الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مدينة العين... 5000 سنة حضارة

مدينة العين... 5000 سنة حضارة
7 سبتمبر 2016 21:49
وأنت تنقل خطواتك الأولى في شوارعها، تشعر بأنك على موعد خاص مع مكان وزمان من نوع مختلف، إنها مدينة العين في إمارة أبوظبي، بجدائلها الذهبية، المنسدلة على شوارعها وجبالها، مكان تزهو فيه الطبيعة والواحات الغناء.. وزمان يحكي فيه التاريخ قصة مدينة عريقة، قديمة متجددة، وأرض كانت وما زالت مصدراً للخير والمحبة، وكرم الضيافة العربية، مدينة القصور القديمة والنخيل الذي لا يحصى، والأفلاج والعيون والآبار، والمياه العذبة.. وما زالت الأماكن التاريخية ومخزونها، من تراث إنساني وحضاري، ماثلاً، بكل هيبته وألقه، عبر صور مشرقة، ما تزال ممتدة منذ أكثر من 5000 سنة، بل ويضفي على هذا المكان الذي يتصل بالعاصمة أبوظبي اتصالاً وثيقاً، بدءاً من تلك الرحلات الصحراوية، ومواكب الهجن التي كانت تعبر الصحراء لأغراض التجارة أو التواصل الإنساني، وحتى يومنا هذا. أصبحت العين واحة غناء تطل على العالم بثوبها الأخضر، ضمن النجاح النادر الذي حققته ثورة الإمارات بفضل جهود المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان« طيب الله ثراه»، وتعتبر المدينة وقراها السبع: هيلي، قطارة، الجيمي، المعترض، المويجعي، الجاهلي، ومسعودي، واحة لأحلام كل من يقطع الطريق متجها إليها من مدينة أبوظبي، أو من أي مكان في دولة الإمارات أو سلطنة عمان. ثاني أجمل مدينة في العالم من يستعرض تاريخ مدينة العين قبل نحو أربعين عاماً، يعرف أنها لم تكن بهذا الوصف البديع، ولم تكن تلك الواحة الغناء التي نفاخر بها العالم، ونعتز بتراثها، وأماكنها التي سجّل بعضها ضمن لائحة التراث العالمي، فقد كانت عبارة عن مزارع متفرقة، منازلها المبنية من الطين تفصل بينها كثبان رملية عامرة بأشجار النخيل والقلاع القديمة، التي كان يعسكر فيها الجنود، وكانوا يعيدون بناءها كلما سقط المطر. لقد كانت مدينة صغيرة نسبياً، يسكنها عدد قليل من الناس، من قبائل: بني ياس، والظواهر، والمناصير، وبني كتب، والكويتات، والنيادات، وبني كعب، والعوامر، والدروع وغيرهم.. وبفضل جهود المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، أصبحت المدينة واحة خضراء، حيث استفادت من الثورة الخضراء التي قادها، بحكمة وحيوية وإخلاص، لتحويل الصحراء الجرداء إلى أرض تتمتع بكل هذا الجمال الذي نراه اليوم، حيث تتزين فيها المباني والحدائق والبساتين والشوارع والمتاحف، وكافة عناصر الجذب السياحي، حتى نالت المركز الثاني كأجمل مكان في العالم، في إحدى المسابقات الدولية، من حيث التنظيم، والهدوء، والتطور، والبساطة، والنجاح في تحقيق مساحة خضراء نادرة، بحجم تكوينها الجغرافي، من خلال زراعة نحو مليون نخلة في كافة أرجاء المدينة التي يقطنها مائتا ألف نسمة من المواطنين والوافدين. زايد.. حبيب العين قضى المغفور له الشيخ زايد، طيب الله ثراه، 20 عاماً في حكم مدينة العين.. حيث أحبته القبائل في تلك المنطقة، وقد أعطى للمدينة الكثير من وقته وجهده وعنايته، قبل أن يختاره الشعب حاكماً لإمارة أبوظبي.. فقد عاش قريباً من البادية وأهلها، طوال حكمه لهذه الجنة التي صنعتها يد الإنسان الإماراتي، بكل جهد وإخلاص وانتماء، فأحب البدو وأحبوه، وحفظ أشعارهم وعاداتهم وتقاليدهم وتاريخهم، فأمده كل