الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الرحّالة.. نيّات مكشوفة وطرق غامضة

الرحّالة.. نيّات مكشوفة وطرق غامضة
30 ديسمبر 2009 21:18
لماذا غامر هؤلاء الرحالة المستكشفون الغربيون في أرض الجزيرة العربية بحياتهم في بلاد جرداء كهذه لا يشتهيها أي إنسان آنذاك؟ إن بلاداً ذات طابع رتيب كئيب من جراء المؤثرات الطبيعية القاسية جداً، لا يتوقع أن تنطوي في داخلها على أي مكنون شاعري جذاب، ولا يعيش فيها سوى فئة قليلة ومتشابهة من السكان، فما الذي تراه دفع هؤلاء الرحالة حقاً إلى الاهتمام بهذه الجزيرة بالذات من دون باقي بلدان العالم؟ ذلك السؤال كان الأكثر صعوبة في تلقي إجابته من بين الأسئلة الكثيرة التي رافقت رحلات هؤلاء الرحالة الغربيين. الجزيرة العربية.. أرض جرداء، قاسية، خالية من الماء، مليئة بالأمراض، تحكمها صراعات قبلية تؤدي في أغلبها إلى حروب قد تمتد طويلاً، وجفاف يكاد يكون أطول، وخوف من مصائر مجهولة يطغى على الذات البشرية فيها، غير إنها من أغرب وأهم بقع الأرض قاطبة ـ بلا منازع ـ فكل الديانات الكبرى الثلاث ولدت فيها، وتجلى بين رمالها كرم مخيف لا يصدق وشاعرية فذة عميقة وأصالة في الجنس البشري، وهي المعبر الطبيعي الذي انتقل منه أجداد البشر قبل ملايين السنين من أفريقيا إلى آسيا وأوروبا، بعد زوال العصر الجليدي الذي كاد يهلك الحياة على الأرض، كما أنها أرض الحضارات القديمة التي لا تزال آثارها ونقوشها الكتابية موجودة في الخليج العربي (كحضارة الدهماء) والآثار الأخرى الكثيرة في الجزيرة وهي العلا ومدائن صالح والأخدود وإرم ذات العماد ومملكة الفاو، القرية وغيره كثير. وليس بعيداً في أطرافها الجنوبية نجد اليمن السعيد والكم الهائل من أطلال الحضارات العربية القديمة في سبأ ومأرب وحضرموت، التي كانت مهداً لنشوء ما يعرف بمجموعة اللغات السامية حتى وصلت بتفرعها إلى 43 لهجة عربية قديمة بين جنوبية وشمالية، هذا بخلاف اللغات السامية الأخرى من شرقية وجنوبية وغربية، مازال بعضها حياً كالكلدانية والسريانية والعبرية والأمهرية وباد البعض الآخر كالبابلية والكنعانية والجعزية. جزيرة العرب كانت مركزاً تجارياً تاريخه ضارب في القدم حيث كان طريق الحرير الذي يجلب من الهند التوابل والبخور والأخشاب الثمينة ومن الصين الحرير والتحف وتجارة القهوة من المخا في اليمن وتجارة الساحل الشرقي للقرن الأفريقي التي قوامها الذهب والعاج والجلود والحجارة الكريمة. فهل كانت كل هذه الأسباب قد دعت الرحالة إلى قراءة مكوناتها وطبيعتها أم أن هناك دوافع أخرى؟. هذا ما نجده في كتاب “ارتياد جزيرة العرب ـ سيرة كشوف رحالة الغرب ومغامراتهم في أرض الجزيرة” لمؤلفه الرحالة الانجليزي دافيد جورج هوجرث والذي صدر أخيراً عن دار الكتب الوطنية في هيئة أبوظبي للثقافة والتراث ضمن سلسلة “رواد المشرق العربي” وبترجمة الباحث السوري الدكتور أحمد