الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قطر وتركيا.. الطموح الغادر

15 مايو 2014 00:47
حميد المنصوري كاتب ومحلل سياسي قطعاً، للدين دور مهم في حياة البشرية على مر العصور، من خلال الأخلاق والقيم والتشريعات والأحكام وأسرار الوجود والخلق، ودور الدين وأثره وبُعده موجود في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية بين الأفراد والشعوب والدول. فالدين ودورهُ ليس غريباً في السياسات الداخلية والخارجية للدول، ولكن يصبح اللعب به كاللعب بالنار، عندما يكون وسيلة لتحقيق طموحات وغايات خاصة بعيدة عن الأخلاق والقيم الإنسانية، والتي لا تتحقق إلا من خلال خلق الفوضى وزعزعة الأمن واستقرار المجتمعات الأخرى. فالدين بما يحمل من قوة نفسية وروحية له سلطة على القلوب والعقول، تعمل على تغير السلوك والأهداف في تتبع وتطبيق مبادئ الدين وقيمهِ. ومع التسليم بقوة الدين على البشر والمجتمعات، فإن الذين يستخدمون شعاراتهِ وقيمهِ وأهدافهِ كوسيلة لتحقيق مصالحهم البراجماتية التي لا تخدم إلا فئة على حساب استقرار وأمن الآخرين، كمن قد وضع الله عز وجل شاهداً ومشاركاً ونصيراً لأهدافهِ، فمن يلعب بذكر الله إلا أُناس أشد تنكراً من إبليس الذي لا يلعب باسم الله، بل يلعب باسم الشهوات والابتعاد عن ذكر الله، فهذا إبليس، إذن هم أشد تطرفاً من إبليس، لأنهم يستغلون شرع الله وذكرهِ في كل خطاباتهم وسياساتهم لكي يحققوا أهدافهم المتمثلة في السلطة والتسلط والحصول على النفوذ والقوة بمفهومها المعنوي الذي يكون قاعدة أساسية لتحقيق القوة بمفهومها المادي، فالجانب المعنوي يأتي في إطار ادعائهم بأنهم أهل الدين وحماتهِ، بل ووكلاء الله على العباد من خلال ممارسة السلطة وتطويع سلوك بعض الناس بشعارات وخطب وأقوال وصكوك تحلل ما حُرم لتحقيق أهدافهم، كالقتل والخيانة والكذب والتآمر، وكل ذلك يُساق باسم الدين والرب والرسول، وبذلك يكون الناس كحجارة تحركها هؤلاء الدعاة، فلا تنطق ولا تتحرك. أما القوة المادية المنشودة من طرفهم، فتتمثل في الحصول على مكانة دولية، من خلال الحضور السياسي في السلطة في بعض الدول العربية، وفي السيطرة على موارد وقدرات مهمة في الشرق الأوسط، كالقدرات البشرية والنفطية والجغرافية. فمن حق الدول والشعوب أن يكون لها طموحات وأهداف نحو الأفضل في تطوير قدراتها المادية والبشرية وفي تحقيق أمنها الداخلي والخارجي، وقد تكون بعض الطموحات غادرة بين الدول إذا بنيت على حساب واستقرار الدول الأخرى. ومن الطموحات المشبوهة ما تتخذهُ السياسات القطرية والتركية في المنطقة العربية، فهما تبحثان عن النفوذ والقوة عبر الدين، وعلى حساب استقرار العديد من الدول العربية. فقطر الدولة الغنية بمواردها الطبيعية تريد دوراً كبيراً لها في الشرق الأوسط، وهذا الدور لا تستطيع أن تصنعهُ عبر قدراتها البشرية المحدودة، والقدرة الجغرافية الصغيرة. وقطر ترى التيار السياسي لـ«الإخوان المسلمين» وسيلة لخلق نفوذ وقوة لها في الشرق الأوسط، فنجاح «الإخوان» لابد وأن ينعكس على قوة قطر التي جمعتهم مع واشنطن لتحقيق ما كان