الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

علي المطروشي: هكذا كان أهل الإمارات يتاجرون

علي المطروشي: هكذا كان أهل الإمارات يتاجرون
11 يوليو 2010 20:04
يمثل الباحث الإماراتي علي محمد راشد المطروشي مدير متحف عجمان، أحد أبرز الوجوه الثقافية الفاعلة في الساحة المحلية التي لعبت دوراً بارزاً في ترسيخ الموروث الإماراتي، والإسهام في حفظه من الاندثار والضياع، وبخاصة فيما يتعلق بالموروث الشفهي والذاكرة الشعبية التي تختزن الكثير من عبق تفاصيل الذاكرة الإماراتية المحلية، وعلى وجه الخصوص في فترة ما قبل الطفرة النفطية، وقيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة. يبدأ المطروشي حديثه قائلاً: «تضم دولة الإمارات العربية أربع بيئات لكل منها طابعها المميز وهي البيئة البحرية والبيئة الصحراوية والبيئة الجبلية وبيئة الواحات الزراعية، ولكل منها نشاطها الاقتصادي المميز، فمدن الإمارات تعتبر مدنا بحرية نشأت على ساحل البحر بسبب ارتباط النشاط الاقتصادي بالبحر عبر صيد الأسماك واستخراج اللؤلؤ واستخراج حجارة البحر المرجانية لأغراض البناء، إضافة إلى كونه مجالاً للسفر البحري عبر السفن نحو البلدان الأخرى. تجارة العواصم السبع يضيف محدثنا: اشتغل أهل البيئات الثلاث غير البحرية، وهم أهل الزراعة والصحراء والجبال، الذين كانوا يأتون إلى المدن الساحلية التي كانت تعرف بعواصم الإمارات السبع من أجل التسوق قبل قيام الاتحاد، بالتجارة الداخلية، حيث كانت تتوفر في المدن البضائع التي يحتاجون إليها كالملابس والسلاح والأثاث والأدوات الحديدية والمواد الغذائية المستوردة من خارج البلاد. الحيور والقرى الزراعية الجبلية ويتابع الراوي: كان أهل الحيور أو القرى الزراعية مثل «مسافي ومصفوت وحتا ووادي الحلو والحويلات والمنيعي ووداي طيبة»، بالزراعة نظرا لوجود التربة الخصبة ووفرة المياه، وقد كانت أهم منتجات (الحيور) هي الرطب والتمور المنتجات المصنوعة من النخلة والحمضيات مثل (الليمون والشخاخ والاترنج) والفاكهة كالمانجو والجوافة و(الفندال) والتبغ (الغليون) والعسل والسمن البلدي، حيث يتم نقل هذه المنتجات عن طريق الدواب كالحمير والجمال إلى المدن الرئيسية في رحلة تستمر لثلاثة أيام تقريباً، وتكون محفوفة بالمخاطر بسبب قطاع الطرق. ويمتلك كثير من أهل الساحل مزارع نخيل في الحيور، حيث يذهبون إليها صيفاً في فترة (المقيظ) ويقيمون فيها للاصطياف، كما أن الكثير من العائلات تذهب للمصيف في تلك القرى لتستأجر عريشا تم بناؤه من قبل مالك المزرعة، حيث تنتقل العائلات على ظهور الجمال بعد الاتفاق مع البدوي ليحضر لهم عدداً معيناً من الجمال، ليأخذهم لتلك المناطق الزراعية، عندما يكون غالبية الرجال غائبين في موسم الغوص الذي يستمر أكثر من ثلاثة أشهر، وعندما يقومون باستئجار العريش يحجزون أو (يجزمون بالعامية) عدداً من النخلات ليجنوا ثمارها واستهلاكها طوال فترة إقامتهم، وتحويل الباقي إلى تمور يعودون بها إلى البلاد. وتستمر الإقامة في المقيظ لمدة شهرين يتم خلالها زيارة العائلات، ومع انتهاء الموسم يعودون إلى مدنهم مع انتهاء الصيف حاملين معهم منتجات النخلة من تمور وخوص وحصر ومهفات، حيث يستقبلهم الناس صغارا