ذلك بذخيرة كبيرة عن تاريخ آبائه، وتاريخ المنطقة وتراثها الإنساني والأدبي. وبعد كل هذه السنوات تستطيع أن تلمح بصمات «زايد الخير» في كل الأمكنة، والزوايا والحدائق، والأماكن الأثرية والتراثية.. ومن المثلج للصدور أن تحافظ هذه المدينة على ربط الماضي بالحاضر، لتتسلم الأيادي البيضاء لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله»، الأمانة لتتحقق مقولة «خير خلف لخير سلف»، في تطوير العين، ورعايتها، وصيانة تراثها الوطني، والمحافظة على الطبيعة والحياة البرية فيها، ضمن إستراتيجية تهدف إلى تحقيق ذلك التوازن الجميل ما بين الطبيعة والإنسان. ذكرها في التاريخ تقع مدينة العين في شرق إمارة أبوظبي، وهي ثاني مدن الإمارة من حيث الأهمية، وتبعد 160 كيلومتراً عن أبوظبي العاصمة، تحدها من الشرق جبال الحجر، ومن الجنوب جبال حفيت المرتفعة عن سطح البحر 1500 متر، ومن الغرب الجنوبي الربع الخالي والسعودية، ومن الشمال مساعيد، وهي متصلة بحدود قطر. وللمدينة أهمية تاريخية، فلا يكاد مرجع تاريخي يخلو من ذكرها، حيث أن الآثار المكتشفة فيها تعود إلى النصف الثاني من الألف الثالثة قبل الميلاد.. ويدل على ذلك عشرات المستوطنات السكنية المبنية من الطين وسعف وجذوع النخيل، التي بنيت بمهارة عالية لتقاوم تنويعات المناخ، كما توفر لساكنيها الراحة في أشد الأيام حرارة أو برودة. كما وجدت المدافن الجماعية في جبل حفيت، وبدع بنت سعود، ومنطقة هيلي، ولعل أبرزها المدفن الأثري القديم المعروف باسم (مدفن هيلي)، حيث يمكن اليوم مشاهدة بقايا منه في حديقة الهيلي، التي تحتضن في عهدها الجديد مهرجانها الفني، الذي يقام عادة في الشتاء بمدينة ألعاب هيلي، ويسمى مهرجان الربيع السنوي، الذي تحييه العديد من الفرق الفنية والفلكلورية، ولاعبو السيرك والألعاب السحرية، والمهرجون، إلى جانب استضافة نخبة كبيرة من الفنانين العرب، في مهرجان يسهم في دفع الحياة الاقتصادية بالمدينة، نظراً لما يحققه من جذب سياحي يثري فكرة تعزيز السياحة التراثية، إضافة إلى وجود صلات خارجية للمدينة مع المناطق المجاورة، خاصة وادي السند، ووادي الرافدين، الأمر الذي يؤكد أن أهالي المنطقة مارسوا مهنة التجارة، كما برعوا في صناعة الفخار والأواني الحجرية. واجهة حضارية لا يمكن لزائر المدينة أن يتجاوز متعة الكنوز في متحف العين، الذي افتتح رسمياً العام 1971، وتشرف عليه إدارة الآثار والسياحة، حيث يعد اليوم، بمقتنياته النادرة من المكتشفات الأثرية والتاريخية، واحداً من أهم المتاحف التي تزخر بها الإمارات.. ولا تقتصر كنوز المتحف على آثار مدينة العين وضواحيها، بل تتعداها إلى العديد من آثار الإمارات، التي تعود في تاريخها لأكثر من 5000 عام، وتعكس تاريخ وحضارة المنطقة، في حقب زمنية متباينة.. ويضم المتحف مجموعة من القطع التراثية التي تمثل الحياة الاجتماعية في الدولة، قبل عصر النفط. وبالإضافة إلى القاعات التي تضم الأقسام الاجتماعية والتراثية المختلفة، فإن أكثر ما يجذب الزائر هو مشاهدة آثار جزيرة أم النار، وهي أول موقع أثري يكتشف في الدولة العام 1958، وتمثل الوجه الساحلي لحضارة العصر البرونزي، ومنها أدوات صيد، ومجموعة من الأسلحة البرونزية، والقلائد، وغير مما عثر علية داخل مدافن أم النار الجماعية، إلى جانب ما يحتفظ به المتحف من أكبر المستوطنات السكنية لمدينة جلفار، التي تمتد بقاياها