يسمى الفوضى الخلاقة. صانع القرار القطري الذي ذهب مع «الإخوان» متحدياً الدول العربية الأخرى، كان يتحدى قدراتهِ البشرية والجغرافية المحدودة ويعوضها بـ«الإخوان» والعلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، ويبحث عن مكانة مهمة في الوطن العربي، وربما جاب في نفس صانع القرار السياسي القطري أن فرز العقد الاجتماعي الجديد لأي مجتمع وتحديد النظام السياسي فيه، سيكون من خلال اليد التي تملك غوغائية عقيدة الدين، والتي يُنظر لها اليوم على أنها السبيل الوحيد لدى بعض الشعوب لتحقيق العدالة والكرامة والحرية الاجتماعية. فوسائل قطر كانت عديدة ومختلفة في دعم «الإخوان المسلمين» في مصر وغيرها، مثل قناة «الجزيرة» واللقاءات السرية، وإنشاء «مؤسسة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين» والدعم المالي وإنشاء كليات ودورات في الثورات، ودعم كُتاب الصحف والمواقع الصفراء «التي تنشر الأكاذيب». ولكون «الدوحة» تفتقر إلى الثوابت السياسية، فإنها راحت تجمع كل نقيض، فقد استطاعت أن تجلب لنفسها قوة مع واشنطن عبر القاعدة العسكرية والعلاقة مع تل أبيب، ووضعت نفسها مع محور نظام الملالي الإيراني الذي يجمع نظام «البعث» السوري و«حزب الله» و«حماس»، وفي سبيل البحث عن القوة , فقد وضعت الدوحة قاعدة تفاهم أميركية إسرائيلية مع «الإخوان» حول مستقبل المنطقة العربية، من خلال وصول «الإخوان» إلى السلطة في أكبر دولة عربية بشرياً ذات حضور ومكانة إقليمية ودولية. ومع هذا التناقض الكبير في العقيدة السياسية القطرية لأجل الحصول على النفوذ والقوة، استطاعت أن تحقق حضوراً في الاقتصاد والمال عبر الاستثمارات والمؤتمرات الدولية السياسية والاقتصادية واحتضان كأس العالم وتطوير استخراج مواردها الطبيعية. رغم كل ذلك، سقوط «الإخوان» في مصر قد أسقط طموحها في المنطقة العربية، لأن نجاح «الإخوان» في السيطرة على بعض الدول العربية يجعل لقطر بُعداً جيوسياسياً ومكانة دولية، لأنها ستعتبر السبب الرئيسي لوصولهم مادياً وإعلامياً وسياسياً، فقطر كانت كجسر سياسي مع واشنطن، وبوقاً إعلامياً عربياً ودولياً، وبنكاً يضخ أموالهُ لـ«الإخوان»، وغيرها كـ«حزب الله» و«الحوثيين». ووصل الأمر بقطر إلى هدم جسور العلاقة في مجلس التعاون الخليجي، من خلال زرع الفتن في خاصرة دول الجزيرة العربية، وتجلى ذلك في دعم «الحوثيين» لزعزعة أمن السعودية، ودعم كل معارض ومتنطع وناقد لسياسات دول مجلس التعاون، حتى أنها زعزعت أمن البحرين بذلك. فكان لابد من تحريك العصا من دول عربية مهمة، كالإمارات والسعودية والبحرين ومصر نحو قطر، لكي تتغير سياساتها التي تتصادم مع أمن الخليج والأمن العربي، لذا فإن سحب السفراء «الإمارات والسعودية والبحرين» خطوة مهمة في صد الحرية السياسية القطرية المخربة، فعلى الدوحة أن تكف عن دعم تنظيم «الإخوان» والحركات الدينية والسياسية التي تزعزع أمن دول عدة من الخليج العربي وليبيا وتونس ومصر واليمن ولبنان. وفي سياق متصل للطموح الغادر الذي لا يتحقق إلا على أمن واستقرار الآخرين من دول ومجتمعات، تأتي تركيا بقيادة