الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سلاح الإبداع.. والذاكرة

سلاح الإبداع.. والذاكرة
30 ديسمبر 2009 21:29
دراسة مهمة عن المسرح الفلسطيني أجراها المستشرق الإسباني “بدرو مارتينث مونتابث” وترجمها الشاعر والأكاديمي المصري د. عبداللطيف عبدالحليم الشهير بـ”أبو همام”، آخر تلاميذ العقاد من الأحياء، الدراسة تحمل عنوان “المسرح الفلسطيني” وصدرت ضمن كتاب “فصول من الأندلس.. في الأدب والنقد والتاريخ”، الفصول كتبها عدد من المستشرقين الإسبان، وتدور حول القضايا العربية والإسلامية بالمعنى الواسع للكلمة، قديما وحديثا. ويؤكد المستشرق الأسباني أن المسرح مازال فنا حديثا في الأدب العربي، وانه محدود إذا تم التعويل على قيمته الجمالية والفنية، لكن المسرح العربي مقابل ذلك “يقدم تجربة اجتماعية ضخمة”، من حيث رصد قضايا المجتمعات العربية، وينطبق هذا على المسرح الفلسطيني أكثر. عمليا فإن المسرح الفلسطيني حتى العقود الأولى من القرن العشرين كان ذا طابع بدائي.. “إنه مسرح بدائي إلى حد كبير، ومرتبط ارتباطا وثيقا بالمسرح القائم آنذاك في البلاد العربية المجاورة، خاصة مصر”، ويذهب إلى أن الفرق المصرية التي كانت تذهب إلى فلسطين، كانت في الغالب فرقا من الهواة، ولم تكن فرقا كبيرة وكانت تقدم عروضها في المدارس وفي أجواء اجتماعية أشبه بالسمر العائلي، ومن ثم فقد كان المسرح “بورجوازيا”، يتناول العادات الاجتماعية ويتخذ من المآسي التاريخية القديمة موضوعا له، وكانت الأعمال في حالات كثيرة تعريبا لأعمال أجنبية، ويختلط فيها الانتحال بالتعريب. أسماء المسرحيين الفلسطينيين تظهر لدى المستشرق مع اقتراب الخطر الصهيوني من ابتلاع فلسطين، فهو يتوقف عند إنشاء الإذاعة الفلسطينية، خاصة بين عامي 1936، 1940، حيث تولى الشاعر الكبير إبراهيم طوقان الإشراف على البرامج العربية فيها، وقد أدت هذه الإذاعة إلى إبراز أسماء عدد من الأدباء الفلسطينيين، فضلا عن عدد من المسرحيين، مثل أسرة الجوزي، التي كان أربعة من أفرادها يمارسون النشاط المسرحي وهم الأخوة صليبة ونصري وجميل وزيد، فقد تفرغوا بالكامل للمسرح وسيطروا على الخشبة منذ أواسط العشرينيات من القرن الماضي. وهناك يوسف سالم المولود في الناصرة بفلسطين سنة 1913، ويرد اسم كاتبة فلسطينية هي أسماء الطولي، والتي ركز أحد أعمالها على النهاية المأساوية للنظام القيصري في روسيا. التحول أو الصدمة وقعت سنة 1948 مع إعلان قيام إسرائيل، ولنترك المستشرق الإسباني يعبر عنها بكلماته قائلا “إن إنشاء دولة إسرائيل الشاذ والجائر جورا مطلقا في الأراضي الفلسطينية فتح حقبة مختلفة اختلافا جذريا، واستلزم نقطة انطلاق جديدة لهذه الجماعة القومية العربية، وتظهر بوضوح في الحقل السياسي”. ويقول أيضا “وقد أثر ذلك على النشاط الأدبي، ومن بينه بوجه خاص النشاط المسرحي بمعناه الاجتماعي والثقافي”. ورغم أن الصدمة كانت هائلة وقاسية بما فوق طاقة الفلسطينيين، فإن السنوات التي تلت سنة 48، لم تفرز رد فعل مباشرا، إذ كان طفيفا وضئيلا، ويقول “انه حتى سنة 1967 كان من المستحيل العثور على أي نشاط مسرحي يستحق الالتفات في الضفة الغربية، باستثناء