الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

الإمـارات والهنـد شراكة شاملة.. عريقة استراتيجية

الإمـارات والهنـد شراكة شاملة.. عريقة استراتيجية
22 يناير 2017 10:57
لهيب عبدالخالق (أبوظبي) ما يميز الشراكة الإماراتية-الهندية أنها لا تقتصر على مجال بعينه، وإنما هي شراكة شاملة، سياسية واقتصادية وثقافية وحضارية، ولها موروث تاريخي وروابط قديمة بين شعبي البلدين، وهو ما يدفعها إلى المضي قدما. وقد أحدثت الأوجه الجديدة للعلاقات الهندية الإماراتية، تحولا استراتيجيا في الطريقة التي تسعى بها الدولتان لمعالجة همومهما، وتآزرهما المشترك اعتماداً على مصادر قوتهما الفعلية. سعت حيوية السياسة الخارجية الإماراتية، إلى تنويع دوائر علاقات الدولة الخارجية، بحيث لا تقتصر على دولة أو منطقة بعينها، وإقامة علاقات متوازنة وشاملة مع جميع دول العالم في آسيا وإفريقيا والاتحاد الأوروبي وأميركا اللاتينية، من منطلق إيمان إماراتي بأن ذلك يحقق الأهداف والمصالح العليا للدولة. والهند تمثل واحدة من القوى الدولية التي تمثل أهمية خاصة في المنظور الإماراتي، نظرا لثقلها السياسي والاقتصادي الذي يؤهلها على نحو مؤكد كي تؤدي دورا فاعلا في قضايا الأمن والاستقرار على المستويين الإقليمي والدولي. وركزت الأولويات الجديدة للدبلوماسية الإماراتية التي تحرص من خلالها الدولة على توظيف العلاقات الخارجية، على مواكبة خطط وأهداف التنمية في الداخل، وتعظيم الاستفادة من شبكة العلاقات المتميزة التي تمتلكها الدولة مع مختلف القوى الإقليمية والدولية شرقاً وغرباً، بما يجعل من محطات هذه الشبكة مصبات وروافد تغذي وتدعم بشكل متواصل مسيرة التنمية وخططها الطموحة في دولة الإمارات. وكانت الهند بما تمثله من تجربة تنموية ناجحة، ركيزة أساسية يمكن الاستفادة منها في دعم الاقتصاد الوطني، وخاصة القطاعات الجديدة التي تحتل أولوية متقدمة في رؤية الإمارات 2021. لقد اتفقت رؤية البلدين أن الشراكة بينهما تسهم في تعزيز أسس الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، خاصة في ضوء رؤيتهما المتقاربة إزاء مواجهة التطرف والإرهاب والتصدي لتنظيم «داعش»، وضرورة الإسراع بإيجاد حلول لقضايا وأزمات المنطقة، وإنهاء الصراعات الدائرة التي تمثل تهديداً ليس فقط لدول المنطقة بل للعالم بأسره. وأكدت الدولتان من خلال تقييمهما لمتانة العلاقات الثنائية وارتياحهما عن الاتجاه الذي تسير فيه للأمام، عن عزمهما دفع هذا التوجه الاستراتيجي الجديد في العلاقات الثنائية نحو اتفاقية لشراكة استراتيجية شاملة. وأشاد الجانبان بالتعاون والتضامن القوي بين البلدين، الذي جاء كثمرة لقرون من التعاون والتضامن والترابط الوثيق. واتفق الجانبان على إقامة حوار سنوي لمناقشة القضايا المتعلقة بالأمن والسلام في المنطقة، وتعزيز الحوار المشترك حول قضايا الأمن الإقليمي ذات الاهتمام المشترك. وأشارا كذلك إلى توقيع مذكرة التفاهم في يناير 2016 بين مركز الإمارات للسياسات ومعهد تحليلات الدفاع الاستراتيجية في الهند. ولدفع التعاون والتفاهم المؤسسي بين البلدين للأمام، أكد الجانبان التزامهما وتعهدهما الارتقاء