أردوغان، فقد ظلت تركيا عقوداً تلهث وراء الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وظل الأخير يمانع بحجة الاقتصاد ودور المؤسسة العسكرية التركية وحقوق الإنسان في تركيا، كمشكلة الأكراد، ورفض تركيا الاعتراف بهم كقومية مستقلة عن القومية التركية، ومشكلة الأرمن والمذابح التي ارتكبتها الدولة العثمانية. ففي فترة حكم أردوغان، تراجعت بعض الشيء أحلام الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي إعلامياً وسياسياً بسبب صولات وجولات أردوغان الجديدة في المنطقة العربية. فالدور الإقليمي لتركيا ليس في أوروبا، وإنما في المنطقة العربية الغنية بمواردها واستثماراتها واستيعاب أسواقها، حيث تسعى الأردوغانية إلى أن تكون مركزاً سياسياً محركاً للدول العربية التي تفترض أن يحكمها «الإخوان» المسلمين، ففي حال حكمت تلك الجماعة المتاجرة بالدين بعض الدول العربية سيصبح لتركيا دور ونفوذ قوي في الشرق الأوسط الذي ينعكس على مكانتها دولياً. فمكانة تركيا الدولية كان يفترض بها أن تكون تمتين العلاقة الاقتصادية والأمنية القوية القائمة على الاحترام المتبادل، لكن كانت ومازالت مرهونة من خلال اللعب بالدين مع الإخوان المسلمين. ولعل العاقل يدرك مدى الضرر التي تسعى إليه تركيا اليوم في احتضان «الإخوان المسلمين» بعد سقوطهم من سلم السلطة والمجتمع في مصر العربية، فقد تم إنشاء قنوات إعلامية لهم بمشاركة الدوحة ودعمهم سياسياً ومعنوياً ضد استقرار الدول العربية، خاصة مصر والإمارات والسعودية والكويت والبحرين. وسياسات «أردوغان» لا تخدم الدول العربية، ولا العالم الإسلامي لأنها تزعزع أمن واستقرار المجتمعات الأخرى عبر العابثين واللاعبين بالدين. ماذا كانت تركيا ستفعل لو وجهت بعض الدول العربية استثماراتها وعلاقات نحو اليونان العدو التاريخي لتركيا، والذي ما زالت تتصارع معها على موارد بحر ايجه، والملف القبرصي مع خلفية تاريخية سيئة؟ كانت ستتجه إلى طلب المساعدة الإسرائيلية التي تكون دائما مشروطة. فتركيا إذا أرادت علاقة مع الدول العربية، فعليها التخلص من عقدة أنها يجب أن تقود العالم العربي بسبب أنها كانت مركز الخلافة، كما عليها احترام شؤون ومكتسبات الدول السياسية والاقتصادية والأمنية. فتركيا وإيران رغم العلاقة التاريخية مع العالم العربي، إلا أنهما وعلى حد السواء تخاف كلتاهما من بروز دولة أو دول عربية يكون لها حضور قوي في الشرق الأوسط يضعف مكانتيهما الدولية، فهذا واضح في تسلسل الأحداث التاريخية منذ نشأت الأمم المتحدة إلى اليوم. لقد لعبت قطر وتركيا بالدين، وزعزعت أمن واستقرار بعض الدول والمجتمعات العربية لفترة ما ولحدود معينة، ولكن بسقوط «الإخوان» في مصر انتهت المباراة بين اللذين لعبوا بالدين لمصالحهم الخاصة والغادرة وبين الوطنيين. ورغم أن الحَكَم الدولي «واشنطن الموالية للفريق القطري والتركي وتجار الدين» أعلنت نهاية المباراة بهزيمة قطر وتركيا إلا أنهما مازالتا تلعبان رغم الصفارة الأميركية والدولية التي سمعها من كان به صمم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©