لأكثر من كيلو مترين على شاطئ الخليج العربي، شمال مدينة رأس الخيمة، وبالتحديد الجزء المسمى بالدربحانية، بالإضافة إلى أجنحة لقسم الهدايا والعملات والمسكوكات، وغيرها من الأجنحة والقاعات التي جعلت من زيارة المتحف متعة بصرية لا تضاهى خلال سنوات قصيرة من العمل، واجتهاد الهيئة العامة للتطوير الاقتصادي والترويج السياحي، أصبحت مدينة العين واحدة من أكثر مناطق الجذب للزائرين من مختلف دول العالم، بمواقعها السياحية المتنوعة، وأماكنها الأثرية التي تضاف إلى ثراء المدينة الثقافي، وتنوع أنماط الحياة فيها.. فقد غدت حدائقها الغناء الواسعة وواحاتها الخضراء التي تزيد عن 70 حديقة قبلة للباحثين عن أشكال الترفيه والمتعة البصرية المختلفة في أحضان الطبيعة الأم التي حافظت على بهائها ورونقها، ولم تسمح للمد العمراني أن ينال من خصوصيتها وهويتها المميزة. وليس بعيداً، فإن جولة سريعة ستقود الزائر إلى دخول حديقة الخليج التي وصفها البعض بأنها «غرناطة عصرية»، نظراً لما تتمتع به من أزهار متنوعة، ومرافق وأحواض وأشجار وبساتين صغيرة، وبرك اصطناعية.. وفي المدينة أيضاً العديد من الحدائق، ومن أهمها: حديقة السليمي، وحديقة الحيوانات، وهي الأكبر في المدينة من حيث المساحة، والبالغة 400 هكتار، وتستقبل كل يوم آلاف الزوار الذين يقصدونها من داخل الدولة وخارجها، للتعرف على مقتنياتها من الحيوانات النادرة، مثل المها العربي، والفهد، إلى جانب مجموعات كبيرة من الزرافات والغزلان والأسود والطيور النادرة، كما تضم الحديقة حوضاً للأحياء المائية، يحتوي على أسود الماء والدلافين وطائر البطريق، وهناك المطار والحديقة العامة والمضيف، وبعضها مخصص للنساء والأطفال، ومزودة بأحدث الألعاب والمرافق.. على أن مدينة ألعاب الهيلي، التي افتتحت رسمياً عام 1980، هي الأشهر في المدينة، حتى على مستوى الإمارات بشكل عام، فهي تحوي أشهر الألعاب المعروفة عالمياً.. وأصبحت اليوم الوجهة المفضلة للعائلات والسياح، كونها واحدة من أكبر المدن الترفيهية في المنطقة، فبالإضافة إلى الألعاب الشهيرة المتنوعة، هناك جملة من المطاعم المختلفة، والمرافق التي تبعث على الراحة والرغبة في الاستمتاع. لقد ساهمت مصادر المياه الوافرة في المدينة في جذب المسافرين إليها منذ القدم، واليوم تعتبر (واحة القطارة) التي كانت قرية مستقلة في الماضي، من الواحات المهمة، حيث يقصدها السياح والزائرون للاسترخاء والاستجمام، وتوافر المياه وأشجار النخيل والفاكهة والزينة، كما عرف عن هذه الواحة أنه اكتشفت فيها بعض الحلي والمجوهرات القديمة، وتعرض هذه المكتشفات في أحد أجنحة متحف العين الوطني. ويمكن الاستمتاع بمنظر ومحتويات متنزه ومنتجع (العين الفايضة)، وامكانية قضاء ساعات بين أحضان الطبيعة الخلابة، وممارسة هوايات ورياضات تراثية متنوعة مثل ركوب الخيل وسباق القوارب والسباحة.. كما تنتشر في هذا المنتجع، المقام تحت أسفل جبل حفيت، استراحات ومطاعم شعبية وشاليهات فخمة يصل عددها إلى 55 شاليهاً، وأماكن ومسطحات خضراء، توحي بجمال وروعة المدينة القائمة على مسطح كامل من كثافة الخضرة. وبالقرب من المكان يمكن زيارة الينابيع الساخنة بمنطقة (مبزرة)، حيث أنشئت أحواض سباحة لهذه الينابيع، بعضها للرجال، وبعضها في منطقة مغلقة للنساء، وتحتوي مياه هذه الينابيع على كميات من الكبريت التي تشفي العديد من الأمراض. أسواق العين