ايبش. قناع الحج يرى هوجرث أن هناك ثلاثة أجيال من الرحالة الذين غامروا بالمجيء إلى الجزيرة العربية وهم الرحالة الأوائل من عهد الإغريق والفئة أو الجيل الثاني الذين جاءوا إما تجاراً زاروا نجداً باحثين عن الجياد العربية الأصيلة حيث كانوا موفدين سياسيين من قبل حكام غربيين ويحملون مهمات عديدة مثل فالين وبالجريف وجوارماني (وقد تحدثنا عن كتاب الأخير في عدد سابق من “الاتحاد الثقافي”)، أو أنهم كانوا مجرد هواة مغرمين بسلالات الخيول العربية بغير دوافع تجارية مثل الزوجين بلنت والبارون نولده. كان مجيئهم إلى الجزيرة العربية إما حجاجاً إلى ديارها المقدسة أو كعلماء آثار علانية أو خفية أو كراصدين عابرين لمجتمعاتها الحالية. ولكن لماذا غامر هؤلاء بحياتهم في بلاد جرداء؟ وكأننا نعود إلى السؤال الذي ابتدأنا به هذه القراءة، لنقول إن الاهتمام بجزيرة العرب لم يكُ حكراً على هؤلاء الرواد، بل تعداهم إلى شعوب الأصقاع الأخرى برمتها وأهم سبب هو العقائد التي انبثقت من فكر ثاقب وميول إبداعية ولذا لابد من دراسة موطن هذا الإبداع والفكر. وكأن ذلك يؤكد أن هذه البلاد الفريدة لم تكن يوماً مجهولة تماماً لدى الغرب منذ أن تطورت فيه الحضارة إلى حد كافٍ. من هيرودتس إلى نيارجوسي الذي تقدم مع بحارته صوب مدخل الخليج العربي في أواخر العام 325 ق.م حيث وصل إلى رأس مسندم حتى جاء الرحالة الجدد فكتبوا أهم كتبهم من وجه نظر أوروبية أهمها: ـ و. ج بالجريف في كتابة “خبر رحلة سنة في الجزيرة العربية الوسطى والشرقية. ـ كارستن نيبوهر في كتابه “رحلة في الجزيرة العربية” في مجلدين. ـ د. ج هوغارت في كتابه “اختراق الجزيرة العربية” الذي نتحدث عنه حيث استبدلت كلمة “اختراق” إلى “ارتياد”. ـ برترام توماس مؤلف كتاب “رحلة عربية وسفرات أخرى عبر الصحراء”. ـ الكولونيل ت. إ. لورنس في كتابه “أعمدة الحكمة السبعة”. ـ ر.هـ كيرنات في كتابه “الكشف عن الجزيرة العربية”. ـ الميجر جارفز في كتابه “اختراق الجزيرة العربية”. ـ كريستينا جرانت في كتابها “الصحراء السورية”. ـ كارلو جوارماني في كتابه بالإيطالية “نجد الشمالي”. ـ روبرت تشيزمان في كتابه “في الجزيرة العربية المجهولة”. ـ دوغلاس كاروثرز في كتابه “مغامرة في الجزيرة العربية إلى النفوذ العظمى”. ـ ريتشارد برتون في كتابه “حجة للمدينة وقلة” في 3 أجزاء. ـ وليم ريت في كتابه “تدمر وزنوبيا”. ـ كارل راصوان في كتابه ومقالاته المتعددة. ـ الرحالة البريطاني ولفريد ثسيجر (توفي في 2005م) آخر رحالي أوروبا في القرن العشرين وثاني عابري صحراء الربع الخالي والذي كان صديقاً شخصياً للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله. آخر الأجيال صدر كتاب هوجرث “ارتياد جزيرة العرب” في لندن عام 1904، وجمع فيه جهود الرحالة والمستكشفين الأوروبيين في جزيرة العرب منذ الماضي الغابر ومروراً بالقرون الوسطى إلى عصر