الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فراغ المعونة الدولية

15 أكتوبر 2008 02:35
يفترض بعمال الإغاثة أن يكونوا الأشخاص الجيدين في العلاقات الدولية، فعملهم تحيط به هالة من الأخلاقيات، وهم يحاولون عمل ما هو جيد للناس، أو على الأقل، ألا يفعلوا ما هو ضار· إلا أن المعونة الدولية تستطيع إنتاج تناقضات في هذه المسألة؛ فمنذ أربعينيات القرن الماضي، قصد بأموال ''مارشال'' أن تدعم إعادة الإعمار للمدنيين في يوغسلافيا، إلا أنها استخدمت لتدمير معارضي نظام الرئيس ''تيتو''؛ كما مكّنت المعونة الدولية الفصائل المتحاربة -في تسعينيات القرن الماضي- بـأنغولا من تحويل مداخيلها النفطية والمعدنية باتجاه العمليات العسكرية، بينما قبع أكثر من مليونين من المواطنين في حالة جوع مزمن وانعدام الأمن والنزوح؛ أما في المناطق الفلسطينية المحتلة فقد تم إنفاق مبلغ 12 مليار دولار من المعونة الدولية عبر السنوات الخمس عشرة الماضية، ورغم ذلك ساءت أحوال الاقتصاد، وتعاني المؤسسات العامة المزيد من الانقسام والتشظي؛ وتبدو الدولة اليوم أبعد من أي وقت مضى· في هذا المضمون، يوجد نقاش دائر مفاده أن الواجب الأولي للمعونة الدولية هو تمويل الاحتلال الإسرائيلي، هنا أيضاً يمكن أن تغفر لخبراء المعونة ذوي الأهداف النبيلة لأنهم يفركون أيديهم، ويلجأون إلى نقاشات جاهزة حول عدم الانحياز والاحتياجات الملحة، ولاعتبارهم ''السياسة'' مرة أخرى عرضة للشك الخطير؛ إلا ان المعونة تحتاج للسياسة حتى تعمل بنجاح؛ ولتحقيق أفضل نتائج يتم تخصيصها لأهداف واضحة ضمن إطار سياسي متفق عليه· في المضمون الفلسطيني، كان الهدف الرئيسي دائماً دعم السلطة الوطنية الفلسطينية، وليس إسرائيل، لتنفيذ المسؤوليات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية في المناطق الخاضعة لحكم السلطة الوطنية كما هو متفق عليه في الإطار السياسي لاتفاقيات أوسلو؛ ومن الواضح أن الاستثمار كان باتجاه حل الدولتين وليس استمرار الاحتلال، ولكن مع تآكل أوسلو كإطار للمعونة الدولية، أصبحت مجالات التمييز هذه غير واضحة· بتعابير عملية، كان للعمل في فراغ سياسي نتائج مزعجة على الأرض؛ إلا أن ما يتسبب بأكبر قدر من القلق هو أن الفراغ السياسي أنتج اعتماداً متنامياً على آليات التمويل الطارئ التي تعمل خارج المؤسسات التي تعتبر مركزية لعملية بناء الدولة الفلسطينية نفسها، ويمكن رؤية ذلك في النمو السريع للبرامج المتعددة الوجوه في السنوات الأخيرة: بين الأعوام 2004 و ،2007 تضاعف حجم المناشدة السنوية الإنسانية للأمم المتحدة لفلسطين أكثر من مرة، وقد نمت القيمة الإجمالية لبرامج الأمم المتحدة من حوالي 430 مليون دولار عام 2006 إلى ما يقدر بـ 550 مليون دولار عام ،2008 وهو ما يمثل حوالي 30 بالمائة من ميزانية السلطة الفلسطينية السنوية· ليس هناك أي تساؤل حول كون الأمم المتحدة شريكاً تنفيذياً فاعلاً معتمداً، ولكن الأمر يتركنا نتساءل حول منطق بناء الدولة في تشجيع ميزانيات متعددة الوجوه وتركها تنمو بينما تتضاءل قاعدة دخل السلطة الفلسطينية نفسها بسرعة؛ ورغم أن معظم العاملين في مجال المعونة قد يقللون بصراحة من أهمية التدخل السياسي، إلا أنهم يدركون بصراحة الحاجة لسياسة حاسمة -بغض النظر عما إذا كانوا يتفقون معها أم لا- لإرشاد جهود المعونة؛ وإذا أخذنا بالاعتبار الشكوك العميقة السائدة، فإن ذلك لن يحدث بين ليلة وضحاها؛ ولكن في أثناء ذلك يتوجب على السياسيين الأجانب الذين يقدمون كميات ضخمة من الأموال أنهم لا يديرون أزمة صعبة فقط؛ فالأثر بعيد الأمد لاقتصاد تسيطر عليه المعونات، هو تفكيك العلاقات المتبادلة بين القادة والمواطن العادي، حيث يجري تخفيف مستوى مساءلة القادة لأن قرارات الإنفاق الأساسية تتم في عواصم بعيدة؛ ولعدم قدرتهم على التأثير على هذه القرارات فإن الناس العاديين يصبحون مهمّشين وأقل حظاً ويشعرون كاللاجئين وليس كمواطنين محتملين في دولة جديدة· إذا تعمق هذا الصدع فسوف يكون من الصعب التغلب عليه؛ لقد أثبتت سنوات ما بعد أوسلو أنه في غياب منطق سياسي راسخ لا يمكن للمعونة أن تقدم أكثر من نتائج متضاءلة عبر الزمن· ألكساندر كوستي متخصص في نزاعات أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''كومن جراوند الإخبارية''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©