الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أعطني حريتي

أعطني حريتي
5 مايو 2011 19:48
نورا محمد (القاهرة) - كنت في حيرة من أمري غير قادرة على الحسم والاختيار، القرار صعب للغاية، ترددت كثيرا بين الرفض والقبول خاصة أنني أتعامل مع مجهول غائب، عندما جاءت أسرته التي لا نعرفها تحمل صورة ابنها المسافر خارج البلاد منذ سنوات يطلبون يدي له بعدما أخبروني أنه حاصل على بكالوريوس التجارة ويعمل محاسبا في شركة كبرى معروفة، الصورة لا عيوب فيها وشكله مقبول، لكنني لا أعرف شيئا عن شخصيته وميوله وصفاته، وإن أخبروني بأنه هادئ الطباع، قليل الكلام، مثابر مكافح يقبل التحدي ويبذل كل جهده للوصول إلى هدفه، والدليل أنه لم يستسلم بعد حصوله على المؤهل الجامعي، ورفض أن ينضم إلى طابور العاطلين بحجة عدم وجود وظائف في الحكومة، وسعى وعثر على فرصة عمل ثمينة يتمناها الآلاف من الشباب. المعطيات أمامي جيدة، والمؤشرات تدفعني للقبول، خاصة أنني انتهيت من دراستي منذ ثلاث سنوات ولم يطرق أي شاب باب أسرتي، وشأن كل فتاة في سني تحلم باليوم الذي ترتدي فيه فستان الزفاف وتجلس وسط المدعوين تتأبط ذراع عريسها ثم تكمل حياتها معه في عيش هادئ، وتكون لها حياتها الخاصة. كل من حولي، أبي وأمي وإخوتي وصديقاتي وأقاربي كانوا في صف واحد، جميعهم موافقون على هذه الزيجة لأنهم يرون أن شابا بهذه المواصفات سيحقق لي حياة كريمة وكنت أميل لرأيهم وأرى ما يرون فلم أمانع رغم أنني كنت متحفظة بيني وبين نفسي على أشياء كثيرة، ولا أجد إجابات عن تساؤلات يجب أن توجه اليه هو، لكنه بعيد عني، وكل ذلك لم يرق إلى درجة المخاوف، التي تبددت بعد أن أبديت موافقتي، فقد ارسل خطيبي بعض الهدايا الثمينة من ملابس واكسسوارات. عقد القرآن تم الاتفاق بين أبي وأبيه على عقد القران هنا، ثم أسافر إليه حيث يعمل، وبالفعل تم اتخاذ الإجراءات الشرعية والقانونية في مثل هذه الأحوال، وقد كان كل ما يحدث من حولي غير معتاد ولم أتوقع زواجي بهذه الصورة، فالعريس غائب تماما ويقوم أبوه بكل الإجراءات، حتى عقد القران كان ينوب فيه عنه بتوكيل رسمي، وأنا أتابع ما يحدث باستغراب، كأنه لا يخصني، فلم أتوقع ذلك أبدا، انما كنت أعتقد أن خطيبي سوف يحضر في إجازة ونتعارف، ونقرر ما يخصنا في حياتنا، ثم أسافر معه، وهذا ما يحدث وما اعتدناه، وانتهى كل شيء لأجدني بالفعل تزوجت من شخص مجهول، بعث لي ببعض المجوهرات وتذكرة سفر بالطائرة، وينتظرني لأذهب اليه ليتم الزواج في حفل صغير كما وعدني. وبدلا من أن أذهب إلى الكوافير وأتزين وأجلس وسط المدعوين في حفل كبير وبجواري زوجي والسعادة تقفز من عيني، تبدلت فرحتي إلى دموع وهم ينقلونني إلى المطار، فقد بدأت أشعر بالخوف، وإن لم تكن أمامي أو في رأسي أشياء أو أسباب محددة، وزادت دموعي بعدما تركوني وأنهيت إجراءات السفر وجلست في أحد الأركان لأكثر من ساعة انتظر إقلاع الطائرة. المشهد كله يجذب الأنظار، عروس في ثياب الزفاف، إضافة إلى أنها تبكي، ولا أحد يستطيع أن يقترب مني ليسألني ما بي، فحالتي ظاهرة لا تحتاج إلى شرح، لكن بلا تفسير لسبب بكائي، الذي كان يحمل عشرات التوقعات والتخمينات، حتى أنا غير قادرة على تحديدها، فالأمر ببساطة أنني متجهة إلى رحلة في بلاد بعيدة لا أعرف حتى موقعها على الخريطة، والى أناس لا أدري كيف يعيشون ولا ما هي ظروفهم. آلاف الأسئلة دارت في رأسي وأنا أسند وجهي على قبضة يدي، وأمسك باليد الأخرى جواز سفري، ولو عادت بي الأيام مرة أخرى لكانت لي شروط كثيرة، كان يجب أن أرفض تلك المراسم التي تمت كلها، ولا أوافق أبدا على أن أسافر بهذه الطريقة غير المقبولة، ولم اكن أتوقع أن يحدث لي ما أنا فيه. باب الطائرة كانت تلك اللحظات هي الأكثر طولا في حياتي، مرت بطيئة ثقيلة، وأنا شارده صامتة، تشقها أصوات من بعيد عن اجراءات وأشياء تخصني ولا أفهمها، مثل حوارات الموظفين من حولي، وتمر امرأة في عمر الكهولة بجانبي تقدم لي التهاني فأجيبها بإيماءة بلا كلام ولا أستطيع أن أرد بابتسامة على ابتسامتها لي، حتى تم السماح لنا بصعود الطائرة، قمت أجرجر ثوبي الطويل، أخشى