وكبارا لدى عودتهم عندما (تمرح الإبل) أي تبرك على الأرض لإنزال راكبيها وحمولاتهم، حيث يكون الجيران في استقبالهم وهم محملون بالهدايا، وقد كان بعض المصطافين خاصة إذا ما كانوا من التجار يحضرون معهم (تجارة) إذا كانوا يمتلكون دكانا في منزل، وتلك المنتجات عبارة عن جذوع النخل و(السيم) أو الحصر الكبيرة التي تستعمل للتسقيف وهي تنقل بحرا في الأساس عبر مضيق هرمز، قادمة من الباطنة أو الفجيرة أو كلباء، حيث يتم استقبالهم في الخور، ويتم انزال الحمولة في بيت أو مخزن التاجر للمتاجرة بها. العين سيدة الواحات الزراعية تعتبر واحة العين أكبر واحات الإمارات، وقد كانت مصيفا لأهل أبوظبي وبعض شيوخ أبوظبي الذين كانوا يقيمون فيها، وقد كانت واحة العين تشكل سبع واحات متفرقة ثم اشتبكت تلك المناطق وتداخلت نظرا لاتساع العمران، فأصبحت مدينة كبيرة هي اليوم مدينة العين، وكان أهل العين يأتون إلى دبي في قوافل جمال في عملية (المكدة) وهي عبارة نقل وتسويق منتجات واحة العين في مدينة دبي، مثل الفحم النباتي والتمور والسمن البلدي والعسل، وتستغرق الرحلة ذهابا وإيابا خمسة عشر يوما، حيث يتم شراء الأسلحة والملابس والعطور وكل وسائل الترف التي كانت تجلب من المدينة، والتي أتت بدورها من مدن أجنبية عن طريق البحر. الغليون جوهرة الزراعة الجبلية تنتشر زراعة التبغ في (الحيور) والقرى، حيث كان التبغ يشكل مصدراً من أهم مصادر الثروة للمزارعين في القرى الجبلية، وقد اشتهرت بذلك كل من قرية (المنيعي) وقرية (الحويلات) و(وادي الحلو) بزراعة التبغ الذي كان يسمى (الغليون) حيث كان لفظ (الغليون) يطلق على نبات التبغ نفسه. ويضيف المطروشي: كانت زراعة التبغ تتطلب نفقات كبيرة نظرا للحاجة لتسميده (بالعومة أو الجاشع) وهي عبارة أسماك صغيرة مجففة تشترى من الصيادين في المدن الساحلية كساحل الباطنة وكلباء والفجيرة، وعملية زراعة الغليون تتم عبر عدة مراحل، حيث كانت تنثر البذور في البداية بالقرب من حواف الأودية، وما أن تنبت وتورق يتم نقلها إلى أحواض زراعية كبيرة، ويتم إعادة زراعة النبتات بترك مسافات كافية فيما بينها لتنتشر أوراقها الكبيرة فيما بعد، وتستغرق هذه العملية عدة أشهر ريثما يكتمل نموها وتجف ليتم نقلها بعد ذلك إلى العرائش لتجفف ويتم تحويلها إلى ربطات تمهيدا لتصديرها. وقد اكتشف تجار أهل البحرين والقطيف في السعودية جودة (غليون المنيعي والحيور) فصاروا يأتون عبر البحر قبل بدء الموسم للاتفاق مع مزراعي الغليون وتمويلهم مسبقا، ليتمكنوا من الإنفاق على زراعتهم، وبعد انتهاء الموسم يأتي هؤلاء التجار لمعاينة الإنتاج ونقله على الدواب لموانئ الساحل الشرقي من الإمارات، وهو الساحل المطل على خليج عمان تمهيدا لنقله بالسفن إلى البحرين والمنطقة الشرقية بالسعودية. كان التجار الخليجيون يسعون إلى كسب مزارعي الغليون فيغرقونهم بالهدايا ليضمنوا ولاءهم وإعطاءهم الأولوية في شراء المحصول الجيد، وكانت تلك الهدايا عبارة عن (الزوالي/السجاد) وقطع القماش، أو أي من المنتجات الفاخرة التي كانت مشهورة في سوق اللؤلؤ وسوق الذهب. منتجات البادية تملأ المدن كانت قبائل البدو تعيش على رعي الإبل والماعز وتنتقل وراء العشب والكلأ، وكان البدو يتاجرون بمنتجاتهم