الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكتابة صمتٌ يعجُّ بالجَلَبة

الكتابة صمتٌ يعجُّ بالجَلَبة
7 سبتمبر 2016 21:49
الهبة مسؤولية الكاتب تجاه نفسه أن يحافظ على الموهبة (أو الهبة) الممنوحة له، أن يعتني بها ويرعاها ويصقلها، لأن أي هدر لها هدر لنعمة لا يحق له التصرف بها. الهدر خيانة. أما مسؤوليته تجاه الآخرين فتكمن في توظيف موهبته للاتصال بالآخرين (وليكن على المستوى الإبداعي) ومعهم يخلق حواراً، حراً ومرناً، عن شؤون الحياة. *** اتصال إذا وجد القارئ في ما أكتب شيئاً يثير اهتمامه ويحسّه بعمق، فهذا جيد. وإذا استطاع النص أن يتصل بالآخر، على مستوى شعوري ولا شعوري عميقين، فهذا أكثر من جيد. أحب أن أدهش نفسي والآخرين، أن أثير إعجابهم.. مثل الحاوي. لكن كالحاوي، بعد أن ينفضّ الناس من حوله، يعود إلى داره ويجلس متأملاً ثم يرفع رأسه في حيرة ويقول: «أهذا كل شيء؟ وماذا بعد؟». *** مشاعر من يتكلم كثيراً لا يكشف إلا عن القليل من المشاعر، والكثير من الانفعالات. ربما يتكلم كثيراً ليحجب مشاعره. الصمت مكتنز بالمشاعر. ثمة صمت مليء بالجلبة.. أعني الصمت المليء بالقول والذي يحتدم لينفجر في شكل نص يحتمل عددا من التأويلات. *** نكهة النصوص النصوص التي تكتبها لا تموت مع مرور الوقت. نكهة بعضها تبقى ولا تغيب مع باقي الأشياء.. تظل حاضرة، وقابلة للاستحضار. أيضاً تلك اللذّة التي لا يمكن استعادتها حرفياً بل رمزياً. *** لذّة الكتابة مشكلة هذا الكاتب الشاب أنه يعدو لاهثاً وراء بريق الشهرة – المضلل والزائل - ولا يتريث ليتلذّذ بما يكتب، ليدهش نفسه قبل أن يدهش الآخرين. *** حركة الأجيال المرء يصل، بفعل العمر والظروف، إلى حالة من التعب والضجر والتشبّع، فتقلّ أنشطته ويتراخى حماسه ولا يعود ذاك الشاب المفعم بالديناميكية والحيوية والرغبة في الصراع، لذلك يتنحى جانباً، أمام عبور زمن فتيّ عاصف، تاركاً للطاقات الشابة، الجميلة والبريئة، أن تلهب المشهد الثقافي بما تمتلكه من موهبة ورغبة في الفعل. العلاقة بيننا والجيل الشاب قائمة على الصداقة والثقة والاحترام المتبادل. لا انقطاع بيننا، لا خصومة، لا ارتياب من أي نوع. ربما نحن مقلّون أو مقصّرون في حضور الفعاليات، لكن هذا ليس نابعاً من موقف عدائي.. بل هو البطء أو الكسل الذي يمليه زمن يذكّرك دوماً بأن وقتك محدود. دائماً هنالك ذلك الخوف من أن يكون كتابك الأخير هو الأخير، أو أن هناك أشياء تنضب تدريجياً. لكن ما إن تخوض تجربة كتابة نص جديد حتى تولد من جديد، ويزول ذلك الخوف. *** تعايش الكاتب يخلق صوره دون أن يحدّد، أو يقدر أن يحدّد، التخوم بين الشعر والقص. إنها جوهرياً عملية عفوية ولا شعورية. بمجرد أن يكون الكاتب واعياً لهذه التخوم، أو يضع الشروط لها، فإنه يقع في التكلف والتعسف. في النص تتعايش عناصر الشعر وعناصر