الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاقتصاد الروسي وأزمة المال العالمية

الاقتصاد الروسي وأزمة المال العالمية
15 أكتوبر 2008 02:32
تعرضت سوق الأسهم الروسية خلال الأسابيع الأخيرة إلى هزات عنيفة، دفعت المسؤولين الماليين إلى إغلاقها أكثر من مرة تفادياً للمزيد من الخسائر إلى درجة بدت معها روسيا -التي تتطلع لتصبح مركزاً مالياً- مجرد بلد آخر يعاني من صعوبات يعجز عن مواجهتها؛ وبدا أيضاً أن الطبقة المتنفعة من علاقاتها الوثيقة مع الكريملن والتي أذهلت العالم في وقت من الأوقات بثروتها الهائلة تعيش اليوم أصعب اللحظات مع انكماش تلك الثروات وتراجع سوق الأسهم إلى أدنى مستويات لها منذ عقود، وهو ما يهدد بالتأثير على تركة فلاديمير بوتين التي حاول تكريسها طيلة السنوات الماضية وساهمت في تعزيز النمو والاستقرار وأحيت مشاعر الفخر الروسي القديم؛ وفيما كانت الأزمة المالية تنتشر غرباً وشرقاً في العالم كانت روسيا أولى الدول المتأثرة بتداعياتها، حيث تلاشى مبلغ تريليون دولار من سوق الأسهم ما دفع بالحكومة إلى تبني خطة إنقاذ حاسمة لدعم البنوك وتجنب الأسوأ؛ وتهدد الأزمة الحالية بإلحاق ضرر بالغ بالاقتصاد الروسي بعدما حقق مكاسب مهمة خلال العقد الأخير أعطت الفرصة للكثير من الروس بتذوق بعض ما كان يتمتع به المواطنون في الغرب لفترة طويلة· ولحد الآن لم تنتقل الأزمة إلى المواطن الروسي العادي وظلت أضرارها محصورة في النخبة المتنفذة، إذ رغم الهبوط الحاد في سوق الأسهم الروسية وتراجع قيمتها إلى الثلثين، متجاوزة بذلك الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، لم تنشأ في البلاد بعد طبقة واسعة من المستثمرين في البورصة، كما أن أغلب الناس لم يضعوا مدخراتهم في سوق الأسهم، وبالتالي ظلوا بمنأى عن الهزة العنيفة التي شهدتها الأسواق المالية في الفترة الأخيرة؛ وحتى في الوقت الذي بلغت فيه سوق الأسهم ذروتها وارتفع حجم تداولاتها إلى 1,5 تريليون دولار لتصبح إحدى أكبر البورصات العالمية، لم تجتذب سوى قاعدة ضيقة من المستثمرين، حيث سيطرت عليها أموال رجال الأعمال الروس والأجانب الذين ما إن لاحت بوادر الأزمة حتى سارعوا إلى الفرار وإنقاذ أموالهم· وقد سعى الكريملن إلى احتواء الأزمة عبر دفع المحطات التلفزيونية الرئيسية إلى التقليل من حدتها، أو حتى تجاهل انهيار سوق الأسهم في روسيا والتركيز بدلا من ذلك على المشاكل التي تواجه سوق الأسهم الأميركية والأوروبية؛ والحقيقة أن التراجع الكبير لبورصة موسكو يؤشر على تشاؤم كبير يجتاح المستثمرين حول مستقبل الاقتصاد والقيادة الحكومية في أوقات الأزمة؛ فرغم ما حققه الاقتصاد الروسي في السنوات الأخيرة من نمو مطرد بفضل العوائد الكبيرة للنفط والغاز الطبيعي، إلا أنه عجز في الوقت نفسه عن تنويع قاعدته وظل مرتبطاً بالطاقة، كما أنه فشل في تحديث البنية التحتية المتهالكة من طرق وشبكة الكهرباء وإسكان وغيرها· وجاء الاجتياح الروسي لجورجيا والتصور السائد بأن الكريملن