القديمة قبل أربعينيات القرن الماضي، لم يكن في العين، أو القرى الأخرى التابعة لإمارة أبو ظبي، أي سوق، وكان سكان تلك القرى يعتمدون في شرائهم على أسواق البريمي وحماسة، وتشير بعض التوثيقات إلى أن أولى المحاولات لفتح سوق في المدينة تمت على يد«محمد بن مراد»، الذي قدم من الشارقة، وبنى ثمانية دكاكين صغيرة، إضافة إلى سوق صغيرة عرفت باسم «سوق الكركم» في القطارة. لكن ما بناه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان العام 1957، هو الذي يمكن أن نطلق عليه اسم سوق، حسب أحد التقارير البريطانية، حيث يشير بكماستر في تقرير له إلى أن السوق الجديدة بالعين في صيف عام 1958 كان الحدث الأكثر أهمية، ويقول: (موّل الشيخ زايد المشروع بالكامل، ومع أنه كلفه أكثر من مئة ألف روبية، إلا أنه لم يتقاض أي إيجار عن الدكاكين التي يصل عددها إلى 25 دكاناً، في السوق الذي كان صفين متقابلين على شكل شارع مغطى لا يسمح بمرور السيارة.. وهذا الشكل الذي بنيت عليه الدكاكين هو الشكل الاعتيادي في بناء الأسواق بالمدن والقرى العربية). وفي هذا السياق نشير إلى أن النيات الطيبة، والرغبة في تحقيق أي نمط من أنماط التنمية في العين هي الدافع الأساسي للمرحوم الشيخ زايد، رغم الإمكانيات البسيطة في ذلك الوقت، حيث لم تقل جهوده في مجال التجارة عن مساعيه الاخرى، وما زال الناس يتذكرون طيب خلقه، وبساطته، وكرمه وقناعته، فبعد الانتهاء من بنائه السوق، منح التجار من أهل العين وغيرهم الدكاكين دون مقابل، ما شجع على إيجاد حركة تجارية جذبت تجاراً من مناطق أخرى، ومن خلال الأجواء الإنسانية الرحبة استطاعت التفوق على أسواق البريمي وحماسة. رومانسية حفيت لا تكتمل أي زيارة للمدينة بدون (جبل حفيت)، أعلى قمة جبلية في دولة الإمارات (1340 متراً فوق سطح البحر) فالطريق الجبلي الذي تم إنشاؤه داخل الجبل يمتد بطول 13 كيلومتراً، ويشهد على براعة الإنسان وقدرته على صنع المستحيل، فالطريق يوصل الزائر إلى قمة الجبل، ليوفر فرصة ثمينة، بل نادرة، للتمتع بمشاهدة المدينة ومعالمها من على هذا الارتفاع الشاهق، ويسرح المشاهد بناظريه عبر المدى، حتى صحراء الربع الخالي.. فالمكان الجبل أصبح يدغدغ الوجدان لمزيد من المشاهدة، حتى خلال الليل.. حينما يستيقظ الخيال الخصب لمتابعة منظر لم تطابقه أي صورة في ذهنك من قبل. حصون وقلاع يمكن لزائر العين اليوم، بعد أن شهدت تطوراً سياحياً هائلاً متابعة الطرز العمرانية المختلفة، من خلال زيارة أكثر من 40 حصناً وقصراً ومعلماً تاريخياً، ومن أبرزها قلعة سلطان التي تقع بجوار متحف العين، وتسمى أيضاً بالحصن الشرقي، وبنيت في العام 1328 هـ ، وبناها المغفور له سمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان، والد صاحب السمو الشيخ زايد، رحمه الله، وهناك قلعة المربعة التي أنشئت العام 1948، وكانت قلعة حكم وإدارة، وهناك أيضاً قلعة وحصن الجاهلي، المشهورة ببرجها الحلزوني.. إضافة إلى قلاع: المريجب، والرميلة، والمويجعي، وكلها تتمتع بمفردات وطرز بسيطة من العمارة التقليدية والعسكرية، وتمتاز بجمالها وروعتها ودقة تصميمها، بما يتناسب ومجالات البيئة الصحة والجمال، وبما يدلل على مهارة الأجداد في تحصين مدينتهم أمام الغزاة.. ويمتاز أسلوب العمارة في قلاع المدينة وحصونها بتنوع التصاميم المعمارية، وحسن تنسيقها مثل (قلعة الجاهلي) الشهيرة، بتصميمها