القصة (وحتى الأشكال الأخرى).. تتعايش أيضاً الأضداد والثنائيات. النص مجال رحب يسع كل ما يرغب الكاتب في التعبير عنه وبه، وباللغة القادرة على التعبير عما يريده. الحالة هي التي تخلق لغتها الخاصة وليس العكس. بمعنى أني لا آتي إلى مقطع معين وأقرّر أن أكتبه بلغة نثرية سردية أو بلغة شعرية. الحالات والصور تفرض لغة متجانسة معها. ومثل هذه الأمور ليست مقرّرة سلفاً بل إنها وليدة لحظة التعبير. *** نقد أحاول أن أكون، إزاء نصوصي، أكثر صرامة وقسوة وشراسة من أي ناقد. *** العنوان للعناوين وظائف متنوعة: إيضاحية، إيحائية، رمزية، دلالية، تفسيرية.. إلخ. شخصياً أميل إلى العنوان الذي له رنين شعري، جمالي، وفي الوقت ذاته يعبّر عن جوهر النص، ويكون مفتوحاً على عدد من القراءات، من التأويلات. قد يتولّد العنوان أثناء الكتابة، أو بعد إنجاز العمل، وأحياناً، لسبب غامض ما، يكون حاضراً وجاهزاً قبل التفكير في الكتابة. في بعض الأوقات، تستعين بصديق يقترح عليك العنوان الملائم (حيث يمكن للعنوان أن يوجد باستقلالية وعلى نحو متواز مع النصوص). لكن في كل الأحوال ينبغي للعنوان أن يكون مدهشاً، وأن يكون محرّكاً، جمالياً ودلالياً، لمخيلة القارئ. *** كافكا كافكا لم يؤثر فقط في جيلنا، الذي شهد الهزائم والانكسارات والأحلام المجهضة، بل مارس تأثيره على مختلف الأجيال في العالم الغربي، وتحديداً بعد الحرب العالمية الثانية. لقد استطاع كافكا أن يشرّح ببراعة الوضع الإنساني في ظل هيمنة القمع والاستبداد. إن رؤى كافكا ليست غريبة عنا بل تنسجم إلى حد بعيد مع الواقع الذي نعيشه حيث البراءة مدانة دوماً، ومحكومة بالعسف والتدمير، وحيث أجهزة القمع تطال حتى ذاك الذي يتجنب المواجهة ويتفادى الاحتكاك بالآخرين. لقد أثّر فيّ كافكا بعمق. *** الأكثر مبيعاً لا تخفى على المتابع لحركة مبيعات الكتب في الأسواق العربية حقيقة أن الكتب الأكثر مبيعاً هي تلك التي تتعرّض للثالوث المحرّم في المجتمع العربي: الدين، الجنس، السياسة. الكتاب الذي يتناول أحد هذه الجوانب، يثير فضول أو شهية القارئ.. تحديداً القارئ الباحث عن ما يثيره وما يستفز محيطه ويؤجّج الجدل والخلاف. لهذا السبب يتهافت بحماس، وبرغبة عارمة، للحصول على أي كتاب قرّرت أجهزة الرقابة منعه ثم أجازته لسبب أو لآخر، حتى لو كان مكتوباً على نحو سيئ أو مبتذل. إن هوية الكاتب أو موهبته أو شهرته لا تؤخذ بعين الاعتبار في مثل هذه الحالات، فالأهمية تكون للموضوع (المثير) في المقام الأول. وكلما زادت جرعات الإثارة والجرأة في تناول الشأن الجنسي أو الديني أو السياسي، حاز الكتاب رواجاً أعلى، وتم تداوله على نطاق أوسع. هناك روايات حظيت بشهرة واسعة، وحققت مبيعات عالية، وطبعت مرّات عديدة، رغم أنها ضعيفة فنياً.. بالمعيار النقدي الجاد. لكن هذا الضعف لم يمنع تلك الروايات من أن