الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قضية "عمر فاروق" ومكامن الخلل في نيجيريا

2 يناير 2010 23:20
ليكان أوجوينكو أستاذ مساعد للصحافة بجامعة "لينكولن" الأميركية "ماذا تحمل في حقيبتك؟" هكذا صرخ موظف الجمارك في وجهي عندما كنت في مطار "مرتالا محمد" الدولي بالعاصمة النيجيرية، لاجوس، في العام 1999 قبل ركوب الطائرة التي ستقلني إلى ديترويت عبر مطار أمستردام الهولندي، وعندما عددت له قائمة بالأمتعة والأغراض التي كنت أحملها معي وعرجت على سيف قديم وصدئ كنت قد اشتريته من أحد الباعة في شوارع لاجوس سألت الموظف هل تريد رؤيته؟ فرد عليّ قائلا "لا أحب الأسلحة، لكن أحب الهدايا"، وهو ما يقودنا إلى التساؤل عن كيف أمكن لعمر فاروق عبد المطلب، الطالب النيجيري الذي سبق لوالده تبليغ السلطات الأميركية عن ميوله الراديكالية، تمرير مواد شديدة الانفجار عبر نقاط التفتيش في المطار قبل الصعود إلى الطائرة بنية تفجير الرحلة في يوم الاحتفال بأعياد الميلاد، ومع أن الأمر قد يستغرق بعض الوقت من المحققين الأميركيين والنيجيريين للوصول إلى إيجابات مقنعة عما جرى، إلا أن هناك أموراً قد تساعدنا على فهم هذا الخلل الأمني الواضح. فالمشاكل التي يعرفها أكبر مطار دولي في نيجيريا هي انعكاس للمشاكل الكبرى التي تشهدها البلاد. فبعدما كانت في السابق أحد أكبر مصادر الأمل في أفريقيا لما تتمتع به من موارد مهمة ولمساحتها الشاسعة التي تعادل تقريباً مساحة ولايات أريزونا وكاليفورنيا ونيفادا مجتمعة، أصبحت اليوم بعد تلاشي حلم التقدم مصدراً للحرج في عموم أفريقيا بسبب حالة التسيب وعدم تطبيق القانون التي تشهدها. واليوم تتوفر نيجيريا على كل مؤهلات الدولة الحافلة بالمشاكل، فأقل من نصف سكان البلاد البالغ عددهم 148 مليون نسمة يستفيدون من الماء الصالح للشرب حسب الهيئات الدولية، كما أن الانقطاعات الكهربائية مستمرة، أما النظام التعليمي بدءا بالمرحلة الثانوية وليس انتهاء بالجامعة يعاني من الضعف، ولا يكاد ينتظم العام الدراسي بسبب كثرة الإضرابات، هذا بالإضافة إلى انتشار العنف والجريمة، وبدلا من تركيز الشرطة على حماية المواطنين والقيام بدورها المنوط بها تعمل على استغلال نفوذها لخدمة مصالحها الخاصة، فضلاً عن قمع الناس والاستخدام المفرط للقوة أحياناً، وإذا لم يكن الضحايا من طبقة النخبة قليلة العدد التي تتمتع بحماية خاصة، فإن الشرطة غالباً ما تطلق النار على البسطاء، أما الحدود التي تفصل البلاد عن النيجر المجاورة والمعروف استضافتها لخلايا "القاعدة" تظل بلا حماية ما يسهل تسلل العناصر الخطرة التي تسعى إلى زعزعة الاستقرار وتشكيل قواعد لها في الدول الأفريقية جنوب الصحراء. وفي عامين على التوالي هما 1996 و1997 صنفت منظمة الشفافية العالمية نيجيريا باعتبارها أكثر الدول فساداً في العالم، وعندما انحدرت البلاد إلى المرتبة الثانية بعد الكاميرون في العام 1998 برزت نكتة تقول( إن نيجيريا رشت الكاميرون لتوافق على احتلال المرتبة الأولى في مؤشر الفساد). ومع أن نيجيريا من الناحية الرسمية تعتبر جمهورية فيدرالية وديمقراطية منذ أن تبنت عام 1996 النموذج الحكومي الأميركي وانخراط الحكومة في بعض الجهود الرامية إلى مكافحة الفساد في القطاعين العام والخاص، إلا أن هناك شعوراً متزايداً بأن الحرب على الفساد لا تسري على الجميع، بل تتم بطريقة انتقائية باستهدافها البعض وتركها للبعض الآخر، بحيث مازال العديد من الموظفين الكبار والضباط ذوي الرتب العالية وبعض مدراء الشركات لا يخضعون للقانون ولا يعاملون على قدم المساواة مع باقي المواطنين. وقد وصل التسيب إلى درجة أن المطار الدولي في العاصمة لاجوس، اكتسب قبل عقدين من الزمن سمعة سيئة بسبب اكتساح مدرجاته من قبل قطاع الطرق الذين يعترضون المسافرين ويسلبونهم أغراضهم، بل حتى ضباط الجمارك كانوا يبتزون المسافرين ويرفضون السماح لهم بالمرور إذا لم يدفعوا أموالًا مقابل ذلك، وهو ما دفع الولايات المتحدة إلى حظر الرحلات المباشرة من نيجيريا إلى أراضيها طيلة فترة التسعينيات بسبب فشل الحكومة في وضع حد لتجارة المخدرات. ورغم الإصلاحات التي أدخلتها الحكومة النيجيرية لاحقاً على أمن المطارات وتشددها في تفتيش الأمتعة والتأكد من عدم تمرير مواد محظورة، مازالت الصحافة النيجرية تشير إلى القوانين غير المفعّلة التي تهدد أمن المطارات وتثير العديد من المخاوف كما اتضح ذلك مؤخراً في قضية الطالب عمر فاروق عبد المطلب، الذي كاد أن يفجر طائرة متوجهة إلى الولايات المتحدة، هذه الحادثة دفعت العديد من الأصوات النيجيرية إلى التعبير عن انزعاجها من انعدام الأمن في البلاد، فقد عنونت إحدى الصحف المحلية افتتاحيتها قائلة "عبد المطلب: الرجل الذي جلب العار لنيجيريا"، وفي عنوان آخر "عبد المطلب: النيجيري الذي يعمل مع القاعدة"، وبالنسبة للجالية النيجيرية في الولايات المتحدة والتي يقدر عددها بمليون شخص فإنهم يشعرون بأن الحادثة لطخت سمعتهم التي ترتبط أصلا بتهريب المخدرات وجرائم الإنترنت. لكن رغم هذه المشاكل لست متشائماً، لأني مازالت أعتقد بأن إعادة تقييم ومراجعة أمن المطارات في نيجيريا قد يفتح النقاش واسعاً عن الحالة العامة في البلاد وما وصلته من وفساد، وربما يؤدي هذا النقاش إلى تمهيد الطريق أمام إحلال ديمقراطية حقيقية يتساوى فيه الرجال والنساء ويخضعون فيها للقانون نفسه دون تمييز، أو محاباة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©