أن أتعثر فيه، أشعر بالحرج، أسير ببطء إلى أن وصلت إلى باب الطائرة، وجدت المضيفة تأخذ بيدي وهي تقدم لي التهنئة ورافقتني حتى أجلستني في مقعدي بجانب النافذة، وعدت فورا إلى الشرود والتفكير. كانت مضيفة الطائرة في مثل عمري تقريبا، بادلتني بعض الكلمات وهي تسألني أن كنت أريد شيئا أو طعاما أو شرابا، وكانت ردودي كلها بالنفي، ثم غابت حوالي ربع الساعة لتعود وفي يديها باقة ورد كبيرة قدمتها لي نيابة عن طاقم الطائرة، واستطاعت بعد ذلك أن تخرجني من تلك الحالة التي سيطرت عليّ، وجعلت تفكيري يتحول إلى اتجاه آخر. صورة العريس استدعيت من ذاكرتي صورة العريس، وبدأت أتخيل ما سيحدث لنا عند أول لقاء بيننا بعد ساعات قليلة، وهو يرتدي بدلة فاخرة لامعة وربطة عنق أنيقه، وخلفه سيارة حديثة يقودها سائق خاص، ولم أحدد كلماته الأولى التي سيبادرني بها، هل هي حمدا لله على السلامة، أم السلام عليكم أم ألف مبروك، أم يصمت وينظر إلى وجهي ويأخذه جمالي فلا يستطيع الكلام؟ وجنحت إلى التفاؤل، فأنا فعلا محظوظة، فكثيرات غيري اكبر مني سنا لم تتزوجن وكاد قطار الزواج يفوتهن، ليس ذلك فقط، بل أنني ارتبطت بشاب ميسور الحال، لن اضطر معه إلى المعاناة والكفاح من أجل بدء حياة رغدة، فهو كذلك بالفعل، وبالغت في أحلامي وأنا أتخيل فيما بعد أنني سألتحق بعمل مناسب ونستطيع أن نشتري شقة فاخرة في منطقة راقية بعد العودة، وتكون لنا سيارة حديثة، ورصيد كبير في البنك، ولن تكون لنا علاقة بالفقر ولا مفردات الشظف والمعاناة. ارتسمت عفوية ارتسمت على وجهي ابتسامة عفوية، وأنا أراجع نفسي بأنني لم أكن على صواب وأنا أبكي في هذا الموقف الذي من المفترض أن أكون فيه في قمة سعادتي في يوم العمر الذي لن يتكرر، وفوجئت بالمضيفة تهمس في أذني بأنها سوف تصطحبني لتصلح لي الماكياج الذي أفسده البكاء والتكشيره المرسومة على وجهي ووافقتها، ففعلت لي ذلك متطوعة من تلقاء نفسها بكل الرضا، وهي تفتح حوارا ليس من قبيل الثرثرة أو الفضول لمعرفة أي معلومات أو أي شيء عني، وإنما فقط لكي تخرجني من الحالة التي انتابتني، وأشهد أنها كانت بارعة كأنها طبيب نفسي، ولم توجه لي سؤالا محرجا ولا خارج حدود الموقف، فمثلا سألتني عن اسمي وعن اسم زوجي، وهي تثني عليهما وتفسر معناهما، ثم تسألني عن المنطقة التي سأقيم فيها وعن دراستي، وهكذا من العموميات، ثم وعدتني أنها ستساعدني عند الوصول في إنهاء الإجراءات إلى أن تسلمني للعريس يدا بيد. خرجت لاستقبل أول صدمة في الغربة، فوجئت بشخص ليس هو صاحب الصورة الذي من المفترض أن يكون عريسي، كان يرتدي ملابس عادية، وبسرعة أخرجني من دهشتي ليخبرني بأنه صديق العريس وجاء كي يصطحبني إليه، وبرر عدم حضوره لانه يعد لي مفاجأة، وفي الحقيقة لم يعجبني التصرف ولا الموقف الذي جعلني أشعر بالخوف، فكما يقولون بداية القصيدة كفر، ولم أجد أي مبرر يجعله يقدم على هذا لأتصرف غير المقبول وغير المعقول، ولم يكن أمامي أي اختيار غير الاستسلام، وأن استقل السيارة مع هذا الشخص الغريب الذي بالغ في الحديث معي وفي الكلام حول الرحلة والترحيب بي وتقديم التهاني وكيف أنه صديق حميم لزوجي، بل هما أكثر من شقيقين. صدمة ثانية عند وصولي، كانت الصدمة الثانية، فزوجي معاق مصاب بشلل أطفال ويستخدم العصا في سيره ولا يستطيع السير بدونها ولا الوقوف، قابلني بابتسامة باهتة، واستأذن صديقه وتركنا، لم أجد كلاما أقوله، وساد صمت طويل، شعرت بأنني خُدعت، لا أعرف كيف أتصرف ولا إلى أين أذهب، وأيضا استسلمت لقدري، وحاولت أن أفيق من الصدمة، بأن هذا لا يعيب الرجل وإن كان يخجل منه، ولم يقدم لي مبررا عن سبب إخفاء هذه المعلومات الأساسية. الصدمة الثالثة أنني اكتشفت أن الرجل يعاني كل عقد النقص، يشك في كل شيء حوله واستطيع أن أجزم بأنه لا يحب حتى نفسه، تأكله الوساوس، ولم أستطع الاحتمال، وقبل أن يمر الشهر الأول طلبت العودة، فكان رده جاهزا أنني لو تفوهت بكلمة واحدة فإنه سوف يشكك في أخلاقياتي، وكانت تلك اكبر الصدمات. الآن أبحث عن مفر، وسبيل للحصول على حريتي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©