الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أفغانستان وإصلاح سياسات «التوقيف»

30 ديسمبر 2009 22:26
تواجه كندا، وهي إحدى أكبر الدول المساهمة بقوات في أفغانستان، موجة من الجدل على خلفية معاملتها للسجناء الذين يعتقلهم جيشها، بحيث اعتمدت سياستها في هذا الشأن على تسليم المعتقلين إلى السلطات الأفغانية التي تفتقر إلى مؤسسات سجنية مؤهلة تُدار وفقاً لمعايير "منظمة العفو الدولية"، وقد زادت حدة التوتر عندما أطلق رئيس هيئة الأركان الكندية، الجنرال والتر ناتينشيك، زوبعة سياسية بإقراره أن أحد المعتقلين تعرض للضرب في عام 2006 على يد القوات الأفغانية مع أنه كان في البداية رهن الاعتقال لدى الكنديين، وهذا ما كان قد نفاه في السابق. وفي ردود الأفعال التالية خاطب أحد البرلمانيين الليبراليين الحكومة المحافظة بشدة قائلا "إنكم تستمرون في نقل المعتقلين ليواجهوا التعذيب باسم كندا، وأعتقد أنكم مدانون في محكمة الرأي العام لأنكم تجاهلتم المسألة". وعلى رغم اعتراف رئيس الوزراء "ستيفن هاربر" بالخطأ وإبداء الحكومة لغضبها عما يجري للمعتقلين في أفغانستان، يقع اللوم في الحقيقة على الحكومة نفسها بسبب سياستها المتبعة منذ عام 2002 والقاضية بتسليم المعتقلين إلى الأفغان بدل الولايات المتحدة، ومعروف أن النظام القضائي والمؤسسات السجنية الأفغانية لا تعمل بشكل جيد، هذا إذا كانت تعمل أصلا، بحيث يتم إدارتها وفقاً للأعراف المحلية التي لن تجد ما يوافقها لدى الليبراليين المتنورين في أوتاوا، أو واشنطن، ذلك أنه عندما لا يكون الأفغان قاسين جداً مع المعتقلين، فإنهم غالباً ما يكونون متساهلين للغاية إلى درجة السماح للمعتقلين بالذهاب مقابل الرشاوى، أو بسبب التهديد الذي يتعرض له الحراس. والحقيقة أن كندا وباقي الدول التي تساهم بقوات في أفغانستان معنية بالعمل من أجل ضمان عدم حدوث مثل تلك التجاوزات التي تميز نظام الاعتقال في أفغانستان لأنها ترفض الاحتفاظ بالسجناء لأكثر من 96 ساعة، وهو ما يعني عملياً إما إطلاق سراح المعتقلين، أو نقلهم إلى عهدة السلطات الأفغانية، وهما خياران أحلاهما مر. ومن بين جميع الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي التي تحتجز المشتبه بتورطهم في الإرهاب تبقى الولايات المتحدة هي الوحيدة التي تحتجز الموقوفين لأكثر من 96 ساعة، وإن كان على نحو أقل من العراق، إذ فيما تحتفظ القوات الأميركية بحوالي 700 معتقل في سجن "باجرام" كانت الولايات المتحدة في أوج التمرد العراقي تحتجز أكثر من 27 ألف معتقل، وهذا فرق شاسع بين الحالتين، على رغم أن أفغانستان أكبر من العراق وتعيش تمرداً أكثر خطورة. ومع أن أغلب القوات الأميركية المنضوية تحت قيادة حلف شمال الأطلسي تلتزم بنفس المعايير والقوانين السارية على باقي القوات والقاضية بعدم تجاوز 96 ساعة أثناء حجز المعتقلين، إلا أن هناك استثناءات أساسية مثل القوات الخاصة التي تعمل على مكافحة المتفجرات، فهي تخضع لقيادة مختلفة تابعة لما يسمى بـ"عملية الحرية المستمرة" التي تسمح لها بالاحتفاظ بالمعتقلين إلى أجل غير مسمى، ولكن على رغم ذلك يتم فقط احتجاز العناصر الخطرة فيما يطلق سراح المقاتلين العاديين ذوي الرتب المتدنية، أو حتى المسهلين الذين يتعاونون مع "طالبان". وهذا الواقع المختل لوضع المعتقلين والسهولة التي يتم التعاطي بها معهم كان موضوع التقرير الذي أعده الجنرال ستانلي ماكريستال في شهر أغسطس الماضي، حيث تضمن انتقادات شديدة اللهجة لنظام الاعتقال الأفغاني، قائلا إن "الأصوليين الأكثر تعصباً وتحمساً يتم وضعهم دون تمييز مع المجرمين العاديين، وهو ما يوفر لهم فرصة لاستقطاب عناصر جديدة إلى صفوفهم". ولمعالجة هذا الاختلال في عمل نظام الاعتقال شكل ماكريستال قوة خاصة للإشراف على النظام السجني الإصلاحي في أفغانستان وعزل المتشددين عن مجرمي الحق العام وتحسين معايير الاعتقال لتقترب من مستوى ما حققته الولايات المتحدة في العراق بعد فضيحة "أبو غريب" والإصلاحات التي أدخلت على النظام السجني، ولكن على رغم هذه المحاولات لابد من الاعتراف بأنها غير كافية لمعالجة جميع المشاكل، لاسيما في ظل وصول عدد متزايد من القوات الأميركية إلى أفغانستان، والحاجة إلى اعتقال عدد أكبر من المتهمين بالإرهاب وعناصر "طالبان" خلال 18 شهراً القادمة التي حددها أوباما. والحال أن هذه الفترة لا تكفي لتأهيل المحاكم الأفغانية وتدريب الحراس والقضاة للتعامل مع الأعداد الكبيرة للمعتقلين، وهو ما يعيدنا إلى احتمالات إطلاق سراح المحتجزين في حال فشل السلطات في استيعابهم في المؤسسات السجنية، ولو تم ذلك فإنه سيؤثر سلباً على الجنود الأميركيين وسيهز معنوياتهم عندما يرون كيف يفرج عن إرهابيين ليرجعوا مجدداً إلى حمل السلاح. كما أن هذه السياسة القائمة على الاعتقال ثم الإفراج تثير مخاوف حقيقية من ردة فعل الجنود التي لن تخرج عن اثنين: إما الابتعاد عن الاعتقال، أو التسرع في الضغط على الزناد. والمشكلة الأخرى أنه بضغطنا على الحكومة الأفغانية لتوسيع عمليات الاعتقال واستهداف الإرهابيين فإننا قد ندفعها إلى بعض التجاوزات التي لاشك أنها ستقوض دولة القانون التي نحاول تكريسها في أفغانستان، ولاسيما أن التعامل مع الإرهابيين يتطلب احتجازهم لفترة أطول بناء على معلومات استخبارية سرية لا يمكن كشفها علناً أمام المحاكم المدنية، وهو ما يرجعنا إلى مسؤولية الدول المشاركة بقواتها في أفغانستان وضرورة التخلي عن القوانين المقيدة وتوسيع صلاحيات جنودها للتعامل مع العناصر الخطيرة وفقاً لما يقتضيه الحال وتستدعيه جهود إرساء الأمن والحفاظ على الاستقرار. باحث متخصص في الدراسات الأمنية بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©