المؤلف في مطلع القرن العشرين. ومع انتهاء عصر هوجرث (توفي في 1927) بدأ الاستكشاف الأوروبي الحقيقي للجزيرة العربية وبقوة لا نظير لها. حيث كان لقوم هوجرث الانجليز بخاصة القدح المعلى في هالفصل الأخير من مهمة الاستكشاف ما بين 1928 و1948 وهي العشرون عاماً المهمة التي حدد فيها الانجليز مواقع اهتمامهم في مناطق الجزيرة العربية عبر الاجتياح العلمي الذي تحقق على أيدي مغامرين ثلاثة وهم: ـ برترام توماس الذي انطلق إلى ظفار عام 1928 ثم اجتاز الربع الخالي عام 1930. ـ هاري سنت جون فيلبي في عام 1932. - ولفريد ثسيجر الذي اجتاز الربع الخالي مراراً ما بين 1946 و1948 فكان بحق آخر جيل رحّالي أوروبا الأصليين في جزيرة العرب. موت الرحالة في عام 1759 تم في أوروبا إقرار إرسال فريق علمي من الرواد إلى جزيرة العرب.. باقتراح رجل يهودي فقيه باللغة العبرية وآدابها اسمه ميخائيليس فون جوتنجن الذي استطاع أن يقنع الكونت برنشتورف وزير فريدريش الخامس ملك الدنمارك عن رغبته الملحة بوجوب اتخاذ الخطوات اللازمة لحل مغاليق المواضيع الواردة في التوراة والمسائل الجغرافية المتعلقة بجزيرة العرب. على ذلك جرى تجهيز سفينة حربية مع خمسة أفراد، كل واحد منهم خبير في علم من العلوم وتم إيفادهم إلى المشرق في يوم 7 يناير من عام 1761م. وهم فورسكال السويدي المولد وكان طبيباً وكريستيان كارل كرامر الجراح وفريدريش كريستيان فون هافن وهو عالم بالفيلولوجيا (فقه اللغة والنصوص) وباحثاً في علوم الاستشراق وجورج فلهلم باورنفايند وكان رساماً وأخيراً كارستن نيبور الذي كان ضابطاً مهندساً وخبيراً بالرياضيات ومضى معهم الجندي السابق في سلاح الخيالة السويدي برجرن بصفة خادم. لقد مات الجميع في رحلتهم إلى الشرق إلا “نيبور” فهو الشخص الوحيد الذي عاد إلى الدنمارك بتقريره وبالملاحظات غير المكتملة لرفاقه. مات اثنان في اليمن وثالث عند الإبحار إلى الهند والخادم السويدي والرابع مات لدى بلوغ الهند. أما نيبور فقد نزل بأرض جزيرة العرب، ووصل إلى مسقط بشهر يناير من عام 1765م ولكنه بدلاً من أن يقوم باستكشاف بر عمان الداخلي آثر الامتثال للأمر الملكي الأصلي بالتوجه إلى أعالي الخليج ثم العودة إلى بر الوطن بطريق البر عبر بلاد فارس وبلاد ما بين النهرين وسوريا وآسيا الصغرى كما يذكر هوجرث مؤلف “ارتياد جزيرة العرب”. الدخول المراوغ من الغرابة أن يكشف كتاب “ارتياد جزيرة العرب” عن مجموعة من الرحالة الغربيين دخلوا الإسلام وارتادوا الجزيرة حتى وصلوا إلى مكة والمدينة كونهم مسلمين والأغرب أن أهل مكة والمدينة قد اكتشفوا الأمر فعاملوهم باحتقار شديد بعد أن تبين الأمر الذي وصل ببعضهم الى أنهم ماتوا قتلاً من جهات مجهولة حيث يقول هوجرث: “ثمة رواية غريبة في تعليقات ألبوكيرك وهو أحد أهم الرحالة الذين جالوا الجزيرة العربية حيث يقول عن رجل يدعى غريغوريو دا كادرا تم أسره في مدينة