الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صينيو إندونيسيا: أغنياء يشكون الاضطهاد!

صينيو إندونيسيا: أغنياء يشكون الاضطهاد!
13 يوليو 2010 22:48
جون جليونا جاكرتا مازال الألم يرتسم على وجه "رومينة" وهي تروي المساء الذي هاجم فيه الغوغاء صالون الحلاقة الصغير الذي تملكه، فحطموا النوافذ ودمروا المحل، ومعه ثقتها في العدالة في وطنها. اليوم وبعد أكثر من عقد من الزمن على ذلك الحادث، مازال سبب مهاجمتها يطاردها: انحدارها جزئياً من أصل صيني. ففي مايو 1998، وعلى مدى يومين دمويين من الاضطرابات العرقية، قتل محدثو أعمال الشغب 1000 شخص واغتصبوا 87 امرأة، معظمهن من أصل صيني؛ ولزم السكان بيوتهم خوفاً، بينما كانت فرق الاغتصاب التي تقول بعض المصادر إن مجرمين من الجيش كانوا يقودونها، تعيث في شوارع العاصمة الإندونيسية جاكرتا فساداً. "رومينة"، المرأة صغيرة القوام، والتي تقدم اسماً واحداً فقط على غرار الكثيرين هنا، فقدت أكثر من محلها في ذلك اليوم؛ حيث قُتل ابنها المعاق جسدياً في حريق أضرمه الناهبون في مركز تجاري مجاور. وفي هذا السياق، تقول رومينة التي تبلغ 54 عاماً، وهي مسلمة وُلدت في إندونيسيا لأم تزوجت تاجراً صينياً في جاكرتا: "أنا لست ذكية، لكنني أعرف أن ابني مات في ذلك اليوم بسبب ملامحه الصينية". الكثير من المنحدرين من أصول صينية هنا، والذين يشكلون 2 في المئة فقط من السكان في هذا البلد ذي الأغلبية المسلمة، ينتظرون منذ سنوات نتائج تحقيق حكومي. لكن وبعد اثني عشر عاماً على تلك الأحداث، لم تحدث أي اعتقالات، حيث تعثر التحقيق قبل بضع سنوات عندما قال محققون إنهم لم يتمكنوا من إيجاد أدلة دامغة على تورط الجيش. ومؤخراً، ألمحت الحكومة الإندونيسية إلى أنها لن تستمر في البحث في هذا الموضوع، رغم أنه مازالت ثمة شكوك بشأن قيام جنود متأثرين بالقيادة السياسية للبلاد بالتحريض على أعمال الشغب. وبالنسبة للمنحدرين من أصول صينية، والذين طالما اعتُبروا مسؤولين عن متاعب إندونيسيا الاقتصادية، فإن الحياة بعد أحداث شغب 1998 مرة حلوة. فمن جهة، ترشح العديد منهم للمناصب العامة؛ وتم إلغاء عدد من القوانين التمييزية. لكن من جهة أخرى، مازال الكثيرون يشعرون بأنهم أجانب غير مرغوب فيهم، ويُنظر إليهم كطبقة تجار جشعين يدينون بالولاء لإندونيسيا والصين. وحسب عدد من المحللين، فثمة بدون شك تقدم منذ تنحي الرئيس سوهارتو الذي فرضت حكومتُه على ذوي الأصول الصينية تبني الأسماء الإندونيسية وحظرت الاحتفال بالأعياد والمناسبات الصينية. فبعد أن أُرغم الديكتاتور على التخلي عن السلطة في عام 1998، وهي السنة التي وقعت فيها أعمال الشغب التي يعتقد أنه هو من حرض عليها، شجعت إندونيسيا انتشار الثقافة الصينية. وفي هذا الإطار ، يقول "ليو سورياديناتا"، الأستاذ بجامعة نانيانج للتكنولوجيا في سنغافورة، والذي يهتم بالمواضيع الصينية الإندونيسية: "لقد تغير قدَرُ المنحدرين من أصول صينية هنا كثيرا منذ سوهارتو"، قبل أن يضيف: "لكن مشاكل الفقر والتوتر