الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أفلام محلية قصيرة تسترجع براءة الماضي وقلق الحاضر

أفلام محلية قصيرة تسترجع براءة الماضي وقلق الحاضر
15 أكتوبر 2008 01:00
ضمن فعاليات الدورة الثانية لمهرجان الشرق الأوسط السينمائي عرضت مساء أمس الأول بقاعة السيني ستار في مركز المارينا مول بأبوظبي مجموعة من الأفلام الإماراتية القصيرة الداخلة في المسابقة الرسمية لبرنامج مسابقة أفلام من الإمارات، وهي الأفلام التي حملت العناوين التالية : ''ريحان'' من إخرج وتأليف طلال محمود، و''دعاء'' تأليف مشترك بين عمر إبراهيم ومحمد الحمادي ومن إخراج عمر إبراهيم، و''شيء ما'' من تأليف أحمد زين وإخراج هناء الشاطري، واخيرا ''البعو'' من تأليف وإخراج أحمد زين، وهي أفلام إتكأت جل مواضيعها ومناخاتها على الزمن الماضي كمنفذ للتعبير عن فضاءات مفتقدة، وحياة ما زال يرن صداها في ذاكرات جيل أخذته الأيام إلى منتهاها، وناقشت الأفلام الأخرى إشكاليات العيش والتصادم مع الزمن الحاضر بكل هواجسه وقلقه المؤدي إلى وساوس وشروخ نفسية مزمنة· التالي قراءة في بعض الأفلام المعروضة في البرنامج: دعاء: هواجس الطفولة وزلاّتها يتميز المخرج الإماراتي الشاب عمر إبراهيم بميل واضح للمسك بتفاصيل الصورة السينمائية، والتعامل معها كمعطى بصري يترجم الأحاسيس الداخلية لشخصيات الفيلم، وبدا هذا الميل أكثر نضجا في فيلمه الأخير ''دعاء'' المشغول بدقـــة وشفافيــة تعــوض قصــر مـدة الفيلــم (عشر دقائق فقط)، وتبوح بإمكانيات العمل الروائي القصير المكتنز والمكثف، والذي لا يمكن التعامل مع حدوده الزمنية الضيقة بسهولة ويسر، وهنا أيضا تتوضح موهبة المخرج عمر إبراهيم في استغلال أقصى طاقات السيناريو والقصة للولوج إلى عالم بصري يلم بأدق التفاصيل وأكثرها ارتباطا بجماليات الصورة السينمائية· يتناول الفيلم قصة طفل يذهب مع والده إلى المسجد في أول تجربة شخصية له، حيث نرى جد الطفل العاجز وهو محمول على ظهر الأب، والطفل يرافقهما في الحواري والدروب الضيقة للبيوت القديمة، وفي زمن يبدو متقاطعا مع طفولة وذاكرة المخرج نفسه، هذا الطريق سوف يمهد لمغامرة غامضة ومقفلة بالنسبة لطفل اعتاد على حريته الطاغية والمفتوحة على عالم من المشاكسة واللعب بلا حساب، يعتقد الطفل في داخله إن حدود طفولته الفاتنة سوف تنتهي عند باب المسجد، وتكبر هذه المخاوف عندما يرى الجدية الواضحة على ملامح والده وملامح القادمين إلى المكان، والمتأهبين لممارسة طقس ديني لم يختبره الطفل سابقا، وفي المسجد تدور كاميرا (عمر إبراهيم) وكأنها تجوس في معبد سري ومغلق، ولكن سرعان ما يتلاشى هذا الإحساس بالحصر والهيبة المخيفة، عندما يتحول الطفل بكل براءته وشغبه المختزن إلى محور الصورة ومرتكزها الأساس، وهنا أيضا يستيقظ مارد اللعب والمشاكسة في دواخل الطفل، ويظل يفصح طوال الفيلم عن تحليلات واكتشافات جديدة مدهشة بالنسبة له، كما أنه يرمي بتعليقات ساخرة على معظم المصلين الذين يعرفهم من خلال مونولوج داخلي صريح وكاشف، ابتداء من والده الذي لم يعتد على رؤيته بهذا الخشوع والصمت، فيسترجع صورته في المنزل وعراكه الدائم والشرس مع الأم، كما يعقد مقارنات بين وضع المصلين في المسجد وبين وضعهم في الخارج، يقترب الفيلم كثيرا من الحالة التي مررنا بها جميعا في طفولتنا، عندما يضيع التمييز بين ما هو ما مقدس وما هو عبثي، وبين ما هو واجب الديني في دور العبادة وبين النداء السحري لملاعب الطفولة، وكان للمونتاج القارئ لتفاصيل الحالة النفسية ، والذي نفذه المونتير المبدع خالد الرايحي، دورا في ترجمة ونقل الحالة الشعورية للطفل، وما يتماوج فيها من رغبة في الانفتاح على الخارج بمقابل الخوف المنتظر من عقاب الأب، وعندما يصعد الطفل في نهاية الفيلم إلى مئذنة المسجد يدعو الله وبكل براءة كي يذهب إلى الجنة ويتزوج من الحور العين، بدلا من الإرتباط بابنة خالته التي لا يطيقها !