السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جنوب أفريقيا: هل تتبخر الآمال بعد المونديال؟

جنوب أفريقيا: هل تتبخر الآمال بعد المونديال؟
12 يوليو 2010 23:00
روبين ديكسون جوهانسبرج كان باعة الأعلام المتجولون هم أول من استشعر ذلك. فعندما انحسرت مشاعر الوحدة والفخر الوطني التي أطلقتها كأس العالم في جنوب أفريقيا، أحسوا بجسامة الأمر. ومع إقصاء منتخبهم الوطني لكرة القدم من البطولة في الدور الأول، كانت الأعلام التي تُعرض للبيع عند ملتقيات الطرق والإشارات الضوئية قد اختفت تماماً تقريباً. ولذا عاد "أبرام شبالالا" بسرعة إلى مهنته القديمة: بيع معطرات السيارات عند مفترقات الطرق، بينما يعرض آخرون أمثاله أكياس البرتقال، وبطاريات الهواتف المحمولة، ومجسمات الكرة الأرضية، والقبعات، وكل ما يخطر على البال من بضائع ثمينة أو رديئة، لا يهم. ويقول "شبالالا"، الذي يتنقل بين السيارات المتوقفة على طريق سريع مغبر رباعي المسارات، عارضاً سلعته على النوافذ المغلقة: "لقد انتهى بالفعل موسم بيع تلك الأعلام"! وخلال بضعة أشهر كان ثمة إقبال كبير على شراء الأعلام الوطنية في ما بدا مؤشر أمل على أن هذا البلد -المنقسم على نفسه بين أغنياء وفقراء، وسود وبيض- قد أخذ أخيراً يتحد. وكانت تلك هي اللحظة التي تحولت فيها جنوب إفريقيا من يرقة قبيحة إلى فراشة جميلة، كما قال الأسقف المتقاعد ديسموند توتو من "كيب تاون" خلال الحفل الافتتاحي لكأس العالم. ولكنها لحظة كان من المستبعد طبعاً أن تدوم، كما يرى بعض المحللين. غير أن هذا لا يعني أن استضافة هذه البطولة العالمية التي اختتمت أول من أمس الأحد لم تكن أمراً جيداً بالنسبة للروح الوطنية الجنوب أفريقية، هذا ما يقوله المحلل السياسي ألستير سباركس، على رغم انتقادات المنتقدين الذين يرون أن الـ4 مليارات دولار التي أنفقت لبناء الملاعب وتوسيع المطارات كان يُستحسن أن تنفق على المدارس والمستشفيات. وفي هذا السياق يقول سباركس في عمود نشر مؤخراً: "إننا في حاجة إلى ذلك، لأننا شعب محطم نفسيّاً"، في إشارة إلى ترسبات معاناة السود في عهد الفصل العنصري "الأبارتايد" والوصمة التي التصقت بالبيض كشعب عنصري بسبب ذلك، مضيفاً: "إننا في أمس الحاجة إلى رفع المعنويات من أجل خلق إحساس بالقيمة الذاتية واعتراف بجدارتنا المشتركة". وعندما كان الجنوب أفريقيون من مختلف الأعراق يخرجون من مكاتبهم لنفخ الفوفوزيلا وتشجيع منتخبهم الوطني عند انطلاق البطولة الشهر الماضي، بدا كما لو أن مشاعر الوحدة والفخر الوطني هذه ستستمر إلى الأبد. وقد ذكَّرنا ذلك باليوم الذي ارتدى فيه مانديلا قميص كابتن المنتخب الوطني للريجبي فرانسوا بينار عام 1995، في خطوة حوَّلت الفوز بكأس العالم في الريجبي إلى رمز قوي لجنوب أفريقيا خلال مرحلة ما بعد عهد "الأبارتايد"، كما صورها فيلم "إينفيكتس" الشهير. ومن جانبه، يرى آدم حبيب، نائب رئيس جامعة جوهانسبرج، أن تنظيم البطولة بنجاح كان حدثاً ورمزاً يكتسي دلالة قوية بالنسبة للبلد والقارة كلها، بل: "إنه نوع من النضج بالنسبة لهذا البلد، ما يمنحه توجهاً وحضوراً عالميّاً