زبيد وذهب بصحبة مسلم إلى مكة في عام 1513م وأعلن عن ديانته المسيحية في المدينة دون أن يلقى أي أذى، ولكن لا يمكننا أبداً الركون إلى هذه القصة غير المدعمة وخاصة أن فيها رواية عن اجتياز غريغوريو فيما بعد شمالي جزيرة العرب إلى نهر الفرات”. وكان “هوجرث” قد اقتنع بأن المسلمين يعاملون أصحاب الديانات الأخرى بالموت مما يضطر هؤلاء الرحالة إلى انتحال صفة الإسلام لدخول الجزيرة، وهو افتراء واضح تؤكده حقيقة هذه الرواية التي يكذبها هوجرث نفسه. يروي هوجرث أن جوزيف يتس أحد أبناء مدينة إكسترا قد أسره قراصنة شمال أفريقيا عندما كان صبياً في عام 1678م وأرغم على الارتداد عن المسيحية وعلى مرافقة سيده إلى الديار المكرّمة بعد بضعة سنوات، ثم فيما بعد هرب إلى مدينة أزمير ونشر قصته الطريفة. أربعة رحالة اعتنق بعضهم الإسلام كذبا وهم “باديا” الذي أطلق على نفسه اسماً هو “علي بك العباسي” و”زيتسن” الذي سمي بـ “الحاج موسى” ويوهان لودفيك بوركهارت الذي أطلق على نفسه “ابراهيم عبدالله” أو “حجي” وفينشنتو ماوريتسي الذي كان يسمى “الشيخ منصور”. قصة علي بك في باكورة العام 1807م حط في جدة حاج ذو نسب وجاء من بلاد الغرب ومعه رهط كبير من الخدم والأدوات العلمية والأجهزة التعليمية تذكر بالأيام المشرقة لعرب الأندلس ولقد أطلق على نفسه اسم “علي بك العباسي” على اعتباره واحداً من أواخر أعقاب بني العباس كما راح يدعي، وقام بفريضة الحج في مكة المكرمة بكل أُبهة. وبعد أن ركب السفينة إلى ينبع حاول أن يصعد إلى المدينة المنورة غير أن الوهابيين ردوه على عقبيه فعاد إلى مصر ثم ارتحل منها عن طريق الشام وتركيا إلى أوروبا. كان اسم هذا الرجل دومانجو باديا إي ليبليخ وقد انطلق من قادس عام 1803 بعد مشاورات مع عدة شخصيات في باريس ولندن وكان كثير الغموض، ظهر واختفى وقال عنه بانكس إنه كان يهودياً وادعى وجود دلائل على كونه جاسوساً لنابليون. قصة الحاج موسى ظهر أوروبي آخر ينتمي إلى الزمرة ذاتها التي ينتمي إليها باديا هو اولريخ باسبار زيتسن الذي كان يحمل لقب مستشار سفارة في السلك الدبلوماسي الروسي وتدرب لعشرين عاماً في ألمانيا ليكون مستكشفاً في بلاد المشرق. وهو عالم نبات ذائع الصيت. دخل الإسلام وحج إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة وكان إسلامه أمراً موقتاً، وكان يكيف نفسه ليبدو بمظهر درويش للمغامرة في الأراضي الإسلامية، وبعد أن أدى فريضة الحج وزار كلاً من صنعاء وعدن انطلق مجدداً من الساحل صوب هضاب اليمن ومعه عدد كبير من الاباعر وهو ينتحل شخصية “الحاج موسى” الطبيب، غير أنه لم يتجاوز تعز حتى لقي مصرعه مقتولاً. أما من كان وراء مقتله، والسبب في ذلك، فأمر لم تتضح أسراره، حتى الآن ـ بحسب هوجرث ـ ولكن ثمة انطباعاً معاصراً ساد بأن الأمر لم يكن مجرد عملية سلب، بل كان اغتياله على خلفية الارتياب الديني بهويته الحقيقية، وكائناً