الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ما النغمة التي تتبع اسمه؟

ما النغمة التي تتبع اسمه؟
7 سبتمبر 2016 21:49
هذا هو السؤال: ما هي أول صورة تخطر ببالك حين نقول اسم بليغ حمدي؟ صورةٌ بالأبيض والأسود أمام العازفين في بروفة أغنية لأم كلثوم أو عبدالحليم؟ أم صورةٌ له منفرداً محتضناً عوده ساهماً ناظراً للمجهول كأنه يتلقى تلك النغمات الساحرة من مكان غامض مجهول؟ صورةٌ له هو ووردة، ضاحكين باسمين، مثل عاشقين في أول الحب، على حد تعبير درويش، في واحدة من تلك الصورة المشتركة بينهما، ناطقة بعلاقة لا ينقصها الشغف ولا تتحرج من إعلان بهجتها الحسية! ربما كُنتَ -عزيزي القارئ- من جيلٍ متأخر قليلاً أو كثيراً، فتخطر ببالكِ صورة له مع مطربة جميلة صغيرة السن، تلك الصور التي كانت الصحافة في الثمانينيات مدمنة لنشرها والكتابة عن تفاصيل علاقات عابرة متوهمة أو حقيقية، مع هذه المطربة أو تلك، لرجلٍ كان مغرماً باكتشاف الأصوات الجديدة قدر ما كان مغرماً بالحياة، لينتهي هذا الغرام المتبادل بفضيحة انتحار امرأة تدعى «سميرة مليان» من شرفته العام 1984، الفضيحة التي ستنتهي به هارباً في باريس، منتظراً حكم البراءة والعودة لمصر، حيث سيموت طاوياً صفحة مليئة بالشجن. هذا هو السؤال إذن، قل لي ما هي أول صورة تخطر ببالك حين نطرح اسم فنان لا أظن أننا عرفناه كما ينبغي، أقل لك كيف تراه، وربما أقول لك أيضاً من أنت! يومياً تقريباً، وعلى مدار عامين كتبت فيهما رواية عنه بعنوان «بليغ»، وبشكل ما عنّي أيضاً، كنت أسأل نفسي هذا السؤال قبل كل شيء وبعد كل شيء، لأكتشف أن الأمر ليس بالسهولة التي توقعتها! وجدت أن السؤال الأسهل هو: ما هي النغمة التي تخطر ببالك حين تسمع اسمه؟ الرجل لم يقصر في منح نغمات لا تعرف فقط موهبته الجامحة، ولكن تعرف أيضاً وجداننا الموسيقي والعاطفي.. ما هو حبنا لمصر؟ إنه عيناك الدامعتان وأنت تسمع «يا حبيبتي يا مصر». ما هي نكسة 67؟ إنها نغمة «عدّى النهار».. ما هي الشعبيات؟ محمد رشدي مغنيّاً «عدوية» و«ع الرملة».. ما هي أم كلثوم التي يعرفها الجيل الجديد؟ «ألف ليلة وليلة» و«فات المعاد».. ما هي الموهبة؟ نغمة «على رمش عيونها»، وجملة «طاير يا هوا».. الموهبة واضحة والحكاية غامضة، الموسيقى ناطقة بكل شيء وصورة الرجل الناظر للمجهول لا تبوح بسرّه المغلق، وبين وضوح الموهبة وغموض صاحبها تقع الرواية، ويقع السؤال! لم أكتب سرداً لحياته ولا رصداً لها، ولكن الحكاية تنطلق من نقطة أساسية، هي الحادثة الشهيرة التي عانى بسببها هجوماً وتجريحاً انتهى بإصدار حكم قضائي ضده، وسفره لفرنسا وبقائه هناك حتى حصوله على البراءة. هذه هي نقطة البداية في الرواية التي تنشغل أيضاً بـ «الراوي» الذي يكتب قصة بليغ فراراً من قصته هو الشخصية، مطارداً سيرة بليغ في شوارع باريس. بالنسبة لي فكلٌّ من بليغ، أو الراوي، هما مجرد مدخل لفهم تجربة الحب، أو الهوس، لفهم لماذا نخاف جميعاً من «الحب وسيرة الحب وظلم الحب لكل أصحابه».. ووجدت في آخر الرحلة وجهاً بريئاً لعاشق تعس، طفل، منحته السماء لعبة اسمها الموسيقى، فكان يلعب بها طوال الوقت ليهرب من وجعه الملحّ. التزمتُ مبدأ وحيداً هو قول أبي العلاء المعري «لا تظلموا الموتى وإنْ طال المدى/‏ إني أخاف عليكمو أن تلتقوا». كنت مشغولاً بأن يظهر هذا الملحن الاستثنائي الفذ على خشبة مسرح الرواية ويحدثنا بنفسه عن نفسه، أن نسمع صوته هو، لنرى الفارق بين الحكاية التي تصورناها عنه، وبين ما الحياة كما عاشها هذا الرجل المرهف بتصوره. بشكل رومانسي تماماً، كتبت عن بليغ حمدي الذي أظن أني أعرفه وأني اقتربت منه، كنت مشغولاً بالإنصاف في التعبير عن وجهة نظره هو كما أتصورها، وأرجو حين يتاح لي أن ألتقي به في حياة أخرى أن يكون راضياً عما فعلت وكتبت. رسالة امتنان لرجل طيب وموهوب استمتعت بصحبته عامين، رجل أحبه وأشعر أنه يعرف، حيث هو الآن، أني أحبه. ..................................... * طلال فيصل: كاتب وروائي ومترجم مصري، مقيم بألمانيا، صدر له «سيرة مولع بالهوانم»، و«سرور» التي نال عنها جائزة ساويرس للإبداع العام الماضي.. له قيد النشر رواية عن بليغ حمدي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©