العرقي والهوة بين الأغنياء والفقراء التي أدت إلى أحداث العنف.. مازالت موجودة وقائمة". ويقول الكثيرون إن صعود الأصولية الإسلامية زاد من تهميش ذوي الأصول الصينية. ففي أحد الأقاليم الريفية مثلا، قام رجال الدين بتفريق استعراض صيني، مجادلين بأن صوت الألعاب النارية والتنين الراقص تتعارض مع تقاليد المسلمين. وفي هذا الإطار، تقول أندي يينتريان، زعيم اللجنة لوطنية لمحاربة العنف ضد النساء: "إن العديد من الإندونيسيين مازالوا يعتقدون أن الأشخاص الذين لديهم دم صيني يحافظون على علاقات ولاء قوية مع بكين"، مضيفة: "إن الفكرة تتمثل في أن أي حريات أو سلطة تمُنح لذوي الأصول الصينية ستضر بإندونيسيا". ويرجع تاريخ التمييز ضد ذوي الأصول الصينية هنا إلى فترة الاستعمار الهولندي، عندما كان الآلاف منهم يُقتلون أو يُرغمون على العيش في جيتوهات. كما كانوا يهاجَمون خلال حملات الحكومة الإندونيسية ضد الشيوعيين في منتصف الستينيات. وفي الثمانينيات، جاءت دعوات سوهارتو لكبح جماح عدد من الشركات الصينية التي جادل الكثيرون بأنها تسيطر على الاقتصاد. غير أنه إذا كان معظم ذوي الأصول الصينية يُعتبرون أعضاء من طبقة التجار الأغنياء، فإن العديد منهم كانوا في الواقع رجالا يمتلكون مشاريع صغيرة، أو أصحاب محلات بقالة أو باعة. في شارع رومينة الذي تقطنه الطبقة الفقيرة في شرق جاكرتا، كان الجيران ينظرون إليها على أنها صينية، رغم أن هذه السيدة، الأم لخمسة أبناء، لا تعرف بلداً غير إندونيسيا. كما لا تتحدث اللغة الصينية ولا تعرف جذورها الصينية. وتروي رومينة: "كانوا يسألون السؤال نفسه: "لماذا تعيشين هنا بين الفقراء؟ نحن نعرف أن كل الصينيين أغنياء". أولاد الحي كانوا يضايقون ابنها جوناوان ذا الأربعة عشر عاماً، لكن ليس بسبب إعاقته، "فقد كانوا يضايقونه به نتيجة لملامحه الصينية... كان يأتي إلى البيت باكياً، وكان زوجي ينصحه بتجاهل تهكماتهم ويقول له إنها مجرد كلمات". لكن ذلك تغير خلال الأزمة المالية الآسيوية في عام 1998، عندما خرج الغوغاء إلى الشوارع وهاجموا الإندونيسيين المنحدرين من أصول صينية الذين حُمِّلوا مسؤولية الأزمة الاقتصادية. ويعتقد العديد من المحللين أن سوهارتو شجع على أعمال العنف تلك في محاولة لتخفيف الضغط على حكومته بسبب فقدان الوظائف وارتفاع الأسعار. والواقع أنه على مدى سنوات، كان يُنظر إلى إندونيسيا على أنها مكان خطير بالنسبة لذوي الأصول الصينية. وفي عام 2004، منحت محكمة أميركية اللجوء السياسي لمواطنة إندونيسية من أصل صيني زعمت أن العودة إلى وطنها تعادل عقوبة الإعدام؛ وكانت واحدة فقط من بين آلاف الإندونيسيين من أصل صيني الذين فروا من البلاد. غير أن رومينة ترفض أن تحذو حذو ذوي الأصول الصينية الذين فروا من إندونيسيا منذ أعمال الشغب إذ تقول: "أنا لا أخجل من هويتي. هذا بلدي، إلى أين تريدونني أن أذهب؟". ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم سي تي إنترناشيونال"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©