الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حقوق مسلوبة.. ولوحات مزيفة

حقوق مسلوبة.. ولوحات مزيفة
14 مايو 2014 20:56
رغم أنه أحد أهم الفنون التي عبّر بها الإنسان عن ذاته ومشاعره، إلا أن حضور الفن التشكيلي في الحياة الثقافية والاجتماعية يعتبر ضئيلا مقارنة مع سائر الفنون الأخرى، لأنه لا يزال يعاني عدداً من المشكلات، أهمها دور العرض، وفي ظل ضعف الإمكانيات التي تقدمها القاعات الرسمية التابعة لوزارة الثقافة المصرية المتمثلة في قطاع الفنون التشكيلية ودار الأوبرا وصندوق التنمية الثقافية طالب عدد كبير من الفنانين التشكيليين صالات العرض التجارية بلعب دور أكبر في عرض الأعمال الفنية، والتسويق لها، والدعاية الفنية، ودعوة النقاد إلى الكتابة عن الأعمال المعروضة، ونشر الوعي الفني لدى المتذوقين له، والارتقاء بفكر الجمهور حول قضايا الفن التشكيلي. حازم خالد تصطدم طموحات الفنانين التشكيليين مع طموحات أصحاب القاعات الفنية الخاصة الرامية إلى الربح، والتي تعتبر الفن مشروعاً تجارياً في الأساس، حيث تقبل بعض صالات العرض على اختيار أسماء فنية معروفة لعرض لوحاتها كي تضمن نسبة من الربح، أو أنها تختار أعمالاً فنية من أنواع معينة لعرضها وتتوقع أن تلاقي رواجاً جماهيرياً. وهناك من يقومون باستقدام رسامين من دول آسيوية لاستنساخ لوحات أو نقل صور ملتقطة من البيئة وإمضائها بأسماء محلية مستعارة، وهذا النوع هو الأبرز فيما يدور خلف الكواليس، لكن هذا لا يخفى على أي من الفنانين المحترفين في ساحة الفن التشكيلي. الربح أولاً الناقد التشكيلي كمال الجويلي (شيخ النقاد التشكيليين) يرى أن صالات وقاعات العرض التشكيلية التجارية تتعامل مع الفن من منظور الكسب المادي، موضحاً أنها تستفيد من سلعة مجهولة الثمن ومجهولة الكيفية في التسويق. ويقول: «يقوم على هذه الدور أفراد تمكّنوا من التعامل مع الفن التشكيلي، واكتشفوا طرق تسويقه ومسالكه التي يجهلها الفنانون، ومع أن الكثير من هذه الصالات لا يكون تجهيزها رفيع المستوى أو مرموقاً إلا أن البعض يعتبرها مكملة للدور الذي تلعبه الصالات الرسمية. ويحسب لهم تعريف الجمهور بالفن التشكيلي وجعله متواجداً باستمرار مهما كانت الجدوى أو الهدف التجاري»، مضيفاً أن «بعض دور العرض تضع شروطها حول حجم التجربة والمستوى الذي حققه الفنان الذي تعرض له ومستوى الأعمال المعروضة إلا أن مثل هذا الإجراء لم يتم إلا في صالات محدودة، أما البقية فالأمر مختلف خصوصاً وأن الكثير من المعارض لا تخضع لأي رقابة تجارية أو إعلامية مما يبعث الخوف من أن يصبح ما يقدم في بعض تلك الصالات من معارض وما تشتمل عليه من أعمال رديئة في الشكل وخالية من المضمون مؤثراً على الذوق العام». وتابع الجويلي: رغم أن القاعات الخاصة ظاهرة صحية ومهمة، إلا أنها قد تكون سبباً في الإحباط أو في سلب حقوق الفنانين، نظراً لأن الطموح تجاري، فالطموحات التجارية تشكل الوجه الحقيقي للعديد من صالات العرض، لأن وضع الفنان أمام شروط وتمرير معرضه بشكل استعراضي يشكّل سابقة في حياته الفنية، فالهدف هو الربح المادي، دون الالتفات إلى الجوانب الفنية والابتكارية.‏ وأكد أن عدم ظهور سوق فني يروّج للأعمال الفنية الطليعية والحديثة يعتبر جزءاً من الأزمة الأساسية التي يعاني منها الفن التشكيلي، لذا أصبح كثير من الفنانين يتجهون بأعمالهم إلى تكريس الاستهلاكية، ولهذا عادت لوحات الطبيعة والأزهار لتأخذ موقعها وحضورها في السوق الفني.‏‏ تسويق.. مختلف الفنان محمد عبلة يقول: «الحركة التسويقية للفن لا تقلّل من جودته الفنية بل تضيف من قيمة الفن والفنان معاً، بيد أنه لا يجوز للفن أن يسوّق كما تسوق أي سلعة تجارية، إذ لا بد من أن يُعلن عنه ويكون على مرأى من الناس، فكل عمل فني يتميز بعناصر وأسلوب يجذب النظر ويحرك المشاعر، لكن الواقع يختلف عن ذلك كلياً، فكثير من مديري القاعات الخاصة يقومون باختيار الأعمال التي قد يتمكّنون من ورائها من تحقيق مكاسب مادية جراء عرضها، استناداً إلى شهرة الفنان وتميز تجربته». ويكمل: «في أحيان أخرى تقوم الصالة بتحميل تلك المصروفات على جهات داعمة تسمى في عرف العمل بالجهات الراعية مادياً، هذه الجهات تشترط بالطبع أن يكون شعارها موجوداً على كل ما يتعلق بالإعلان عن المعرض من مطبوعات أو أخبار، ومع مستوى حفل الافتتاح