الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لعبة التناص

لعبة التناص
30 ديسمبر 2009 21:32
كان بشار مولعا بشعر جرير، وقد حاول في صباه أن يتعلق بأذياله فلم يأبه به الشاعر الكبير، حيث يروي بشار نفسه أنه عندما بدأ في نظم الشعر هجا جريرا فأهمله وانصرف عنه “ولو كان قد رد عليّ هجائي لصرت أشعر الناس”. لكن مذهب جرير في شعره العفوي وسلاسته كان أقرب إلى روح بشار قبل أن يتوغل في حداثته القديمة وشعريته المركبة. وهناك قصة شعرية طريفة يرويها القدماء توجز بشكل شيق علاقة بشار بشعر جرير، وافتتانه بمحاكاته، وهي لحسن الحظ مما لا يقوى الرواة على اختلاقها؛ أما الشعر الوارد فيها فيحتاج إلى موهبة بشار الفذة كي يتم نسجه بتداخل متين مع شعر سلفه الكبير، يقول الرواة: كان بالبصرة قينة لبعض ولد سليمان بن علي، وكانت محسنة بارعة الظرف، وكان بشار صديقا لسيدها ومداحا له، فحضر مجلسه يوما والجارية تغني، فسُرَّ بحضوره وشرب حتى سكر ونام، ونهض بشار، فقالت الجارية: يا أبا معاذ: أحب أن تذكر يومنا هذا في قصيدة، ولا تذكر فيها اسمي ولا اسم سيدي، وتكتب بها إليه، فانصرف وكتب إليه يقول: وذات دِلّ كأن البدر صورتها باتت تغني عميد القلب سكرانا إن العيون التي في طرفها حور قتلتنا ثم لم يُحيين قتلانا ونلاحظ أن هذا الاستهلال أشبه بمحاكاة واقعة حقيقية، فقد كان البيت الثاني الذي أبدعه جرير ضمن قصيدة مطلعها: بان الخليط ولو طوعت ما بانا وقطعوا من حبال الوصل أقرانا كان هذا البيت يوصف بأنه أغزل بيت قالته العرب، ومن الطبيعي أن تتغنى به الجارية، وأن ينظم بشار قصيدته المطلوبة بالحوار المتمهل مع الشعر ومع الجارية فيقول على التوالي: فقلت أحسنت يا سؤلي ويا أملي فأسمعينا جزاك الله إحسانا يا حبذا جبل الريان من جبل وحبذا ساكن الريان من كانا فيعود بشار لمفاوضة قصيدة جرير مصورا غناء الجارية لهذا البيت الثاني منها، ثم تغلب عليه نزعة الاعتداد بشعره، فيجعل الجارية تنوه به: قالت: فهلا فدتك النفس أحسن من هذا لمن كان صب القلب حيرانا يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة والأذن تعشق قبل العين أحيانا فقلت: أحسنت، أنت الشمس طالعة أضرمت في القلب والأحشاء نيرانا فأسمعيني صوتا مُطربا هزجا يزيد صبّا محبا فيك أشجانا فحركت عودا عودها ثم انثنت طربا تشدو به ثم لا تخفيه كتمانا أصبحت أطوع خلق الله كلهمُ لأكثر الخلق لي في الحب عصيانا فقلت أطر بثنايا زين مجلسنا فهات إنك بالإحسان أولانا “لو كنت أعلم أن الحب يقتلني أعددت لي قبل أن ألقاك أكفانا فغنت الشرب صوتا موثقا حسنا يذكي السرور ويبكي العين أحيانا
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©