أكبر". ولكن بينما كان البلد موحداً فعلا لوقت معين خلال البطولة، شكك الكثيرون في ما تقوله الحكومة من أنها تستطيع البناء على تلك المعنويات في الداخل واستثمار النوايا الحسنة الدولية في الخارج، ومن بين هؤلاء المحلل السياسي ويليام جوميدي من جامعة ويتواترسراند الذي يقول: "لا أعتقد أن ثمة عمقاً في الأمر لأن الأمر يتعلق بظاهرة مؤقتة. لو كانت لديهم (المسؤولون الحكوميون) الرؤية السياسية، لبنوا على هذا الأمر، ولكن النوايا الحسنة ستزول". والحال أن العديد من الجنوب أفريقيين الأغنياء يرون الفقر المدقع يوميّاً عن قرب عبر نوافذ سياراتهم، حين ينظرون إلى الباعة المتجولين مثل "شبالالا" الذي يرى أن وحدة المشاعر الوطنية التي ملأت البرامج الإذاعية لم تُغير أي شيء، بل إنها لم تكن ملحوظة أصلا بالنسبة له. والواقع أن عدداً أكبر من الناس أقبلوا على شراء الأعلام الوطنية، وقد جنى كثيرون نتيجة لذلك ربحاً أكبر من المعتاد، ولكن مواقفهم لم تتغير كثيراً: "لم يكن ثمة شيء مختلف". واليوم انفض سامر المونديال وما زال "شبالالا" غير قادر على إيجاد عمل، وذلك على رغم أنه أتم تعليمه الثانوي. ولذا يعتزم استثمار الـ800 دولار التي ادخرها خلال أربعة أشهر من بيع الأعلام في تعلم مهنة جديدة، كمسعف طبي مثلا. ولكن، على غرار الكثير من السود الفقراء الذين يعيشون في أحياء جنوب أفريقيا الفقيرة والمعزولة، فقد كان يصدق خطاب الحكومة قبل المونديال من أن الغنى سيتدفق من هذه البطولة: " إنها ستجعل البلد غنيّاً... وستكون ثمة وظائف". غير أن الإحصائيات الاقتصادية لا تبعث على التفاؤل. فعلى رغم الطفرة الاقتصادية التي نتجت عن إنشاء البنى التحتية استعداداً لكأس العالم، إلا أن 171 ألف وظيفة فُقدت على الصعيد الوطني خلال الربع الأول من هذا العام. وحسب وزير المالية برافن جوردان، فإن كأس العالم كان من المتوقع أصلاً أن تدر فقط قدر ما استُثمر فيها، بحيث تعادل الفوائد التي يجنيها الاقتصاد حجم ما أنفقته الحكومة. وفي هذا الإطار يقول جوميدي، المحلل المذكور، إن حزب الرئيس زوما الحاكم "المؤتمر الوطني الأفريقي" يفتقر إلى الإرادة بما لم يمكنه من تحويل لحظة أمل إلى شيء أقوى وأكثر استدامة. وحتى اليوم ما زال نظاما الصحة والتعليم يعانيان مشاكل كبيرة، وما زال الفقر والتفاوت الاجتماعي مستعصيين على الحل. كما أن موسم الإضرابات السنوي، الذي تتفاوض خلاله نقابات القطاعين العام والخاص مع الحكومة والشركات حول الأجور، سيُستأنف في وقت لاحق من هذا الشهر؛ والاحتجاجات على ضعف الخدمات العامة قد تزداد قوة أيضاً. وفي هذا الإطار يقول جوميدي: "إن تركة كأس العالم هي أن الناس سيطالبون وسيتوقعون حدوث تحسنات، لأننا أنفقنا كل هذا المال على هذه الأشياء من أجل كأس العالم"، مضيفاً "إن المطالبة بزيادة الأجور ستكون أقوى بكثير؛ وسيقول الناس العاديون: إذا استطعتم بناء كل هذه الملاعب، فلا يمكن أن تقولوا ليس ثمة مال. وسيقول العاطلون الشيء نفسه". ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشيونال"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©