الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تعصب ترامب.. كم يكلفنا؟

17 أكتوبر 2016 09:27
أثناء عملي كأول ممثلة خاصة للمجتمعات المسلمة في وزارة الخارجية الأميركية بقيادة هيلاري كلينتون، أتيحت لي فرصة زيارة مسلمين في زهاء 100 دولة. وخلال الصيف الجاري، بينما تهيمن التصريحات الرنانة المناهضة للمسلمين التي يدلي بها المرشح «الجمهوري» دونالد ترامب على عناوين الصحف، أتذكر لقاء، اتسم بالقوة والمفاجئة في آن واحد، جمعني بإحدى المجتمعات في كمبوديا. وقدنا السيارة لساعات عبر الغابة على طول طريق ترابي وعرٍ. وفي نهاية المطاف وصلنا إلى قرية، مكونة من بضعة مبانٍ متواضعة بين الأشجار، وبها مسجد صغير جدرانه من الطوب اللبن، مطلية باللون الأبيض، وأرضية ترابية، ومفروش بسجاد مصنوع من القش. وتجمّع من حولنا عشرات الأشخاص حفاة الأقدام من سكان هذا المجتمع المسلم. وجلست على الأرض إلى جوار مترجم، وبدأ نقاشنا. وسألني الحضور مجموعة من الأسئلة، سمعتها للأسف في مجتمعات أخرى مراراً وتكراراً. ومن بين هذه الأسئلة: هل المسلمون مواطنون حقيقيون في الولايات المتحدة؟ وهل يمكن للمسلمات ارتداء غطاء الرأس في الولايات المتحدة؟ وهل بمقدور المسلمين أداء الصلاة، وإذا كان بمقدورهم، فأين يصلّون؟ وهل دبّر اليهود هجمات الحادي عشر من سبتمبر لتشويه المسلمين؟ وكيف تم السماح لك بالعمل في الحكومة الأميركية إذا كنت مسلمة؟ ثم جاء السؤال الذي لم أتوقعه: هل القس «تيري جونز» يمثل الولايات المتحدة حقيقة؟ و«جونز» كان قسّاً في ولاية فلوريداً يقل عدد أتباعه عن 50 شخصاً. واشتهر للمرة الأولى في عام 2010 عندما أعلن نيته حرق المصحف في ذكرى هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وبعد عام تقريباً نفذ وعده بالفعل، وهو ما أثار غضباً دولياً واحتجاجات راح ضحيتها عشرات القتلى. ومعظم الأميركيين نسوا كل ما يمت إليه بصلة، إن كانوا قد سمعوا به من الأساس. لكن في هذه المنطقة النائية في كمبوديا، لم يسمع عنه السكان فحسب، ولكنهم يتذكرونه بالاسم، واعتقدوا أيضاً أنه يمثل الولايات المتحدة الأميركية. واليوم، ليس قساً مغموراً هو من يزدري المسلمين علانية، وإنما قائد أحد الحزبين السياسيين الرئيسين في الولايات المتحدة، ويؤيده زهاء 40 في المئة من الشعب الأميركي. ولم يحرق القرآن، وإنما يتهم الرئيس الحالي بأنه قد «أسس» ما يسمى بتنظيم «داعش» الإرهابي، ونال من سمعة أم مسلمة لجندي أميركي قُتل أثناء خدمة وطنه، ويزعم أن الإسلام يمثل تهديداً كبيراً على أرض الولايات المتحدة. ويقترح فرض حظر على دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة. ولن تستطيع الولايات المتحدة قريباً إصلاح الضرر الذي أحدثه ترامب على صورتها بين المسلمين. وقد أنفقنا مليارات الدولارات منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 في محاولة نشر صورة واضحة للتعريف بحقيقة الأميركيين، وإقناع المسلمين بأن الولايات المتحدة ليست «في حرب» معهم. ووضع الرئيس السابق جورج بوش الابن المصحف للمرة الأولى في التاريخ الأميركي بمكتبة البيت الأبيض، واستحدث منصب مبعوث لدى منظمة التعاون الإسلامي. وزار المساجد الأميركية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر مباشرة، ثم جدد مسجداً كان «دوايت أيزنهاور» وضع أساسه. وأعقب الرئيس باراك أوباما خطابه في القاهرة عام 2009 بمجموعة من المبادرات لتعزيز الثقة والشراكة مع المسلمين. وعلى المستوى المحلي، كرّست السفارات الأميركية ساعات لا حصر لها لإقناع السكان المسلمين بأن الولايات المتحدة تؤمن بالمساواة والحرية الدينية والاحترام. وربما يخسر ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية نوفمبر المقبل، لكن تصريحاته المتعصبة بشأن الإسلام ورواياته الأسطورية بشأن تأسيس «داعش» ستحتاج مئات الملايين من الدولارات وسنوات طويلة لإزالة آثارها. *مسؤولة سياسية سابقة في إدارات جورج بوش الأب وجورج بوش الابن وباراك أوباما يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©