ما كان الأمر، فإن زيتسن، الذي حامت حوله الشكوك في مكة وتم استجوابه من قبل الأمير الوهابي، ارتكب خطأ جسيماً عندما عاد أدراجه على الطريق ذاته الذي أتى منه، ولقد أمكن استرداد بعض أغراضه، ولكن لم يتم العثور لا على مذكراته الأخيرة ولا على كتبه. قصة الحجي نزل بجدة شخص يدعى ابراهيم بن عبدالله وكان صديقاً لمحمد علي باشا في القاهرة على أنه انجليزي قد أسلم أو لعله مدع للإسلام، ولم يكن انجليزياً بل كان سويسرياً من بازل واسمه يوهان لودفيك بوركهارت وكان بعد تحصيله الدراسي في انجلترا أوفده إلى الشرق الاتحاد البريطاني الأفريقي وفي غضون إقامته لأكثر من عامين في حلب وتجواله في سوريا والنوبة أجاد بوركهارت تقمص شخصية رجل شرقي وأصاب شهرة من جراء اكتشافه لمدينة بترا الأثرية وقد حمل لقب “حجي”. قصة الشيخ منصور كانت شركة الهند الشرقية قد وجهت حملاتها بالإغارة على عشائر بني ياس والقواسم عام 1807م وتم التصدي لها حتى اتفق على معاهدة السلم البريطاني في عام 1820م. في هذه المرحلة ظهر فينشنتو ماوريتسي الذي عمل تحت اسم الشيخ منصور الذي كان بالأصل جراحاً وقائداً بحرياً عمل في الخليج لمدة 6 سنوات ما قبل عام 1813، كتب رسائل عن تجربته لم تظهر. تلك هي تجارب الرحالة الغربيين في جزيرة العرب وطرائقهم وحلمهم المفقود. قصة الشيخ فالين أوفد محمد علي باشا رجلاً سويدياً هو جورج اوغسطس فالين إلى جزيرة العرب وكان المفترض به أن يسافر متخفياً بشخصية شيخ من علماء المسلمين حيث انه كان مستعرباً بارزاً، وأضحى أستاذاً في جامعة هلسينجفورس (هلسينكي) وبذلك يبدو أن فالين كان فنلندياً بحسب اسم الجامعة. أشيع أن فالين كان مسافراً لشراء الخيول لباشا مصر، لكن اختيار أوروبي على هذه الدرجة الرفيعة من العلم لمهمة مثل هذه، كان زلة من جانب حاكم لديه وتحت إمرته المئات من مروضي الخيول المحليين، يضاف إلى ذلك أن فالين نفسه بدا وكأنه لا يعرف شيئاً عن الخيل، ارتحل من القاهرة إلى معان في الأردن ثم دخل الجزيرة عبر الجوف وفي 19 ابريل 1848 بلغ حدود أراضي شمر. نابليون المسلم شكك المؤرخ بانكس ـ كما ورد عند هوجرث في كتابه “ارتياد الجزيرة العربي” في صفحة 133 ـ أن يكون علي بك العباسي يهودياً وادعى وجود دلائل على كونه جاسوساً لنابليون. من جانب آخر لا يستبعد بانكس أن يكون الامبراطور نابليون الذي أخفق في الاستحواذ على مملكة مشرقية، لبث على أمله ذاك وكان أحياناً يجاهر بأنه اعتنق الاسلام، فأوفد هذا الرجل “علي بك العباسي” عبر المغرب وطرابلس إلى مكة بغية استطلاع المعلومات حول موقف العالم الشرقي من هذه الحركة الإسلامية الجديدة “الوهابية” وليستبين إمكانية توجهها بشكل ما. ويري هوجرث أن: باديا (علي بك العباسي) لم يكن مجرد مدّع للإسلام بل إنه حقاً اعتنق الإسلام، قبل دخوله مكة وبعدها، وهو حينما كان فيها اتضح كونه مسلماً حقيقياً، وأنه جدير بما يتباهى