الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اتباع التوسط والاعتدال أساس الحياة الكريمة كما أرادها الله

اتباع التوسط والاعتدال أساس الحياة الكريمة كما أرادها الله
15 مايو 2014 21:39
التوسط والاعتدال مطلوب منّا في جميع مناحي الحياة، حتى نعيش حياة كريمة كما أرادها الله سبحانه وتعالى لنا، ومن المعلوم أن التشدد والغلوّ يُسيءُ إلى أصحابه، وإلى المجتمع، وإلى الأمّة كلّها، وحتى ننهض بحال الأمّة يجب علينا الاعتدال والتوسُّط في الأمور كلّها، وهذا أمرٌ منوط بحملة الدعوة والرِّسالة، لأنهم يستطيعون أن ينشروا الوعي بين المسلمين، وهذه هي مهمّتهم. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. ويقول الله تعالى في كتابه الكريم: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)، « سورة البقرة: الآية 143». جاء في كتاب مختصر تفسير ابن كثير للصابوني في تفسير الآية السابقة: وقوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)، يقول تعالى: إنما حَوَّلْنَاكُم إلى قبلة إبراهيم عليه السلام، واخترناها لكم لنجعلكم خيار الأمم، لتكونوا يوم القيامة شهداء على الأمم، لأن الجميع معترفون لكم بالفضل، والوسطُ ههنا: الخيار والأجود. أقوم المناهج وكما يُقال: قريش أوسط العرب نسباً وداراً أي خيرها، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسطاً في قومه، أي أشرفهم نسباً، ومنه «الصلاة الوسطى»، وهي العصر، ولمّا جعل الله هذه الأمة وسطاً خصَّها بأكمل الشرائع، وأقوم المناهج وأوضح المذاهب. (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) قال: والوسط العدل فتدعون فتشهدون له بالبلاغ ثم أشهد عليكم». وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «يَجِيءُ النبيُّ يوم القيامة ومعه الرَّجُلاَن وأكثر من ذلك، فَيُدْعى قومه فيقال: هل بلَّغكم هذا؟ فيقولون: لا، فَيُقال له: هل بَلّغتَ قومك؟ فيقول نعم: فَيُقال مَنْ يشهد لك، فيقول: محمد وأمته، فَيُدْعى محمد وأمته: فَيُقال لهم هل بلَّغ هذا قومه؟ فيقولون: نعم. فَيُقال: وما علمكم؟ فيقولون جاءنا نبينا فأخبرنا أن الرسل قد بَلَّغوا، فذلك قوله عزّ وجلّ: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا)، قال: عدلاً (لِتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا). عن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال: »أنا وأُمتي يوم القيامة على كومٍ مشرفين على الخلائق، ما من الناس أحد إلا ودَّ أنه منا، وما من نبي كذَّبه قومه إلا ونحن نشهد أنه قد بلَّغ رسالة ربه عزَّ وجلَّ«، (مختصر تفسير ابن كثير للصابوني 1/136). عبادة ميسرة إنّ ديننا الإسلامي الحنيف دين عالمي، يدعو إلى عقيدة سمحة، وعبادة ميسرة، لا حرج فيها ولا مشقة، كما يدعو إلى التيسير وعدم التعسير، وإلى الرفق وعدم الحرج، فالرحمة جوهر رسالته، والوسطية عنوان دعوته، وهي تعنى الاعتدال في الأمور كلّها دون إفراط أو تفريط. فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي لقد سلك نبينا - صلى الله عليه وسلم - هذا المنهج الوسط في خطابه، وجعل ذلك سنته في دعوة الناس، ومما يدل على ذلك ما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: «جَاءَ ثَلاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَدْ غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلا أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي»، (أخرجه البخاري). وعند قراءتنا لهذا الحديث الشريف الذي بين أيدينا، نجد أنه يعالج الغلوّ والتشدد بشكل مُقْنع، فقد كان الدافع وراء غلوِّ هؤلاء، أنهم رأوا اجتهاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العبادة، على الرغم من أنَّ الله قد غَفَر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأحسوا أنهم دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكثير، وقد ظهر هذا من قولهم: وأين نحن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم-؟، وظنوا أنهم بتشددهم وغُلوِّهم سيكونون أكثر قرباً من الله وتعبداً، فأزال النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه الشبهة من تفكيرهم بقوله - صلى الله عليه وسلم-: «إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي». ونتعلّم من الهدى النبوي وجوب التيسير على الأمة، كما جاء في قوله تعالى: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)، «سورة التوبة: الآية 128»، فقد جاء في كتاب مختصر تفسير ابن كثير للصابوني: قال تعالى: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ)، أي منكم وبلغتكم، وقوله تعالى: (عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ)، أي يعزّ عليه الشيء الذي يعنت أمته ويشق عليها، وشريعته كلها سهلة سمحة كاملة. مَنْ أَمَرَكَ أَنْ تُعَذِّبَ نَفْسَكَ؟ أخرج الإمام أحمد في مسنده عَنْ أَبي السَّلِيلِ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي مُجِيبَةُ - عَجُوزٌ مِنْ باهِلَةَ - عَنْ أَبِيهَا، أَوْ عَنْ عَمِّهَا، قَالَ: «أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحَاجَةٍ مَرَّةً، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَوَ مَا تَعْرِفُنِي؟ قَالَ: وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا الْبَاهِلِيُّ، الَّذِي أَتَيْتُكَ عَامَ أَوَّلٍ، قَالَ: فَإِنَّكَ أَتَيْتَنِي وَجِسْمُكَ وَلَوْنُكَ وَهَيْئَتُك حَسَنَةٌ، فَمَا بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى؟ فَقَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَفْطَرْتُ بَعْدَكَ إِلا لَيْلاً، قَالَ: مَنْ أَمَرَكَ أَنْ تُعَذِّبَ نَفْسَكَ؟ مَنْ أَمَرَكَ أَنْ تُعَذِّبَ نَفْسَكَ؟ مَنْ أَمَرَكَ أَنْ تُعَذِّبَ نَفْسَكَ؟ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ رَمَضَانَ، قُلْتُ: إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ تَزِيدَنِي، (قَالَ): فَصُمْ يَوْمًا مِنْ الشَّهْرِ، قُلْتُ: إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ تَزِيدَنِي، قَالَ: فَيَوْمَيْنِ مِنْ الشَّهْرِ، قُلْتُ: إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ تَزِيدَنِي، قَالَ: وَمَا تَبْغِي، عَنْ شَهْرِ الصَّبْرِ وَيَوْمَيْنِ فِي الشَّهْرِ؟ قَالَ: قُلْتُ: إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ تَزِيدَنِي، قَالَ: فَثَلاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ الشَّهْرِ، قَالَ: وَأَلْحَمَ عِنْدَ الثَّالِثَةِ، فَمَا كَادَ. قُلْتُ: إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ تَزِيدَنِي، قَالَ: فَمِنَ الْحُرُمِ، وَأَفْطِرْ»، (أخرجه أحمد). ومن خلال الحديث السابق وتوجيه النبي - صلى الله عليه وسلم - لهذا الصحابي، نتعلّم وجوب التيسير على النفس وعدم التشديد عليها، لأن ديننا الإسلامي قد عُنِيَ عناية كبيرة برعاية الروح والجسد، فإن لنفسك عليك حقًّا، ولجسدك عليك حقًّا. يَا مُعَاذُ... أَفَتَّانٌ أَنْتَ أخرج الإمام مسلم في صحيحه عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «كَانَ مُعَاذٌ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَأْتِي فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ، فَصَلَّى لَيْلَةً مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعِشَاءَ، ثُمَّ أَتَى قَوْمَهُ فَأَمَّهُمْ فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فَانْحَرَفَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ، ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ وَانْصَرَفَ، فَقَالُوا لَهُ: أَنَافَقْتَ يَا فُلانُ، قَالَ: لا وَاللَّهِ، وَلآتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلأُخْبِرَنَّهُ. فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا أَصْحَابُ نَوَاضِحَ نَعْمَلُ بِالنَّهَارِ، وَإِنَّ مُعَاذًا صَلَّى مَعَكَ الْعِشَاءَ ثُمَّ أَتَى فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ. فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مُعَاذٍ، فَقَالَ: يَا مُعَاذُ أَفَتَّانٌ أَنْتَ، اقْرَأْ بِكَذَا وَاقْرَأْ بِكَذَا. قَالَ سُفْيَانُ: فَقُلْتُ لِعَمْرٍو إِنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ، حَدَّثَنَا عَنْ جَابِرٍ، أَنَّهُ قَالَ: اقْرَأْ (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا). وَ(الضُّحَى). (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى). وَ(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى). فَقَالَ عَمْرٌو نَحْوَ هَذَا»، (أخرجه مسلم). يرشدنا رسولنا - صلى الله عليه وسلم - في الحديث السابق إلى ضرورة ألا يُؤَدِّي أَحَدُنا صَلاَتَهُ بسرعة دون طمأنينة، ولا يُطيل بالمصلين إذا كان إماماً إطالةً تشقّ عليهم، بل عليه أن يؤدي صلاته بكامل أركانها مطمئناً بها خاشعاً لله، وألا يطيل بالناس. بقلم الشيخ الدكتور/ يوسف جمعة سلامة خطيب المسجد الأقصى المبارك www.yousefsalama.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©