لو تخيلنا أن جائزة نوبل العالمية الواسعة الشهرة قد خصصت فرعاً للموسيقى، مثل الأدب، وكان مقدراً لأحد من العرب أن يحصل عليها في النصف الثاني من القرن العشرين (مثلما حصل عليها في الآداب نجيب محفوظ، وفي العلوم أحمد زويل) لكانت تهادت وتدحرجت حتى استقرت وادعة مستكينة بين يدي عبقري الأنغام والألحان.. المداح «بليغ حمدي».
بليغ حمدي (1931-1993) مثال ناصع على العبقرية والموهبة حينما يجتمع طرفاها، المنح والاكتساب، منحة طبيعية وهبها الخالق لهذا الضئيل الجسد الهادئ النبرات، واكتساب واسع الثقافة والمعرفة والفهم لواحد من أجمل فنون الدنيا «الموسيقى».
كان بليغ حمدي من أغزر ملحني عصره، ترك ما يزيد على 1500 لحن لا يشبه واحد منها الآخر، ولعل هذا ما حدا بالموسيقار الراحل الكبير كمال الطويل أن يقول عنه: «بليغ موهبة متدفقة في التلحين، ونجح في تلحين جميع القوالب الموسيقية ليقدم 1500 لحن لا يشبه أحدها الآخر».
هنا في هذا الملف عن الملحن العبقري العابر للأجيال بليغ حمدي، ستقرأ -عزيزي القارئ- ما تعيد به النظر في التعرف على هذا المعجون بالموهبة، مرهف العاطفة والحس، صاحب الألحان الباهرة، الذي لحن لأم كلثوم وأحمد عدوية، وعبد الحليم حافظ ومحمد رشدي، ووردة وسميرة سعيد وميادة الحناوي، ولحن أيضاً لكروان الإنشاد الديني والابتهالات الشيخ سيد النقشبندي. ستعيد اكتشاف الوجوه المتعددة لملحن أعاد اكتشاف كنوز الطرب العربي والفلكلور الموسيقي.
يكتب محمود عبد الشكور، الناقد الفني المرموق، مقالاً بديعاً عن بليغ حمدي مدّاح القمر، الذي لم يقابله، يستعرض عبد الشكور بمنظاره الفريد، الذي يمتزج فيه العام والخاص سيرة الملحن العبقري وموقعها من سيرته هو، كيف استمع إليه للمرة الأولى، وكيف اكتشف عبقريته الموسيقية، ومن ثم محاولة استيعاب هذه التجربة بذائقة منفتحة وحساسة.
وتكتب الناقدة الشابة نانسي حبيب عن رسائل بليغ حمدي في أغانيه، لتتعرض لجانب مثير من سيرة الملحن الذي عرف بعاطفته الجياشة وقصة حبه الشهيرة للمطربة وردة، وزواجه منها ثم انفصاله عنها، ولم يحل الانفصال دون استمرار حبه لها وشغفه بها. تكشف نانسي حبيب كيف كان يوجه الملحن العبقري رسائله السرية لمحبوبته الأثيرة عبر الكلمات والألحان للدرجة التي وصل فيها إلى أسماع سيدة الغناء العربي أن بليغ يقصد توجيه رسائل بعينها في بعض ألحانه لها.
ويكتب الروائي والمترجم الشاب طلال فيصل عن معرفته وصحبته لهذا الملحن الذي ستدور حوله روايته المرتقبة «بليغ» والتي تستلهم وقائعها وأحداثها من سيرة بليغ حمدي، يكتب طلال عن عامين في صحبة بليغ حمدي. وفي مقاله الكاشف يوجه الكاتب والناقد حسام الخولي نصيحة إلى صديقه المتذوق الشاب ويقدم له مفاتيح لقراءة وتذوق التجرية اللحنية لبليغ حمدي.
أغنيات أكتوبر
خلال الفترة من 1973 وحتى 1975، كان بليغ حمدي هو ملك أغنيات أكتوبر بلا منازع، لحن كثيراً جداً أغنيات في تلك الفترة التي شهدت التحضير لحرب أكتوبر، ثم انتصار أكتوبر، وما بعده، كان من أشهرها أغنية عبد الحليم حافظ «عاش اللي قال»، كتب كلماتها محمد حمزة ولحنها بليغ حمدي. بمجرد أن غناها عبد الحليم، ذاعت الأغنية وانتشرت كالنار في الهشيم، تقول كلماتها:
«عاش اللي قال.. الكلمة بحكمة وفي الوقت المناسب.. عاش اللي قال.. لازم نرجع أرضنا من كل غاصب.. عاش وعاشوا العرب.. اللي في ليلة أصبحوا ملايين تحارب».
عدد اليوم
