الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حديث الجزية..

حديث الجزية..
30 ديسمبر 2009 21:44
حين يتم الحديث عن العلاقة بين المسلمين وغيرهم، داخل المجتمع الإسلامي تبرز “الجزية” كمفهوم ومصطلح فقهي مخيف للمسيحيين أو أهل الذمة عموما أي المسيحيين واليهود، وحيث ان اليهود خرجوا من معظم المجتمعات العربية، بعد قيام إسرائيل عام 1948 بقي الامر كما هو بالنسبة للمسيحيين العرب، وفي مصر تحديدا تبدو المسألة أكثر حدة مع قضايا الاحتدام الطائفي، ومع مطالبة بعض التيارات الأصولية بالعودة إلى حكم الشريعة الاسلامية يبدو التخوف القبطي واضحا من مسألة “الجزية”. الباحث د. أيمن احمد محمود اختار موضوع الجزية للدراسة ونال به درجة الدكتوراة من جامعة القاهرة، واهتم بالجزية في مصر، خلال الفترة من عام 1713 وحتى عام 1856. بدايات متعسفة التاريخ الاول يرتبط بمحاولة الدولة العثمانية إصلاح قواعد تحصيل الجزية من أهل الذمة، داخل مصر، حيث كان الاقباط واليهود يشكون من تعسف الولاة ورجالهم في تحصيل الجزية، فضلا عن المبالغة في الاموال المقررة من الدولة العلية، ويثبت الباحث بالوثائق ان فرمانات الدولة العلية لم تكن تطبق من رجالها، فقد كانت تطالب باستعمال الرأفة في التحصيل وكانت هناك اعفاءات تفرضها الدولة في حالات عديدة ففي سنوات القحط والاوبئة، كان يتم تخفيض الجزية الى اقصى حد، وكان العجائز والمرضى والاطفال يعفون منها، باعتبار ان الجزية كانت تدفع لان اهل الذمة لم يكونوا يجندون بالجيش، فقد كانت اشبه ببدل الجندية، لكن عمال الدواوين ومسؤولي التحصيل، كانوا يبالغون ويثبت الباحث بالوثائق انه في بعض الحالات كان يرسل إلى مقر الدولة العلية مبالغ أقل من تلك التي تم تحصيلها، وكان يثبت للدولة هذا العجز في المدفوعات ولم تكن تتخذ موقفا جديا من ذلك النهب والتعسف. وقد جرت عدة محاولات لالغاء الجزية وأول محاولة كانت في نهاية القرن الثامن عشر وتحديدا عام 1784 وقام بها المعلم ابراهيم الجوهري وهو احد اعيان واثرياء الاقباط، وكانت تلك الفترة قد شهدت بروز عدد من الاثرياء الاقباط مع اتساع حركة التجارة في مصر، وبروز عدد من الرأسماليين المصريين او الاثرياء من مسلمين واقباط وفي ذلك العام عانى الاقباط واليهود من حسن باشا القبطان الذي قرر زيادة الجزية بمعدل دينار على المبلغ الذي قرره الديوان في الباب العالي. وشكا عدد من الرهبان تلك الزيادة، خاصة انهم تعرضوا للاضطهاد جراء عجزهم عن الدفع، وانتهز المعلم ابراهيم الجوهري مرور احدى سيدات القصر السلطاني بالاراضي المصرية لأداء فريضة الحج، فأحسن استقبالها وقام على خدمتها بنفسه، وقدم لها الكثير من الهدايا باسم اقباط مصر، وفي النهاية تقدم اليها بطلبين، الاول هو السماح له ببناء كنيسة، واجيب إلى هذا الطلب، والثاني كان اعفاء الاقباط من الجزية وبتعبيره هو الغاء بعض المضايقات المالية للأقباط ورفض الديوان العالي ذلك الطلب باعتبار ان الجزية جزء من الشريعة الاسلامية، وتقول