يتدخل في شؤون الشركات الكبرى، فضلا عن تفشي الفساد ليزيد من مخاوف المستثمرين، وهو ما يفسر ربما سبب تراجع سوق الأسهم الروسية أكثر من غيرها في الاقتصادات الناشئة مثل البرازيل؛ ومع أن روسيا وضعت أموالا هائلة في صناديق خاصة للطورئ وصلت إلى 190 مليار دولار، يبقى الخوف من ألا تكفي تلك الأموال على المدى القصير لإخراج المؤسسات المالية من أزمتها؛ ويرى ''كريستوفر ويفر'' -كبير الاستراتيجيين في بنك أورالسيب الروسي- أن ''الانخفاض الحاد في السوق المالي الروسي يؤشر على الأعطاب التي يعاني منها الاقتصاد؛ فخلال الثماني سنوات بلغت العائدات الروسية من النفط والغاز الطبيعي 1,3 تريليون دولار، لكن مع ذلك لم تتمكن تلك الأموال من إنعاش البنية التحتية، حيث ظلت البيروقراطية والفساد أهم العوائل التي عرقلت المسيرة الاقتصادية، وهي مشكلة تنعكس على الأسواق المالية''؛ الأكثر من ذلك أن المواطن العادي الروسي وإن كان قد ظل في المرحلة الراهنة بمعزل عن المخاوف التي سيطرت على الأميركيين بعد تراجع مدخراتهم، فإنه من المرجح أن تبدأ الأزمة المالية في الانعكاس سلباً على المواطن في الفترة القادمة، إذ من المحتمل أن تلجأ الشركات الكبرى مثل ''جازبروم'' بتأثير من خسارتها لقيمتها السوقية إلى تسريح عمالها والحد من التوظيف· التهديد الآخر الذي يحدق بروسيا في ظل الأزمة المالية الحالية هو تراجع أسعار النفط والغاز والمواد الأولية الأخرى التي تشكل قاعدة أساسية للاقتصاد الروسي، فإذا تسببت الأزمة المالية في ركود الاقتصادات الغربية وانخفاض الطلب على الطاقة فلا شك أن الحكومة والصناعات الروسية ستعاني من نقص حاد في مواردها؛ ولو تدنى سعر برميل النفط دون 78 دولارا الذي أقفلت عليه سوق الطاقة يوم الجمعة الماضي، وهو سعر يفوق بقليل ما حدده الكريملن للاستمرار في معدل النفقات الحالي، فإن الحكومة الروسية ستعاني من عجز كبير في الموازنة؛ وفي هذا الإطار يقول ''إدوارد باركر'' -المحلل في إحدى شركات الأسهم- ''سيستغرق الأمر بعض الوقت قبل انتقال الأزمة إلى الشارع الروسي، فبعد فشل البنوك والشركات سنشهد ارتفاعاً في معدل البطالة وتراجع الأجور''؛ وتصدياً للتداعيات المؤلمة للأزمة المالية كشف الكريملن عن مجموعة من الخطط لدعم الاقتصاد أهمها اللجوء إلى الاحتياطات المالية، كما سعى رئس الوزراء الحالي والرئيس السابق ''فلاديمير بوتين''، إلى تهدئة المخاوف من خلال الترويج لصورته كبطل للجيدو في محاولة لتعزيز الثقة في الاقتصاد والتعالي عن التحذيرات؛ ورغم زحف الأزمة على الاقتصاد الروسي مازال ''بوتين'' وخليفته ''ميدفيديف'' يحظيان بشعبية واسعة مادامت التداعيات لم تصل بعد إلى المواطن العادي عكس الأزمة السابقة في العام 1998 عندما عجزت الحكومة عن تسديد ديونها وانهارت العملة الروسية لتتبخر مدخرات المواطنين· كليفورد ليفي-موسكو ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''نيويورك تايمز''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©