السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فرحي ولادة تفاجئ.. وإزهار حياة

فرحي ولادة تفاجئ.. وإزهار حياة
4 مايو 2011 19:33
شعر: ألبيرتو فيليز ترجمة: جهاد هديب يُنظر إلى الشاعر الكولومبي ألبرتو فيليز (1957) على أنه شاعر “غريب”؛ سواء لجهة منجزه الشعري أم لطبيعة شخصه التي لا تخلو من غرابة أطوار. ويوصف بأنه تقليدي على مستوى الشكل الشعري، ومحافظ على مستوى السلوك الشخصي. إلى ذلك، فهو قارئ أمين ومخلص للعصر الذهبي الأدبي الناطق بالاسبانية، ومنافح بشدة ضد بعض الحركات الطليعية التجريبية في القرن العشرين. لذلك فإن العارفين بألبيرتو فيليز يرون أنه لابدّ من الفصل بين شخصيته، المتحفظة والانطوائية، وأعماله المطبوعة. فيرى البعض فيه واحداً من الشعراء النادرين الذين يرون في العزلة والتحفظ كمالا تقليديا لأغلب الأشكال الأخلاقية احتراما للشعر، الذي غالبا ما يصل إليه – أي الشعر – بجرعة من ألَمٍ وحبٍّ يخصان الشك والاشتباه وأيضا العرفان بالجميل: “أعيش حربا عقيمة ضد العالم، إنني دائما منتصر عادي”، هكذا يكتُب فيليز في قصيدة “الشخص الراكب إثما” من كتابه “من أجل نسيان بقلب”. ولعل في هذا ما يفسّر تلك الندرة في أعماله المطبوعة، إذ لم يُصدِر حتى العام 2011 سوى ثلاث مجموعات شعرية، فهو يعيد النظر دائما في اشتغاله الشعري من فرط الشك والارتياب في المنجز، مثلما أنه قد يفسّر جانبا من طبيعة شخصيته، هو الذي عمل محاميا لأكثر من عشرين عاما ثم اعتزل. وعلى الرغم من رغبته الشخصية الأبدية في العزلة وميله إلى نوع من التأملية اليقينية ذات المسحة الدينية المسيحية، فإن المرء يلمس في أغلب قصائد أعماله المطبوعة مقاومة شديدة للتحفظ والحياء والحياة الانطوائية. وفي الواقع فإن الشاعر ألبيرتو فيليز يُناوِبُ دون صراع بين عجائب المخلوقات وما يتجلّى ويظهر (وفقا للمعنى الديني للتجلّي والظهور) من جهة وبين الأُخرويات (أحد فروع علم اللاهوت) والقُدّاس الموزون والمفتوح للكون الكلّي، وفقا لما هو عليه شعره في الدرس النقدي الأدبي. وربما ينبغي لفت الانتباه إلى أن القول الشعري لدى فيليز ليس سرديا خطيا يقول شيئا ما عن شيء ما، بل إنه بلا حماسة من صاحبه أقرب ما يكون إلى اقتطاعات تخييلية قد تبدو أحيانا لا رابط بينها، غير أنها في جوهرها العميق، تبدو القصيدة كما لو أنها باقة من الصور الشعرية المتتالية وليدة دأب وتأنٍّ استثنائيين حقا.. هنا.. قصائد لألبيرتو فيليز. شجرة الغوامو يتكسّرُ فجرٌ يغنّي طائرٌ أسود على شجرة الغوامو المستحمة بالندى مذاقُ وقتٍ في ذلك الصوت وفي تلك الريشات ثمة حريقٌ دون أنْ تصير رماداً يصحو العالمُ إلى مهامه العادية، وبحماسة يصرُّ على أنْ لا يسقط في غفلة. محاولةٌ رديئةٌ سوف يغادرُ الفمُ المفترسُ بلا عظام متَّسخة. أيضا، ما من أحد بوسعه أنْ يُنكرَ جمال تفتَّحِ النهار في ضبابٍ خفيفٍ رطوبةٌ فضوء.. قُبلةٌ ثمّ افتراق أطفالٌ ينهضون إلى ألعابهم خوارُ أبقارٍ يملأ الاسطبلات ببهجةٍ رجالٌ ونساءٌ يضعون نهايةً لمعاركهم في الحبّ والطائرُ الأسودُ يغنّي على شجرة الغوامو المستحمّةِ بالندى. يرى قلبي ذلك كلَّه من حلمٍ. أعلمُ أنني لسْتُ حتى طائراً أسودَ ولا صباحا يتفتّحُ، لكنّ وقتاً هو كلُّ شيء. إنّه يصل بيننا عبر افتراقاتنا. فرحي هو فرحُ ولادةٍ تفاجئ؛ هو إزهارُ حياة. وطالما أنّ ذلك سرٌّ مباحٌ لنا فهو ليس بأمر ذي بال، وذلك، يقيناً، قلبُ كينونةٍ مشؤومةٍ؛ قلبٌ دون زمانِ خُلودٍ. بورتريه إنها وحدها فحسب. تمسِّدُ وجهها بيدٍ باردةٍ، وتغتصب ابتسامةً. ما السأم؟ كم هي ثقيلةٌ الساعات على ظهرها! إنّها تطوِّقُها، فتتخذ من جسدها الذي يرتعد ملتجأً. وليس هذا بإيثارٍ للعزلة، هي خائفةٌ غير أنّ صِداماتٍ ضروريةٍ غيرِ متوقعةٍ تهتدي إليها بسبب ارتعاشةٍ في يدَيْها؛ ولضَحِكِها ونِكاتها؛ ورأيِها. تودُّ كثيرا أنْ تكون على قيدِ الحياة.. إنّما ليس بوسعها. يوما في إثر يومٍ، يلتهمُ العملُ يديْها يسحقُ عظامها إنْ أمكَنَ لها الطيران، تغلقُ عينيها تأوي إلى مطرٍ، أو ريحٍ؛ إلى الطفلةِ ثانيةً. لكنّها وحدها فحسب.. ولا تحلم. سأمٌ يتهدّلُ أسفل وجنتيها ويغمرها، ويغورُ بها في نشيجٍ أجشٍّ يعرّي عريَها. بورتريه امرأة لا تأملُ بشيءٍ ربما بميتةٍ آمنةٍ - أو حتّى هذه فلا - لأنّ قيداً غريباً عن صدرها؛ عنها؛ عن كلِّ شيءٍ يحدث ما بين العواصف. طَعَنها حُبٌّ، سملَ عينيها، لكنْ صدَّتْ هجوماته ثم عاشتْ، وثابرت على النظر، يوما بعد يومٍ، جاء ضوءٌ عبر نافذتها. IX العُريُ كلُّه سفينةٌ غارقةٌ: تغادرَ، أنتَ، أرضاً فتسقطَ في بلدٍ دون حدود الجسدُ الآخر هناك، كي تمسّه وتمتلكه لكنّه دائما غريب. غُصْنا في اللحمِ مثلَ كلابٍ بعدما أوقعتْ بطريدةٍ هي الأقوى والأسرعُ، والأكثرُ مكراً. نحن أيضا طرائد تَعَرّيْنا ونظرنا، بأعينٍ تتيقّنُ منّا، وُلِدَ العالمُ ومات في لحظة. حربٌ حلوةُ المذاق لا أستطيع عنها رحيلا لا أستطيع أعضَضْتَ بحدةٍ حتى اللحم؟ أفتَحْتَ عينيكَ ليلاً فرأيتَ غرفتك امتلأت أفواهاً، ونهوداً، وأردافاً، وأفخاذاً مثل خناجر وشموسَ جسدٍ في السقفِ والأفاريز؟ ما الذي يحلُّ بالجسد، وبالأبِ، حين تموت؟ أهناك أُنْسٌ وسمرٌ ووقتٌ لكَدْحِ الوصال؟ VIII اليوم رأيتُ صورةً فوتوغرافية تلك التي ترتدي قبّعة فيها، وتحمل صولجان صيد كنتَ سعيداً، كما لو أنّ العالمَ ما زال غير موجود بماذا تفكّرُ إلى حدّ أنّكَ تضحك في الظهيرة؟. عندما رأيتُ تلك الصورةَ أغلقَتْ قبضةٌ قلبي. أقتاتُ على حزنٍ طارئٍ لمرآكَ في مشهدٍ منذ سنواتٍ رجلاً شاباً، حصيناً أمام العواصف أو عجوزا، هُزِم بالضوء؛ أمام ضَجَرِ إلهٍ فوق كتفيه. ماذا كان في نواياكَ، تلك الظهيرة، مَنْ كان؟. XXIII لديّ دائما شجراتٌ محبوبة. اخترت لها أسماءً كأنني، متأخراً، اخترتُ شهواتي. عندما أكون وحيداً، أتذكَّرُ أشكالَ ظلالها. من هناك، تحدّقُ إليَّ كما لو أنني في تلك الظهيرة النائية من الطفولة عندما قايضْتُ إرثي بقبضة من ورق الشجر. XXXV ما الذي كنتَ تنظرَ إليه إذن، عندما لم يكن الضوءُ ضوءا بل مخاضَ موت؟ كان عمرُكَ القديمُ صخوراً تنهارُ: في البدء تساقط كتفاكَ، فذراعاك، ومن ثمَّ أحلامُكَ لم يكن شيءٌ قد غادرك. كيف عِشْتَ؟ أيُّ أَلَمٍ أطالَ في بقائكَ. يشبه كلانا الآخر في شيءٍ ما: القرارُ العنيدُ بالبقاء دون عارِ العقابِ الإلهي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©