مع أهل المدن، إذ كانوا يجلبون الحطب للوقود وبخاصة (السَمُرْ)، كما يجلبون (الحشيش المجفف/أي الحشائش) كعلف للحيوانات، حيث كانت تسمى حزمة الحشيش (البطيحة) بينما تسمى حمولة الحطب (حزمة). كما كانوا ينتجون الفحم النباتي عن طريق حرق الأشجار وبخاصة (السَمُرْ) الذي يعتبر أجود الأنواع، كما كانوا يجلبون منتجات الصوف والسدو ويبيعون (الأقط/ اليقط) وهو عبارة عن كرات اللبن المجففة، كما كانوا يتاجرون بالنقل البري على ظهور إبلهم ويشترون من المدن كل ما يحتاجون إليه من مواد غذائية وملابس وأوان وأسلحة. المالح سيد المناطق الجبلية الساحلية وهي المناطق المتمثلة بشمال رأس الخيمة، التي اشتهرت بإنتاج (المالح/السمك المملح) بكميات كبيرة يتم تصديرها إلى المدن الساحلية، فقد أقام أهل تلك المناطق مثل (شعم والرمس وخور خوير وغليلة) بركا حجرية كبيرة محفورة في باطن الأرض، ومبطنة بالحجارة لتكون بمثابة مخازن لآلاف الأسماك المملحة، وكانوا يقومون بشراء كميات كبيرة من الملح سمك (القباب والصدى والكنعد) وهي أهم الأنواع التي يصنع منها السمك المالح، وكان هؤلاء يشترون من الصيادين الذين يصطادون في الشتاء، حيث يكثر الصيد بواسطة الشباك عند قدوم الأسراب الكبيرة، ويتولى الإشراف على هذه الصناعة فريق كبير من العاملين، حيث يقوم أصحاب البرك باستئجار فرق تتكون من أناس يقومون بعملية عد مئات الأسماك التي يتم شراؤها ونقلها إلى السيف، وفريق لفرش الحصر، وفريق آخر لتشريح وتمليح الأسماك، وقد كانوا يجلبون الملح من مقالع الملح في بعض الجزر الإيرانية، حيث يتم تشريح السمكة على هيئة كتاب مفتوح، ثم ينزع عنها العظم والرأس، وبعد تمليحها توضع طبقة من الأسماك داخل قعر البرك، وتضاف فوقها طبقة من الحجارة لضغطها، ثم تضاف طبقة أخرى من الأسماك وطبقة أخرى من الحجارة وهكذا دواليك، ومع الضغط وتشرب الملح، تفقد أجسام الأسماك ماءها الذي يغمرها ويطلق عليه اسم (الصرابي)، ولا بد أن يمر عليه أربعون يوما قبل استهلاكه، ويأتي تجار من الإمارات الأخرى لشراء كميات من المالح لتسويقه في تلك المدن، حيث يستهلكه الأهالي في الأوقات التي لا يتوفر فيها الصيد الطازج، وهناك منتجات أخرى يتم تصديرها إلى المدن الساحلية، فمن بين أهم منتجات منطقة شمال رأس الخيمة (المالح واليوبَل) وهو السمك المشرح والمجفف، إضافة إلى الأغنام والأواني الفخارية والحصائر وشتلات اللوز (البيذام) والبصل و(السقْـب/ التين الجبلي) والجبن وحجارة القبور. المطروشي في لمحات ? ولد في إمارة عجمان عام 1964م. ? حاصل على بكالوريوس في الآداب، قسم التاريخ من جامـعة الإمارات عام 1989م. ? قام بتدريس مادة التاريخ خلال الفترة من 1989-1993م. ? شغل منصب مدير متحف عجمان منذ عام 1993م حتى اليوم. ? عضو مجلس إدارة النادي الوطني للثقافة والفنون بعجمان ? باحث ومحاضر في التراث والتاريخ المحلي والإسلامي. ? له العديد من البحوث والدراسات المطبوعة: من بينها «عناقيد ثقافية»، و»المواهب اللطيفة في الأنساب الشريفة»، و«مدارس الكتاتيب في إمارة عجمان قبل قيام الاتحاد»، ومعه دراسة حول «تاريخ المكتبات في عجمان قبل قيام الاتحاد».
المصدر: عجمان
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©