، وفي قطع نهائي وموفق تنتقل الكاميرا من الجو المهيب والمغلق للمسجد إلى شاطئ البحر حيث الفتيات الصغيرات يلعبن بالمراجيح أمام خلفية مطبوعة بلون الغروب، فتتصاعد زفرة الحلم إلى منتهاها مع لقطة الختام هذه، وتتحول رغبات الطفل إلى قصيدة حنين وذاكرات، تعطّر شاشة الفيلم بأكمله! شئ ما: وساوس خفية في فيلم ''شئ ما'' للمخرجة الشابة هناء الشاطري وفي أولى أعمالها السينمائية يغلب صوت الحاضر على البنية الفنية والحكائية للفيلم، ولأن لا صوت يعلو على الصوت الإنساني الداخلي الغامض والملئ بالهواجس والأسرار، فإن المخرجة تختار تنفيذ الفيلم من دون حوارات كي تستدرج المشاهد إلى منطقة الصمت والغموض الكاشف عن نفسه بتمهل مع مرور زمن الفيلم، يبدأ تعامل الفيلم مع المكان من خلال مطعم يدخله شاب يبدو مضطربا نوعا ما (يقوم بدور الشاب خالد المحمود)، ينظر الشاب بارتياب إلى الشوكة والسكين على الطاولة، وسرعان ما يتناول الطعام بيده، ويتم قطع المشهد على الشاب ذاته وهو يدخل محلا للحلاقة وبيده حقيبة تحتوي على معدات الحلاقة التي تخصه، ونكتشف تدريجيا أن الشاب يعاني من وسواس قهري يجعله يشك في نظافة الأشياء المحيطة به، ويتوضح هذا المرض النفسي بقوة عندما يصافحه أصدقاؤه في (المول) فيهرب إلى أقرب دورة مياه ويغتسل من أثر هذه المصافحة، وفي نهاية الفيلم نرى الشاب ممدا على سرير الطبيب النفسي ويشرح له معاناته دون أن نستمع لصوته· أرادت المخرجة هناء الشاطري من خلال مشاهد مكثفة وقصيرة نقل تجربة ومعاناة المصابين بمرض الوسواس القهري، وكان أسلوبها السهل الممتنع وسيلة للدخول إلى الجانب المعتم لهذا المرض والمنعكس على سلوكيات ضحاياه الكثيرين، والذين نراهم بيننا، ولا نستشعر حجم الآلام الدفينة والقابعة في أعماقهم، فيلم ''شئ ما'' خال من الاستعراض البصري والشرح المباشر والأسلوب التعليمي في نقل مضامين الفيلم للمتفرج، وبالتالي فهو وعلى بساطته يقول ما يريده وبأقل كلفة فنية ممكنة· البعو: صوت العذابات القديمة تعني كلمة (البعو) في اللهجة المحلية قوقعة البحر، ومن خلال هذه الثيمة الشعبية التي تزخرف ملامح الماضي، يحاول الفيلم أن ينسج خيوطه السردية وانتقالاته المشهدية إلى منطقة قديمة تحاذي البحر وتتواصل مع معاناة شاب فقد والده (النوخذا) في رحلة غوص (يقوم بدور الشاب الفنان نواف الجناحي)، وصار لزاما عليه تعويض هذا الغياب وامتهان مهنة الغوص، خصوصا وأن هذا الفعل يمثل الشرط الأساسي للزواج بمن يحب، ولكن الخوف الدفين من تكرار الحادثة يضع الشاب في منطقة الخوف والتردد، ورغم أن سيناريو الفيلم لم يركز على تبعات هذا الإحساس وانعكاساته على أهل القرية، إلا أن المخرج حاول تعويض ذلك من خلال حوارات الأب المصر على ذهاب الشاب إلى رحلة الغوص، حتى يظفر بالزواج من ابنته، يذهب الفيلم في خط سردي وأفقي واضح المعالم، ويركز على حالة العشق المبتورة التي تلون أفق العلاقة بين الشاب والفتاة (تقوم بدورها الفنانة فيّ )، وذلك من خلال عقد القواقع البحرية التي يعلقها الشاب على نافذة الفتاة كما لو كان يعلق مصير علاقتهما القادمة على هاوية الخوف والرجاء، ومع إصرار الأب على شرطه وبتشجيع من صديقه يقرر الشاب دخول البحر، وهناك يتكرر السيناريو المفجع الذي لحق بوالده، فيغيب في ظلمة الموت التي سحبت معها كل آمال الفتاة والحي بأكمله في عودة الشاب إلى اليابسة، حاول الفيلم أن ينقل صوت وصورة العذابات المنسية في زمن ولى، وأخذ معه كل التفاصيل الخفية والمسكوت عنها، وعاب على الفيلم اعتماده على لقطات أرشيفية وتلفزيونية لرحلات الغوص، وكان الأجدر بالمخرج أن يستغني عن هذه اللقطات حتى لا يربك الإيقاع البصري العام للفيلم، وكان واضحا غياب السينوغرافيا المعبرة عن بيئة القرية الساحلية ومتطلبات رحلة الغوص، وضمور الأداء الداخلي للممثلين إلا في بعض المشاهد القليلة للفنانين نواف الجناحي وعبدالرحمن الزرعوني في دور الأب·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©