بالتعاون المشترك بين وزارتي الشؤون الخارجية في البلدين من خلال حوار تخطيط السياسات والتنسيق المتبادل بشأن تدريب الدبلوماسيين عبر برامج التبادل الفني والتعاون بين معاهد تدريب الدبلوماسيين في البلدين. وتأكيداً لضرورة وأهمية تحقيق الحلول المستدامة عبر آليات التعاون الدولي، لاحظ الجانبان بارتياح أن الإمارات والهند لديهما مواقف مشتركة عدة حول القضايا ذات الأهمية في الإطار الدولي المتعدد الأطراف. واتفق الجانبان على ضرورة تعزيز دورهما في الساحة الدولية في المستقبل والتعاون المشترك في إطار رابطة حافة المحيط الهندي. الأمن ومكافحة الإرهاب مثل المجال الأمني أحد أسس الشراكة القوية بين الدولتين، حيث تتفق الإمارات والهند على تعزيز التعاون في عمليات مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات الاستخبارية، والعمل معا من أجل تنظيم التحكم في ما يختص بتدفق الأموال وتجريم التدفقات المالية غير القانونية. كما تتفق رؤية الدولتين على اتخاذ الإجراءات ضد الأفراد والمنظمات التي تقف وراء ذلك، وتقوية العلاقات في مجالات الدفاع. وتسعى دولة الإمارات من خلال علاقتها القوية مع الهند لمحاربة الإرهاب، كونها تؤدي دوراً كبيراً في منطقة غرب آسيا، وذلك ما جعل الدولة تضع أسس للعمل على تفكيك البنية التحتية للإرهاب بالتعاون مع الهند، من خلال مراقبة وتنظيم تبادل المعلومات وتدفق الأموال، التي يمكن أن يكون لها تأثير كبير على أنشطة الجماعات المتطرفة. ويجري، منذ سنوات، تنسيق الجهود لمواجهة التطرف، وإساءة استخدام الدين من قبل الجماعات والبلدان من أجل التحريض على الكراهية، وارتكاب وتبرير الإرهاب أو استخدامه لأغراض سياسية. وقد أعرب البلدان في كل مناسبة عن ارتياحهما لمستويات التعاون الأمني الحالي بين البلدين، وأشادا بالتقدم الذي تم إحرازه من خلال الحوار الأمني بين مجالس الأمن الوطني في البلدين، واتفقا على توطيد الشراكة الاستراتيجية من خلال استمرار العمل عن كثب في معالجة عدد من قضايا الأمن خاصة مكافحة الإرهاب والأمن البحري والأمن الإلكتروني مع التشديد على احترام المبادئ الأساسية للسيادة الوطنية وعدم التدخل في شؤون الغير. وللإمارات والهند مجالات تعاون في مجالات تقنية المعلومات والخدمات المدعومة بتقنية المعلومات، وأنظمة تصميم وتصنيع الإلكترونيات، كما لديهما اتفاقات على تعزيز التعاون في علوم وتكنولوجيا الفضاء واستكشاف خطة طويلة المدى لتحديد مشاريع التعاون والمجالات ذات الاهتمام المتبادل، حيث هناك تعاون بين وكالة الإمارات للفضاء وهيئة بحوث الفضاء الهندية، الذي أثمر عن توقيع مذكرة تفاهم وتأسيس مجموعة عمل للتعاون في مجال الفضاء. ولعل أحد الجوانب المهمة في زيارات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى الهند، وزيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى الإمارات، هو اتفاق الدولتين على تعزيز التعاون الثنائي بشأن التصدي للإرهاب، الذي يمثل مصدر قلق بالنسبة لكل منهما، حيث يوجد إدراك في كلا البلدين بالتهديد الذي تمثله المجموعات الإسلامية المتشددة والخلايا النائمة التابعة لتنظيم «داعش». ولهذا