تظهر الفروقات بين كل معرض وآخر تبعا لمستوى الدعم المادي الذي يناله كل معرض». سلوك شائع وقالت الفنانة التشكيلية رشيقة صبحي: «المشهد التشكيلي المصري يتميز بتعدّد الرؤى والمجالات، ويستوعب الكثير من الاتجاهات المعاصرة التي باتت تشكل جزءاً أساسياً منه، وبدخول المال مجال الفن، تم خلق قاعات للعرض، تنظم أنشطة تجارية بالأساس، وسيطر هاجس الكسب بدل هاجس الإبداع، مما كان له أثره الكبير في الحركة الفنية»، وأوضحت قائلة: «في الحقيقة يجب أن نشجع عمل الصالات الخاصة مهما كانت عيوبها، فهذه الصالات إذا لم يكن لها دخل يساعد على استمرارها سوف تغلق وسوف نخسرها، لذا يحق لها اختيار مَن تراه من الفنانين كي يحقق مبيعاً في اللوحات الفنية، تقتطع منه نسبة متفق عليها مع الفنان ولا ضير في ذلك، فهذا سلوك تسلكه معظم الصالات الفنية في أوروبا والغرب عموماً. وقد نعذر أصحاب تلك القاعات حينما يبحثون عن مصالحهم ومكاسبهم نتيجة الكساد الكبير الذي يعيشه هذا الفن عالمياً، فكيف به في مجتمع لا يزال يجهل معنى اقتناء العمل الفني الحقيقي الذي يحمل أسماء يعتز بها مَن يقتنيها دليلاً على رقي ذوق المقتني وثقافته، إلا أن تلك المصلحة هي الغالبة على حساب ما عاناه الفنان طوال حياته ليصل إلى ما وصل إليه». سوبر ماركت من جانبه وصف الفنان التشكيلي د.رضا عبد الرحمن، صالات العرض الخاصة بأنها «مثل (سوبر ماركت) تفتح أبوابها للجميع، لاكتشاف فنانين جدد وطرح أعمالهم في السوق الفنية. كما أن صالات العرض تكرّس فكرة أن الفنان هو ماركة يرتفع ثمنها حسب الشهرة». وأضاف قائلا: «هذه الصالات جزء من حالة الفساد الفكري السائد». أما الناقدة شادية القشيري، فلها وجهة نظر معتدلة حيث رأت أن الصالات الفنية «تشبه أي عمل تجاري آخر يمر بحالة انطلاق، وازدهار، وبالتالي من الممكن أن تساهم في دعم الفنانين خاصة الشباب منهم، في حال حققت التوازن الاقتصادي الذي يضمن استمرارها». ويصنف الفنان التشكيلي نصر عبد الجابر قاعات الفنون الخاصة باعتبارها «قاعات ربحية ليست لها علاقة بالفن الحقيقي أو الثقافة البصرية عموماً، فقد انتشرت في الفترة الأخيرة على أساس ربحي فقط، وخاصةً مع اتجاه النساء لشراء اللوحات لاستكمال ديكور المنزل، فهي لوحات بعيدة كل البعد عن الفنون التشكيلية، أي ليس لها معرفة سابقة ولا تاريخ في هذا المجال». وأضاف: «إذا ما أخذنا في الاعتبار هذه الخلفية، فيجب ألا نستغرب أبداً تخبط هذه الصالات من بيعها للوحات منسوخة أو مزيفة بأبخس الأثمان. ومع نظرة أصحاب هذه الصالات إلى الفنان التشكيلي باعتباره سلعة، فلا يمكن للوحاته أن تنافس في ظل هذا المستوى المتدني من العرض والطلب إلا في حالة التنازل عن كامل حقوقه، والذي يعني فقدان لوحاته والتخلي عن المطالبة بها». طاقة نور ورغم ذلك، يتابع عبد الجابر، هناك طاقة نور متمثلة في بعض الصالات التجارية المهتمة بالفن التشكيلي والتي عادةً ما يكون أصحابها متذوقين للفن، لكنه يأخذ عليها الخلط في عرض اللوحات التشكيلية والمزيفة معاً، فأصحاب هذه الصالات يتأرجحون في تعاطيهم مع الفن التشكيلي وتعاملهم مع الفنان، حسب الوعي والمستوى الثقافي الذي يمتلكونه، أو استقرارهم المادي في السوق، أو تاريخهم المعرفي في هذا المجال، فلديهم نسبة من الوعي والفهم للفن التشكيلي، لكنهم قد يقبلون على بيع بعض الأعمال غير الأصلية إلى جانب الأعمال الأصلية، فتارة يقيمون معارضاً جادة لفنانين حقيقيين، وتارة قد نجد معارض فيها خليط من مستويات متدنية إلى جانب أعمال ذات نوعية جيدة، فالخلط في عرض اللوحات التشكيلية الحقيقية والمزيفة يشكّل نقطة غير مضيئة في تاريخ تلك الصالات، ودليلاً على جهل أصحابها بدور الفن الحقيقي وأهميته، ويُشكّل إساءة للفنان المبدع في حالة العرض في هذه القاعات. وقال: «لا يعيب الصالات الخاصة سعيها للربح والكسب جراء إقامة المعارض التشكيلية، فهذا أمر طبيعي لتحقيق أهدافها التجارية واستمراريتها، لكن عليهم مسئولية تقديم هذا الفن إلى المجتمع في الوقت الحالي، وفي ظل غياب قاعات العرض التشكيلية العامة، وغير الربحية، فيجب عليهم الرقي بذوق الجمهور الباحث عن اللوحة، لا أن يزيد جهله بهذا الفن، وضياعه باتجاه رداءة الذوق وانعدام الثقافة البصرية». وكالة الصحافة العربية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©