صورة من ذلك الذي كان واقعا وبدا ينسلَ بعيدا تاركا فراغا وانزياحا للجديد. ولقد استطاعت عبر قصتها أن تبرز لنا قهر الإنسان بعموميته في مجتمع ما قبل النفط، وأيضا في المرحلة التالية والمرأة خصوصا، ولكن برمزية عالية من خلال قصة امتلكت الكمال الفني والإمتاع أيضا. كما أنها تستطيع الغوص في عمق الذات الإنسانية ولا تكتف بالوصف الخارجي لحالات المعرفة التي تحاول أن تظهره لنا أو تؤسس لها من خلال قصتها. إنها تمتلك ذلك الغموض السحري في كتابتها، ليس الغموض المفضي إلى إغلاق النص، ولكن لحث المتلقي على الاستمتاع والبحث في جنبات اللغة التي تساهم في إخراج القصة من المساحة الكلاسيكية في الشكل والمضمون إلى فضاء رحب في عوالم القصة الجديدة، فضاء فيه ذلك التوتر الذي يعمل على نمو الأحداث وتتابع الصور الفنية والمواقف وكأنها تستخدم تقنية سينمائية”. مشروع ثقافي للترجمة مريم التي بدأت مسيرتها الكتابية بالشعر ولم تكمل هذا المشوار، تبنت عام 2003 مشروعا ذا قيمة ثقافية كبرى تمثل في الترجمة وبخاصة في “تجارب من الإبداع النسائي العالمي” الذي جمعته في كتاب حمل عنوان “امرأة استثنائية”، وكتبت عنه في تقديمها له: “يرتبط العمل في هذا الكتاب ببعدين: الأول هو الترجمة كأداة في حد ذاتها، والترجمة كأداة تحتمل ثنائية الإبداع وإعادة صياغة الإبداع من منظور يتصل بالكشف عن جوهره الأساسي. والثاني يهدف إلى تسليط الضوء على جزئية مهمة في سياق الإبداع النسائي تتعلق بالمرأة والكتابة من حيث الخصوصية الشخصية والخصوصية الشاملة ذات الصلة بعلاقتها بما يمكن أن نسميه أدب الأقليات”. قدمت لنا مريم في كتابها ما يزيد عن خمس وعشرين امرأة استثنائيات في إبداعهن النسائي وحضورهن على الساحة الثقافية العالمية على مستوى الكتابة والجوائز وبخاصة جائزة نوبل للأدب، ومن تلك النماذج أول من كتبت الرواية في العالم، وهي اليابانية “شيكيبو موراساكي”، في القرن الحادي عشر الميلادي. وهي كما هو معروف صاحبة رواية “حكاية جينجي”، وهناك أيضا وفي نفس تلك الفترة الروائية “ساي تشيناغون” صاحبة رواية “الوسادة”. كما نجد في الكتاب الروائية البريطانية “دوريس ليسنغ” الحائزة على جائزة نوبل للأدب عام 2007 وهي التي أنجزت للمكتبة العالمية نحو 30 رواية من أهمها “الشقوق”. زيادة على ذلك تقدم لنا مريم جمعة فرج في كتابها حوارات هامة مع مبدعات شكلن علامة فارقة في الإبداع النسوي، ومن ذلك حوارها مع الكاتبة البريطانية “نادين غورديمر” وحوار آخر مع الكاتبة التشيلية “إيزابيل الليندي” كما يستمتع القارئ في اطلاعه على مناخات الثقافة الأجنبية من خلال لغة جميلة وتوصيفات طرحتها المترجمة حول مبدعات من مختلف البيئات العالمية مثل: توني ماريسون، ماريا انجيلو، كيا كورثرون، فاليري مارتن، اولغا توكار كزوك. تكشف هذه السيرة الثقافية عن تنويعات التجربة الكتابية لدى مريم جمعة الحاصلة على درجة البكالوريوس في اللغة الانجليزية من جامعة الإمارات العربية المتحدة عام 1980، ودرجة الماجستير، وهو ما مكنها من الإطلالة بقوة على تراث الأدب الأجنبي، وهي واحدة من الكاتبات التي تعتبر من جيل الوسط أو الجيل الثالث الذي شهد فداحة التحولات الاجتماعية وآثارها السلبية على القيم الثقافية وثوابت الحياة والتقاليد الاجتماعية فكتبت ضمن منظور فضاء الكلمة والتزاماتها، ولعل ذلك ما أوصلها إلى الساحة النقدية العربية، ومن ذلك ما تناولته الكاتبة والناقدة المغربية رشيدة بن مسعود في كتابها “جماليات السرد النسائي”، حيث اشتغلت على متن سردي يتراوح بين القصة القصيرة والرواية وتوزع على خمس دول عربية من بينها الإمارات، وكانت مريم جمعة فرج من النماذج التي تناولتها الباحثة مثل: أحلام مستغانمي وليلى أبو زيد وزهور ونيسي وفاطمة محمد. وتركز محور القراءة حول الكتابة في مواجهة سلطة المجتمع والأب والزوج عند جيل الكاتبات ونقتطف: “... وهذا النمط من الكتابة يضع أمامه مسألة المرأة الأساسية، وهي الحاجة إلى التحرر والانعتاق، انعتاق الذات وبحثها عن إمكانيات التحقق الفعلي والإسهام في البناء والخروج من منطقة الظل، وذلك بالتصدي ولو بالاحتجاج الداخلي والتعبير الأدبي، لسلطة المنع والحجر المتمثلة في المجتمع والأب والزوج ـ الواقع/ الرجل”. يظل اسم مريم جمعة فرج مرتبطا باسم ذلك الجيل الجميل من الكاتبات والقاصات الإماراتيات من مرحلة الريادة، على مستوى التناول الفني والأفكار المطروحة وتقنيات السرد التسلسلي دون التباس، لتعزيز عنصر التشويق وتحقيق البعد الإنساني بدرجة خاصة، مضافا إلى ذلك كله عشقها الشديد لبيئتها التي انطلقت من خلالها لتجسيد هوية الشخصية، ولهذا شكلت مع العديد من قاصات جيلها وحتى الجيل اللاحق: عائشة الزعابي، عائشة عبد الله، عائشة الكعبي، مريم سعيد المري، سارة الجروان، وليلى أحمد وسعاد العريمي وفاطمة محمد وأخريات.. شكلن حائط صد أمام كل المعوقات، لتحقيق التواصل مع الإبداع الكتابي الذي يشهد تذبذبات عدة على مستوى الساحة المحلية، وبخاصة أن مريم جمعة فرج قد أصدرت لنا واحدا من أهم المشاريع الثقافية في مجال الترجمة وتقديم صورة مغايرة للكتابة النسوية المتهمة على الدوام بالتبعية واللهاث وراء القصدية الرومانسية الغائصة في الجماليات الظاهرية دون التقنيات الحقيقية والابتكارية في عالم القصة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©