مهرجانات الصيف التي كانت تعقد سنويا في البيرة ورام الله”. ولا ينفي ذلك أن هناك جهودا طورت بعض فرق مدرسية صغيرة أو فرق هواة آلت على نفسها أن تحمل شعلة النشاط المسرحي المحلي في مدن فلسطينية، ومع نهاية الستينيات بدأ المشهد العام للمسرح الفلسطيني داخل الأرض المحتلة يتحرك، حيث نشأت فرق مسرحية جديدة من الشباب الهواة، في مدينتي رام الله والبيرة، وفي سنة 1975 شكلت عدة فرق، وأقامت مهرجانا مسرحيا لمدة ثلاثة أيام، ومن الفرق “البلالين” و”الكشكول”. ويبرز هنا اسم فرانسوا أبو سالم “مؤسس فرقة البلالين” وموجهها في طورها الأولى. فرانسوا دارس للإخراج المسرحي في فرنسا، والمسرح هنا اعتمد على عناصر شعبية وتراثية مع الجوانب الأدبية وبدا محتفيا بالمقاومة، ومن ثم فقد كان مسرحا قريبا من الناس وشعبيا، حاول ان يكون معبرا عنهم، وليس مسرحا بورجوازيا -كما كان من قبل- وقد اعتمد هذا المسرح عدة أسس في العمل، منها انه يخاطب الجمهور باللغة العامية بهدف أن تصل الفكرة إلى السواد الأعظم، وكان يحدثهم على النحو الذي يفهمونه، وكان هذا المسرح يسعى الى أن يكون جوالا يطوف المدن والقرى الفلسطينية، سواء بسواء، أي ليس للمدينة وأبنائها فقط، وحاول أن يكون نموذجا لمسرح فلسطيني خاص، يحدث بين الناس انطباعات جديدة، كما عمل على إنشاء ما يعرف باسم “مسرح المقهى” أي يمكنه العمل داخل المقهى وبذلك يكون قادرا على الانتقال بسرعة من مكان لآخر، إذا توافرت الإمكانات وظروف العمل. في تلك الفترة اجتذب المسرح عددا من أدباء المقاومة وكان دليلا على إمكانية العمل وفق الاتجاه الخاص بكل كاتب وأيديولوجيته، سواء كان داخل الوطن أو خارجه، وهنا تبرز أسماء مثل معين بسيسو، وغسان كنفاني وسميح القاسم وكذلك توفيق البياض الذي قدم مسرحية “منزل الجنون” وعكس فيها جزءا من تجربته الذاتية في السجون الإسرائيلية. ويعجب المستشرق الاسباني من ان هذا المسرح الشعبي، أو الذي سعى الى التقارب مع الشعب، كان قادرا على أن يحمل عناصر ذات صيغة رمزية واضحة. في رأي المستشرق الاسباني، لكن ذلك يمكن أن يكون مفهوما في مجتمع يتعرض أفراده للقهر. لم يكتمل هذا المسرح بعد عام 1967، ولم يحقق التطور المتوقع والسبب في ذلك هو ازدياد القمع ووحشية المحتل وهذا يفسر ضعف الفرق المسرحية وتراجع التزامها، وعموما تراجع المسرح في الأوساط المدرسية والجامعية، لكن كان هناك ازدياد له من حيث الكمية على الأقل في بعض المدن الأخرى مثل القدس ونابلس. في نهاية السبعينيات يلاحظ ظهور أسماء جديدة مثل هاني المصري ومحمد الزاهر الذي طرح في “الوباء” مشاكل حادة حول النضال والفوارق الاجتماعية، وهناك فرقة مسرحية فلسطينية ـ لم يذكر اسمها ـ استعانت بنصوص أدبية لكتاب عرب، وقد تبدو للوهلة الأولى، بعيدة عن المشاكل الفلسطينية لكنها مرتبطة بها، مثل مسرحية “الزيارة” المأخوذة عن قصة الروائي المصري يوسف القعيد حول زيارة الرئيس نيكسون لمصر عام 1974، وقد أخرجها الشاعر السوري ممدوح عدوان، وخرج المسرح الفلسطيني إلى عدة دول عربية مشاركا في مهرجانات المسرح فذهب إلى دمشق والقاهرة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©