الفريد، حيث تتميز ببرجها المتدرج، ودقة البناء، رغم تواضع الأدوات المستخدمة في ذلك الوقت.. وتبرز في تلك التصاميم الأبواب القديمة والنوافذ المزخرفة المطرزة بنقوش بديعة، اهتمت باستخدام الخط العربي في كتابة بعض الأشعار أو الأمثال. المكانة السياحية في الجانب المعاصر، فإن الاهتمام بالشباب والرياضة يأتي من خلال إنشاء استاد خليفة الدولي لكرة القدم، الذي خصصت له ميزانية تقدر بنحو 18 مليون دولار، ويتّسع لنحو 11000 متفرج، وتتوافر فيه جملة من المطاعم، وغرف للصلاة، وحمامات، بالإضافة إلى جميع المرافق التي يشترط (الفيفا) وجودها في أي ملعب يقام بمواصفات دولية. ولغرض تعزيز مكانة المدينة على خارطة السياحة العالمية، فقد تمت توجيهات بتأسيس الهيئة العامة للتطوير الاقتصادي والترويج السياحي عام 2000.. وما زالت الهيئة تعمل ضمن أهداف دعم وتطوير الاقتصاد، والترويج للسياحة في المدينة والمنطقة الشرقية، من خلال الاستثمار الأمثل لموارد المنطقة الطبيعية، وإرثها الحضاري والثقافي، وبنيتها التحتية المتكاملة، وتتولى الهيئة، التي يرأسها سمو الشيخ سلطان بن طحنون آل نهيان، وكيل ديوان ممثل الحاكم في المنطقة الشرقية، مسؤولية إعداد ومراجعة خطط التطوير والمشاريع الاستثمارية الخاصة بالمنطقة، في القطاعات الاقتصادية المختلفة، وفي مقدمتها القطاع السياحي والخدمات والرعاية الصحية والتعليم العلي وغيرها. ومن هذا الجانب يمكن للزوار ارتياد أربعة فنادق فخمة بالمدينة، وتوفر حالياً تشكيلة واسعة، تضم 650 غرفة وشاليها وجناحا، حيث تنتظرهم أفضل مزايا الضيافة العربية الأصيلة. أفراح وتقاليد مثل تنوع تضاريسها وأجوائها، فإن للعين تنوعاً في حياة أهلها الاجتماعية.. لقد كان لها طابعها القديم، ذي الخصوصية والنكهة، التي ما زالت ترمي بظلالها على مجتمع اليوم.. فالمنازعات مثلاً كانت تٌحل عن طريق اتفاقات، تخضع للنصوص الدينية والعادات والتقاليد المتبعة، قبل وجود القضاة والمحاكم وغيرها.. وإذا ما عشنا مع الأفراح التي تقام في القرى المحيطة في المدينة، لعرفنا أنه ما إن يتم خبر الإعلان عن زواج حتى يتجمع الناس، بينما يتطوّع البعض في نقل الضيوف بالسيارات، والاتجاه إلى مكان الوليمة، حيث تقام الأهازيج والرقصات الشعبية ابتهاجا بهذا الحدث السعيد، الذي تتخلله مسابقات الفروسية و(الهجن)، ورياضة الصيد بالصقور، وتمتد الاحتفالات إلى يومين، وقد تصل إلى سبعة أيام، وذلك حسب القدرة المالية لأهل العروسين. وفي ليلة العرس، وتبعاً للتقاليد، فإن العروس ترتدي زياً ملوناً، وتتجمل بكل ما تملك من المصوغات، وتتخضب بالحناء ونقوشها الخليجية البديعة.. أما أثناء الولائم في مثل هذه الأعراس فتقدم الأطعمة الشعبية، ومن أهمها(الهريس) وتصنع من حب البر واللحوم، وتسوى على النار حتى تنضج، ويتم الطهو بوضع الأكلة في إناء، يدفن في حفرة ويحاط بالنار، ويترك إلى الصباح حتى يتم نضجه. ومن جماليات هذه الأعراس الاحتفاء بإلقاء القصائد، وتقديم ألوان من الفنون والرقصات الشعبية، مثل العيّالة والحربية. ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي العام 2011، توجّت جهود هيئة أبوظبي للثقافة والسياحة، في إدراج وتسجيل مدينة العين كأول موقع إماراتي، على قائمة التراث العالمي للبشرية، كونها المدينة المنفردة في المحافظة على صفاتها المحلّية من المنظور العمراني، ويعود الفضل الأول في ذلك إلى رؤية المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة الذي أصدر مجموعة من القوانين واللوائح التي تضمن محافظة المدينة على أصالتها وكمالها وسحرها التراثي، كونها تمثل بشكل فريد التراث الحضاري للإمارات لما تشمله من مواقع أثرية وحضارية وتاريخية، تنقل صورة حياة عن مجتمع الإمارات خلال آلاف السنين. إن إدراج «اليونسكو» مدينة العين على قائمة التراث الإنساني العالمي، لم يأت من فراغ، بل استنادا إلى حقائق وشواهد عديدة، تؤكد تميزها بالمواقع التاريخية والآثارية والثقافية، وبشكل خاص الأهمية الجيولوجية والأثرية والتاريخية لجبل حفيت الشامخ على ارتفاع 1200 متر، وحضارة هيلي وبدع بنت سعود ومناطق الواحات ونظام الأفلاج، والتي تعطيها الكمالية والتنوع اللذين يصعب وجودهما في مواقع أخرى من هذا النوع في العالم، وقد حازت «العين» قيمة عالمية بارزة، ضمن أطر ومعايير عدّة، تشتمل على تطوير نظام «الفلج» الذي يعود إلى العصر الإسلامي، كعمل هندسي بارع، فهو إلى كونه وسيلة لنقل المياه أتاح تطور المحاضر والقرى المأهولة فإنه يعتبر أيضا نظاماً رائداً لإدارة المياه وتوزيعها بشكل مدروس. هذا إلى جانب ما تتمتع به حضارة الهيلي مع نظامها المتطور لإدارة المياه ومبانيها السكنية المحصنة، وعادات الدفن فيها، وموقع جبل حفيت الثقافي، مع مواقع الدفن التي تعود إلى الألفية الرابعة قبل الميلاد، كما يمتد تاريخ مدينة العين إلى عدة آلاف من السنين، مما يجعلها تتمتع بتراث ثقافي غني ومتنوع. وتعرف العين باسم «مدينة الواحات»، نظراً لوجود ست واحات فيها، وهي تتضمن الكثير من المواقع الأثرية المهمة والمباني التاريخية والمواقع الثقافية والمناظر الطبيعية والمجموعات الإثنولوجية والتاريخية، إضافة إلى القيم والتقاليد الثقافية الإماراتية الأصيلة التي تمارس في العين منذ قرون. ثراء ثقافي وترفيهي خلال سنوات قصيرة من العمل، واجتهاد الهيئة العامة للتطوير الاقتصادي والترويج السياحي، أصبحت مدينة العين واحدة من أكثر مناطق الجذب للزائرين من مختلف دول العالم، بمواقعها السياحية المتنوعة، وأماكنها الأثرية التي تضاف إلى ثراء المدينة الثقافي، وتنوع أنماط الحياة فيها.. فقد غدت حدائقها الغناء الواسعة وواحاتها الخضراء التي تزيد على 70 حديقة قبلة للباحثين عن أشكال الترفيه والمتعة البصرية المختلفة في أحضان الطبيعة الأم التي حافظت على بهائها ورونقها، ولم تسمح للمد العمراني أن ينال من خصوصيتها وهويتها المميزة. سليمان وعفاريته! أسطورة قديمة: لعل أهم ّما يميز العين كمدينة، تلك الأفلاج القديمة، وهي إحدى أهم وسائل الري الزراعي قديماً، وقد أثيرت حول هذه الأفلاج القديمة في المنطقة حكايات وأساطير كثيرة، فهناك كثير من سكان قرى العين، خاصة كبار السن، من يعتقدون أن تلك الأفلاج صنعها سليمان بن داوود وجنوده العفاريت، في الزمن القديم، فهم لا يتصورون أن أي إنسان، مهما أوتي من القوة، باستطاعته شد أو نقل تلك الأحجار الضخمة التي بنيت بها الأفلاج، منذ قديم الأزل.. ورغم ما في تلك الأسطورة من طرافة، فالشيء الذي لا شك فيه، أن سكان المنطقة كانوا ينظرون إلى الأفلاج على أنها حياتهم، ومن دونها يمكن أن يتفرق شملهم، وتختفي الرقعة الخضراء من منطقتهم، وتصبح جزءاً من الرمال الصفراء التي تحيط بالواحة من كل جانب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©