نددت الدولتان باستعمال الدين لتبرير الإرهاب ودعمه، كما أكدتا بشكل واضح لا لبس فيه على ضرورة مراقبة أنشطة الحركات والتنظيمات المتشددة وقطعها الدعم عن المنظمات الإرهابية التي تنشط انطلاقاً من أراضيها. كما اتفق الجانبان على العمل بشكل مشترك ضد معضلة التشدد، وتسخير الجهود والموارد للتصدي للحركات المتشددة، التي تنشط على وسائل التواصل الاجتماعي المعاصرة بشكل خاص، وتستعمل أسلوبا ومحتوى يغري ويجتذب الشباب المهمش والمستاء عبر العالم. ورفضت الدولتان أي جهود خاصة من قبل الدول في تبرير ودعم ورعاية الإرهاب ضد البلدان الأخرى، أو استخدام الإرهاب كوسيلة من وسائل سياسة الدولة. وعبرا عن أسفهما إزاء الجهود التي تقوم بها بعض الدول لإضفاء الصبغة الدينية والطائفية على القضايا السياسية. كما اتفقا على توطيد التعاون لمكافحة الإرهاب على المستوى الثنائي، وفي ظل النظام الدولي المتعدد الأطراف والعمل معا لتبني المعاهدة الشاملة المقترحة من الهند حول الإرهاب الدولي في الأمم المتحدة. الدفاع وإنتاج الأسلحة جدد البلدان التزامهما بتقوية التعاون القائم لأبعد مدى في مجالات التدريب والتمارين العسكرية المشتركة والمشاركة في المعارض العسكرية واستكشاف فرص التعاون في إنتاج معدات الدفاع في الهند، واتفقا على تعزيز التعاون البحري في الخليج والمحيط الهندي نظراً إلى أهميتهما الحيوية لأمن ورفاهية البلدين. وسعت نيودلهي إلى تعزيز تعاونها الأمني والعسكري مع دولة الإمارات بهدف مواجهة الإرهاب، والتصدي للقرصنة البحرية، وتأمين إمدادات الطاقة حيث تستورد الهند ثلثي احتياجاتها من النفط، فيما تنتج 30% فقط محلياً، وضمان سلامة خطوط الاتصالات البحرية، وضمان استيعاب الإمارات لعمالة هندية كبيرة، وهو ما يساعد في عملية النمو الاقتصادي للهند من خلال تحويلاتهم المالية. اعتمد تعزيز روابط العلاقات الهندية مع دول مجلس التعاون الخليجي بصفة عامة، ودولة الإمارات تحديداً، على ركائز عديدة وتتمثل في الآتي: 1.التعاون الأمني المشترك: حيث تحاول الهند تعزيز الروابط الأمنية مع دول الخليج، وبخاصة الإمارات حيث وقعت خلال الأعوام الأخيرة اتفاقيات للتعاون الدفاعي مع الإمارات. وفي عام 2003 وقعت الهند والإمارات اتفاقية تهدف إلى دعم التدريب العسكري المشترك، وتطوير المعدات الدفاعية، وتبادل المعلومات، والتعاون التقني. كما أفرزت مثل هذه الاتفاقيات الثنائية تشكيل لجان للتنسيق الأمني المشترك، ومنها اللجنة المشتركة للشؤون الأمنية (JCSM)، ولجنة التعاون الدفاعي المشترك (JDCC). 2.تعزيز التفاهم السياسي والشراكة الاستراتيجية: حيث تعتمد الهند على تعزيز التفاهم السياسي مع دول الخليج، وتتخذ تدابير لنيل ثقة القيادات الخليجية، وقد تميزت علاقاتها بالإمارات والتي عززتها الزيارات الرسمية رفيعة المستوى، كما اتسمت هذه العلاقات بالحيادية وعدم اتخاذ مواقف داعمة لأي من الأطراف الإقليمية في أية أزمة محتملة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج. 3.