به من حديث وتصرفات. ويرى الدكتور أحمد ايبش مترجم الكتاب أن هذا الكلام من هوجرث يبدو غريباً لا يقره المؤرخون ويقول: نستبعده نحن ونعده من جملة التغني بالشرق وثرائه الروحي تمهيداً لاحتلاله، وهذا كان حلم أوروبا كلها حتى نجح به الإنجليز عام 1918. زوجان رومانسيان بعد أن عبر الرحالة شارل أوبير صحراء النفوذ للمرة الأولى حيث ادعى الإسلام أيضاً مات في عودته للعبور ثانية مع المستشرق يوليوس اويتنج من مدينة ستراسبورج، قام فريق ثانٍ بعبور صحراء النفوذ بعد بضعة أشهر من اجتياز اوبير الأول لها، وهذا الفريق له صفة فريدة بين جميع فرق الاستكشاف في جزيرة العرب ليس فقط لأنه يضم سيدة أوروبية، إنما أيضاً بسبب أن هذا الفريق قام بالترحال بغير هدف محدد سواء أكان علمياً أم تجارياً أم سياسياً، بل كان الهدف مجرد فضول رومانسي وتعاطف خيالي مع المجتمع البدوي. وكان “ولفريد سكاون بلنت” الديبلوماسي والشاعر وزوجته “آن” حفيدة الشاعر اللورد بايرون اللذان انغمسا في عشق حياة الصحراء قبل ذلك بأربعة أعوام ما بين رجال عشائر عنزة وشمر في بوادي الحماد وبلاد الرافدين. كانا قد استبدت بهما الرغبة برؤية المهد والموئل الأساسي لأصفى الأعراق العربية على صعيدي البشر والخيل معاً، في الجزيرة العربية. حيث تمكن الزوجان بالارتحال عبر صحراء النفوذ في عام 1879م بمساعدة أسرة آل العروج العربية العريقة في واحة تدمر التي تعود أصولها إلى الإحساء. والتي تنتمي إلى بني لام ما بين الإحساء ونجد. حيث رافق الزوجان “ولفريد وآن بلنت” في رحلتهما بعد ذلك من دمشق إلى حائل محمد العبدالله العروج ابن شيخ تدمر الذي استلم الحكم بعد أبيه حتى وفاته عام 1929. الكوماندر د.ج. هوجرث تلميذ مخلص لإدوارد لورنس الكوماندر د.ج، هوجرث مدير المكتب العربي للاستخبارات الإنجليزية في القاهرة من العام 1915 إلى 1919، ولد عام 1862 في بارتون بمقاطعة لنكولنشاير ووافته المنية عام 1927 في اوكسفورد، كان بالأصل دارساً لعلم الآثار في جامعة اوكسفورد، وقام بالتنقيب مراراً مع سير ارثر ايفتز وتوماس ادوارد لورنس الذي كان تلميذه. بين الأعوام 1987 و1907 شارك بمواسم تنقيب أثرية في قبرص وكريت ومصر وجزيرة ميلوي وفي افتس “معبد ارتميس”. شغل منصب محافظ المتحف الاشمولي للآثار في اوكسفورد منذ عام 1906 حتى وفاته في 1927 وفي عام 1915 خلال الحرب العالمية الأولى انضم الى الشعبة الجغرافية في فرع الاستخبارات البحرية البريطانية كما عمل مستشاراً برتبة مقدم (كوماندز) لتلميذه الأسبق الكولونيل لورنس في المكتب العربي بالقاهرة ومديراً للمكتب، قام بمهمة سياسية في جزيرة العرب عام 1916 ورافق الجيش البريطاني إلى فلسطين عام 1918 وقام بدور المفوض البريطاني في مؤتمر باريس للسلام 1919، وشغل منصب رئيس الجمعية الجغرافية الملكية R.G.S بين 1925 ـ 1927.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©