السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صلة الأرحام

صلة الأرحام
5 مايو 2011 19:49
أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رجلاً قال: يا رسول الله! إنَّ لي قرابةً، أَصِلُهم ويقطعوني، وأُحْسِنُ إليهم وَيُسيئون إليَّ، وأَحْلُمُ عنهم ويجهلون عليَّ، فقال: «لئن كنت كما قُلت، فكأنما تُسِفُّهم المَلَّ، ولا يزالُ معك من الله ظهيرٌ عليهم، ما دُمت على ذلك)، (أخرجه مسلم). هذا الحديث حديث صحيح، أخرجه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب البر والصلة والآداب، باب: صلة الرحم وتحريم قطيعتها. ونتعلَّم من هذا الحديث الشريف دروساً كثيرة منها: وجوب صلة الأرحام وبيان منزلتها وفضلها، فمن المعلوم أن ديننا الإسلامي قد اهتم بأمر صلة الأرحام وحث عليها، وأكد على ضرورة المحافظة عليها والعناية بأمرها، حتى جعلها مرتبة متقدمة من مراتب الإيمان بجانب بر الوالدين، كما جاءت الوصية بها أيضاً بعد تقوى الله كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (سورة النساء، الآية- 1)، كما نصت الأحاديث الشريفة على فضلها وحسن الاستمساك بها، لما يترتب على ذلك من سعة في الرزق وطول في العمر وسعادة في الدنيا ونعيم في الآخرة لقوله- صلى الله عليه وسلم-: (من أحبَّ أن يُبسط له في رزقه، ويُنْسأَ له في أثره، فليصل رحمه)، (متفق عليه)، وقال أيضاً: (ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها) (أخرجه البخاري)، كما ورد أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً أو ليصمت)، (متفق عليه)، هذا ما كان يدعو إليه رسولنا- صلى الله عليه وسلم- حيث كان يأمر بصلة الأرحام ،ويرغب فيها في جميع الأحوال، ومن الجدير بالذكر أن صلة الرحم تكون بالمال، وبالعون على الحاجة، وبدفع الضرر، وبطلاقة الوجه، وبالدعاء، والمعنى الجامع: إيصال ما أمكن من الخير، ودفع ما أمكن من الشر بحسب الطاقة. لقد بين رسولنا- صلى الله عليه وسلم- ما لصلة الأرحام من مكانة رفيعة وآثار طيبة في المجتمع الإسلامي سواء أكانت بالكلمة الطيبة، أو بالمساعدة والمعونة، أو بالرعاية والتقدير، لما جاء في الحديث الشريف: (كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخلٍ، وكان أحبُّ أمواله إليه بَيْرَحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يدخلها، ويشرب من ماء فيها طيب، فلما نزلت هذه الآية: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}، (سورة آل عمران، الآية- 92)، قام أبو طلحة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إن الله تبارك وتعالى يقول: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} وإن أحبَّ مالي إليَّ بَيْرَحَاءُ، وإنها صدقةٌ لله تعالى، أرجو برَّها وذُخْرها عند الله تعالى، فَضَعْها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: بَخٍ! ذلك مالٌ رابحٌ، ذلك مالٌ رابحٌ! وقد سمعتُ ما قُلتَ، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين» فقال أبو طلحة: أفعلُ يا رسول الله، فَقَسَمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه)، (متفق عليه)، ولما جاء في الحديث الشريف: (أن أعرابياً عرض لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو في سفر، فأخذ بخطام ناقته أو بزمامها، ثم قال يا رسول الله: أو يا محمد: أخبرني بما يُقربني من الجنة ويباعدني من النار، قال: فكف النبي- صلى الله عليه وسلم- ثم نظر في أصحابه، ثم قال: «لقد وفق أو لقد هدى» قال: «كيف قلت؟ قال: فأعادها، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم: «تعبد الله لا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم» (أخرجه الشيخان). إن قاطع الرحم يطارده الشؤم حيثما كان، كيف لا وقد عصى الله ورسوله؟! فهو معذب من الداخل بتأنيب ضميره، وهو مطارد في كل مكان بنظرات الحقد والاحتقار، هذا في الدنيا، أما في الآخرة، فلا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً، وصدق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذ يقول: (والذي بعثني بالحق، لا يقبل الله صدقة من رجل، وله قرابة محتاجون إلى صدقته، ويصرفها إلى غيرهم، والذي نفسي بيده لا ينظر الله إليه يوم القيامة)، (أخرجه الطبراني). كما جاءت النصوص الشرعية محذرة قاطع الرحم بسوء المصير كما في قوله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ *أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}، (سورة محمد، الآيتان 22- 23)، ولما ورد أيضاً من أحاديث شريفة رواها الصحابة الكرام- رضي الله عنهم أجمعين- منها قوله- صلى الله عليه وسلم-: (لا يدخل الجنة قاطع)، (أخرجه الشيخان) أي قاطع رحم، وقوله- صلى الله عليه وسلم- أيضاً: (الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله)، (أخرجه الشيخان). كما بيّن رسولنا- صلى الله عليه وسلم- أن صلة الرحم ليست قاصرة على الأقرباء الذين يصلونك ويزورونك، فهذه تعدُّ مكافأةً لهم على زياراتهم، ولكن الصلة الحقيقية الكاملة ينبغي أن تشمل جميع الأقرباء حتى القاطع منهم للحديث الذي رواه عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: (ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعتْ رحمهُ وصلها)، (أخرجه البخاري). كما ورد عنه- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحمُ، فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم أما ترضيْن أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى، قال: فذلك لك، ثم قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: اقرؤوا إن شئتم {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ *أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُم}، (متفق عليه). وعند تلاوتنا لآيات القرآن الكريم نجد أن دستورنا الخالد يُعظم من شأن القرابة التي يجتمع شملها في ظل الإيمان، كما في قوله تعالى على لسان نبيه- صلى الله عليه وسلم- {قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}، (سورة الشورى، الآية - 23)، كما وردت أحاديث كثيرة تصور أهمية الرحم في وصل أبناء الأمة المسلمة، يقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه: (أنا الله، وأنا الرحمن، خلقت الرحم، وشققت لها اسماً من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته)، (أخرجه أبو داود والترمذي)، ويقول في حديث آخر: (الرحم متعلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله). لقد تشَّتت الأسر في مجتمعاتنا، يوم أن قطعنا أرحامنا وانتشر الفساد فيما بيننا: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}، (سورة محمد، الآية - 22). فهناك من بعض الأرحام من يحقد على رحمه، ويتآمر عليهم بشتى الوسائل، ونتيجة لذلك، فقد قست القلوب، وقلّت الأرزاق، وذهبت البركة. لذلك يجب على المسلمين أن يصلوا أرحامهم، وأن يغفروا زلاتهم، وما قصة أبي بكر الصديق- رضي الله عنه- مع قريبه ونسيبه مسطح بن أثاثة الذي خاض مع الخائضين في حديث الإفك، وقال في أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق- رضي الله عنهما- ما قال، عنا ببعيد، كما جاء في قوله تعالى: {وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} ،(سورة النور، الآية - 22). هذه هي تعاليم ديننا الإسلامي، يجب أن نتمسك بها فهي سبيل السعادة في الدنيا، والنجاة في الآخرة. الشيخ الدكتور يوسف جمعة سلامة خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك www.yousefsalama.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©