الوثائق بدير السريان ان المعلم الجوهري طلب من الرهبان ان يدعو الله لازاحة هذا الهم. المحاولة الثانية، قام بها نابليون بونابرت حين أحتل مصر عام 1798 حيث ألغى الجزية نهائيا عن المسيحيين واليهود، فقد كان يسعى إلى تحقيق المساواة بين اهالي مصر جميعا دون اعتبار للدين الذي يعتنقه اي منهم، وبخروج الحملة عام 1801 عادت الجزية من جديد ويذكر الجبرتي ان العلماء كانوا اول المطالبين باعادتها وهم الذين هاجموا خطوة نابليون. ويقول الجبرتي ان هجومهم جاء لأن رواتبهم ومخصصاتهم كانت تدفع من اموال الجزية. توسع الاعفاءات ومع محمد علي اختلف الامر فقد زاد الاعفاءات لفئات من الاقباط واليهود، وأعفي المسيحيين الكاثوليك، نظرا لعلاقة الدولة العلية بفرنسا وتوسعت الاعفاءات مع كثرة الامتيازات التي منحتها الدولة لرعايا بعض الدول الاجنبية لكن الالغاء النهائي للجزية تم في عام 1855، بفرمان اصدره الوالي محمد سعيد وكان سعيد محبا للمصريين ولم يكن ميالا للاتراك ولا للمستتركين المصريين، فهو من اصدر اللائحة السنية التي اتاحت للمصريين امتلاك الاراضي، وهو الذي جند المصريين وسمح لهم بالترقي داخل الجيش، احمد عرابي ورفاقه تم تجنيدهم في عهده واعطاهم ترقيات سريعة وصار عرابي عقيدا بالجيش خلال سنوات محدودة، رغم انه لم يدرس بالمدرسة الحربية، وجعله سعيد ياوره الخاص وكان يريد ان يرى المصريون قادة جيشه، وفي هذا الاطار قرر اسقاط الجزية نهائيا عن أهل الذمة، ليكون المصريون سواسية امام القانون والدولة، وألبت تلك الخطوة عليه بعض رجال الحكم وبعض العلماء. والذي حدث ان محمد سعيد تلقى مكاتبة ديوان المالية بالمتأخرات من الجزية لعام (1270 هـ ـ 1804م) فأصدر امرا في 29 من ربيع الآخر (1271 هـ ـ 19 يناير 1855م): “نظرا لحصول المرحمة فقد تجاوزنا عن تحصيل الجزية المرتب تأديتها من الرعايا اهل الذمة العيسوية والاسرائيلية وعدم مطالبتهم بما تأخر عليهم، وعدم مطالبتهم به مرة أخرى” والواقع ان محمد سعيد سبق الدولة العثمانية في ذلك، فقد ألغى الخط الهمايوني الصادر في عام 1856 الجزية من الولايات العثمانية لكن مصر كانت قد سبقت، ومازال بعض الباحثين يتصورن ان الجزية الغيت في مصر وفقا للخط الهمايوني. وترصد الدراسة انه ترتب على الغاء الجزية خضوع المسيحيين واليهود للتجنيد، وقد اصدر الديوان الخديوي قرارا نهائيا بضرورة تجنيد الاقباط بلا استثناء بمن فيهم ابناء الاعيان من العمد والمشايخ الاقباط مثل ابناء العمد والمشايخ المسلمين، كان ذلك في 29 من جمادى الاولى عام 1272 هــ - 6 فبراير 1856. والطريف ان اعيان الاقباط احتجوا على ذلك القرار، وتخوفوا منه وتصور بعضهم انه طريقة ملتوية من الخديو محمد سعيد وحكومته لاضطهادهم، لكنه اصر ونفذوا القرار وفتح الباب لمساواة قانونية كاملة بين المواطنين بغض النظر عن الديانة، ولم يعد إليها أحد ثانية، ومع ذلك مازال الخوف قائما من الجزية إلى اليوم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©