أهمية الخليج بالنسبة للهند في العالم الإسلامي: ترغب الهند في بناء علاقات استراتيجية مع دول الخليج لتعزيز مصالحها مع العالم الإسلامي، إذ تدرك نيودلهي أن دول الخليج وبخاصة الإمارات تلعب دورا نشطاً في عدد من المنظمات الدولية والإقليمية مثل منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية؛ وبالتالي من الأهمية بمكان للهند الاستفادة من هذه الآليات في دعم علاقاتها بالعالم الإسلامي عبرها. وتتمثل خيارات الهند في تعزيز شراكاتها مع دول الخليج سواء بشكل ثنائي أو جماعي، في الآتي: أ- دور أكثر فعالية في التعاون الدفاعي، حيث قد تبدأ الهند في تعزيز نظم الدفاع العسكري وتوسيع نطاقها مع دول الخليج التي ترغب في القيام بشراكة أمنية معها. وقد أبدت الإمارات رغبتها بذلك التعاون العسكري والدفاعي. ب- تعزيز الجهود المشتركة لمكافحة الإرهاب: لدى الهند اتفاقيات أمنية بالفعل مع عدد من دول المنطقة ومنها الإمارات، حيث تمثل مكافحة الإرهاب جزءاً أساسياً من بنودها، ولكن مع تزايد خطر التنظميات الإرهابية قد تتجه نيودلهي إلى توسيع مثل هذه الاتفاقيات مع كافة بلدان المنطقة، على أن تشمل تبادل المعلومات وتسليم العناصر الإجرامية. وقد تطرح مبادرة لتدشين مؤسسة إقليمية لمكافحة الإرهاب تحت رعاية مجلس التعاون الخليجي. ج- التعاون في مكافحة القرصنة: للهند دور في الأمن البحري بالمنطقة، وقد تتجه أيضاً نحو اتخاذ إجراءات أكثر فاعلية في مواجهة القرصنة عبر المياه الإقليمية، وتأمين المنشآت النفطية البحرية. د- تحديد دور واضح في الأمن الإقليمي: قد تبادر نيودلهي بالقيام بإجراء محادثات وحوارات أمنية مع دول الخليج لتسوية العديد من القضايا الإقليمية، وقد تطلب أن تصبح«عضواً مراقباً في مجلس التعاون الخليجي. كما قد تبادر بطرح الدخول في تدريبات عسكرية مشتركة سنوية مع «قوات درع الجزيرة» لمواجهة التهديدات الأمنية المشتركة في المنطقة». لقد كان إعلان الهند عن «شراكة استراتيجية طبيعية» مع الإمارات، وقيام تعاون أمني يشمل مكافحة الإرهاب في صلب هذا التعاون، لحظة نادرة من التبادل مع دول الخليج، لتبدأ مرحلة جديدة في العلاقات الهندية مع منطقة مهمة جداً. وتراوح الأجندة الجديدة والجريئة بين البلدين بين المشاركة في المعلومات الاستخباراتية والتدريب الشرطي، حتى التعاون بين شرطة البلدين ضد الشبكات الإجرامية، والعمليات المشتركة ضد الإرهاب. ويدعو الإعلان عن ذلك في فبراير من 2016 إلى الانخراط القوي بين المؤسسات الأمنية الوطنية في البلدين، والتوافقية بين القوات المسلحة، وحتى اقتراحات تتعلق بتطوير مشترك بأنظمة التسليح، حيث تسهم الإمارات في تصنيع معدات الدفاع في الهند، وتشارك في حوار استراتيجي أمني. وقد اتفق الجانبان على تنسيق الجهود المشتركة لمكافحة التطرف والإرهاب، وتبادل المعلومات الاستخباراتية وبناء القدرات وتعزيز التعاون في مجالات تنفيذ القوانين، ومكافحة غسيل الأموال وتهريب المخدرات والجرائم العابرة للحدود، وتعزيز التعاون في مجالات أمن الفضاء الإلكتروني، ورفع كفاءة التعاون الأمني العملياتي، وتعزيز التعاون المشترك في مجال المساعدات الإنسانية والإخلاء أثناء الكوارث الطبيعية والنزاعات، وتقوية العلاقات في مجالات الدفاع والتدريب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©