تحقق الرواج، ذلك لأن القارئ العادي لا يعنيه الأسلوب والبناء واللغة، بقدر ما تعنيه درجة الإثارة التي يحصل عليها من قراءة عمل يتوجّه، قبل كل شيء، إلى عواطفه، مخاطباً غرائزه، مدغدغاً مكامن الحرمان فيه. بالطبع لا نستطيع إغفال دور التسويق، الذكي والجذاب، الذي يمارسه الناشر أو الناقد أو الكاتب نفسه عبر وسائط النشر والدعاية المختلفة والمتنوعة، ضمن حملة نشطة للترويج للكتاب. *** هستيريا الرَّواج لا أعتقد أن من مهمة الكاتب الترويج لنفسه أو لمشروعه أو حتى لنتاجاته. عليه أن يكتب فحسب، أن يبدع، وأن يرصد ردود فعل الآخرين ليعرف، على الأقل، إلى أي حد تفاعل الآخرون مع ما كتبه. أما الأشياء الأخرى التي تتصل بالانتشار والتأثير، فتلك أمور لا أظن أنها تستحق الاستغراق والانهماك الكلي فيها إلى حد الاستحواذ. يمكن أن يحدث ذلك (الانتشار والتأثر) على نحو طبيعي، وبفعل عوامل خارجية (النقد والترجمة.. مثلا) لكن ليس من المستحب أن يروّج الكاتب لنفسه، ففي فعل كهذا أرى افتعالاً وتهافتاً وتملقاً لا يليق بكاتب يحترم كتابته. في الوسط الفني والأدبي انتشرت ظاهرة التسويق، أي ترويج الشخص لنفسه ولأعماله، ووجدنا من يدعو ويحرض الكاتب أو الفنان على التسويق، فرأينا عدداً كبيراً من الأدباء والفنانين يتهافتون ويتسابقون على نشر أخبار، أغلبها ملفقة، عن أعمالهم ورحلاتهم واحتفاء الأوساط الثقافية العالمية بنتاجاتهم، إضافة إلى تعميم كل انطباع يكتب عنهم في كل موقع على الإنترنت. ثمة حالة من الهستيريا، هستيريا الرواج والانتشار، اجتاحت الأوساط الأدبية والفنية العربية، معها فقدت البوصلات اتجاهاتها الصحيحة وبتنا نرى أشكالاً من الكذب والتزييف والتزوير في سبيل أن يسوّق المرء لنفسه ويشتهر بأية وسيلة وأي ثمن. هكذا تراجعت القيم الأصيلة من نبل وتواضع وتعفّف وصدق وإخلاص لتحل محلها الصفات السيئة من ادعاء وغرور وابتذال وإسفاف وتملق ورياء وزيف وانحطاط.. وكل هذا باسم التسويق. شخصياً أرى أن من حق الكاتب أو الفنان أن يوصّل نتاجه إلى الآخرين، لكن بكرامة ونبل. يحدث هذا من خلال طبع أعماله وتوزيعها، والمحظوظ من يلتفت إليه النقد يوماً فيؤمن به ويحتضنه ويعمل على توسيع مساحة قراءته من خلال الفحص الجاد والتحليل العميق.. أي أنه ينتشر على نحو طبيعي، ويكون هو جديراً به. هذه هي الوسيلة المشروعة، أما التسويق، بمعناه التجاري المبتذل، فهو أمر مذلّ ومهين للشخص نفسه قبل غيره. *** النخبة قدر الفن والأدب أن يكونا نخبويين ولهما جمهور محدود.. تاريخ الأدب والفن منذ قرون يؤكد هذه الظاهرة. إن توسّلنا البساطة والوضوح لن يحلّ الإشكال.. إذ حتى الكتابة الواضحة جداً لها جمهور محدود جداً. لذا على الكاتب أن يكتب بصدق ووفق ما يراه وما يؤمن به، لا أن يتملق جمهوره.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©