الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الطريق إلى القدس».. الحرب (غير المقدسة)

«الطريق إلى القدس».. الحرب (غير المقدسة)
4 مايو 2011 19:29
منذ سنوات، اتخذت دار المنى من السويد منطلقاً لها، لتعميق الحوار بين الثقافتين العربية والأوروبية، وخصوصاً في الدول الاسكندنافية، فقدمت ترجمة لنتاجات ثقافية من الاتجاهين، وآخر هذه الترجمات الجزء الأول من ثلاثية للروائي السويدي يان جيو الذي يحمل عنوان “الطريق إلى القدس” (الجزء الثاني “حارس الهيكل”، والثالث “المملكة عند نهاية الطريق”، نتمنى أن تتم ترجمتهما). في “الطريق الى القدس” التي ترجمها الجزائري مدني قصري، بعد ترجمته لرواية “فتاة البرتقال” ورواية “سر الصبر” للكاتب النرويجي جوستاين غاردر وصدرتا أيضاً عن دار المنى، يقدم لنا يان جيو معالم من الحقبة المعروفة بحقبة الحروب الصليبية التي امتدت في القرون الثاني عشر إلى الرابع عشر، ويخصص هذا الجزء من الرواية للفترة من 1144 و 1166، وهي الفترة التي نما فيها الفارس و”بطل” الرواية آرن ماجنوسون الذي ولد في عام البركة 1150 في مقاطعة أرناس الواقعة على بحيرة فانيرن في السويد، ونشأ وترعرع مع مجموعة من الرهبان في دير فارنيم، وتشرب علوم زمانه الروحانية والدنيوية، وبرع باستعمال السيف والترس، والرُّمح والقوس بصورة تحيل إلى المعجزة، ليغدو حارس الهيكل المقدس. باسم المسيح وصليبه المؤلف الذي ولد في العام 1944 بالقرب من مدينة ستوكهولم، وهو صحفي ملتزم، ورافض للوضع الاجتماعي القائم وألّف العديد من روايات التجسس، ومن مؤلفاته الرئيسة سيرته الذاتية “مصنع العنف”، يتخذ من “بطله” جسراً للعبور إلى عوالم الأديرة، برهبانها وكهنتها، والقصور بملوكها والخدم العاملين فيها، في مجتمعات تئن تحت وطأة حروب وصراعات دموية، وتسعى إلى نقل صراعاتها إلى الخارج، فتنظر إلى الشرق لترى الأرض المقدسة هدفا لحروبها وتحقيق مآربها باسم المسيح والصليب. هذا هو ما يهمنا في الرواية، رغم الكثير مما تقدمه عن تلك المجتمعات (الدنمارك، السويد، والنرويج) من خلال شخصية (آرن) ومعجزاته التي بدأت بمعجزة نهوضه من موت حقيقي، وأخلاقياته ومبادئه التي تحيل إلى أخلاق الفرسان ومبادئهم الإنسانية في العيش والقتال، التي تشربها في الكنيسة، والتناقض في شخصيته بين مظهر الفتى الضعيف الذي يطلقون عليه لقب “راهب الكنيسة” وبين قوة خفية تخلقت في داخله عبر التدريبات على السيف وركوب الخيل، وهي القوة التي لم يكن يحب أن يظهرها إلا عند الضرورة القصوى وبأقل قدر من الخسائر البشرية. لا نعرف مدى تاريخية هذا العمل، وبالتالي واقعية هذه الشخصية، أم أنه مجرد الاتكاء على التاريخ لطرح رؤية المؤلف إلى التاريخ من خلال (آرن) وعدد كبير من الرهبان والملوك والمحاربين، وما يهمنا أن المؤلف استطاع تقديم صورة للشرق كما يراه الصليبيون، ورغم أن هذا الجزء من الرواية هو مقدمات في “الطريق إلى القدس”، لكن فيها رؤية لتلك الحروب التي ستندلع في هذه الفترة، حيث إن (آرن)، رغم أخلاقياته ومبادئه المسيحية المتسامحة، يتهيأ للتعامل مع الشرق بوصفه “الشر”، حيث يقول في نهايات هذا الجزء وهو ينطلق في حملة من الحملات بشعار “في سبيل الرب، والموت لأهل الشرق”. وعود الدين والدنيا هذا الغرب الصليبي الآخذ في التوسع قد رسخ النية لغزو الشرق، فبدأت الصرخات منذ العام 1088م لإرسال نجدة عسكرية لإنقاذ أراضي الإمبراطورية البيزنطية من خطر الزحف السلجوقي، والدعوات إلى “الحرب المقدسة” ودعوة أهالي غرب أوربا المسيحيين إلى “التكاتف من أجل استرجاع بيت المقدس من يد المسلمين وتأمين طريق الحج إلى الأماكن المقدسة ببلاد الشام”، كما جاء في خطبة البابا أوربان الثاني الذي “لم ينس أوربان أن يعد المتطوعين فى هذه الحرب المقدسة بالخير والثواب وغفران الكنيسة لذنوبهم، وأشار إلى ما سيعود عليهم من خير عميم وممتلكات واسعة وأراض جديدة يستولون عليها في منطقة الشرق” بحسب كتب التاريخ. ولتهييج الشعوب ضد الشرق، كان لا بد من صورة شائهة عن الإنسان الشرقي والعربي خصوصاً، فهو كما ترصده رواية جيو من “الوثنيين”، ومهمة “الصليبية تتمثل أساساً في قتل عرب الشرق”، فهؤلاء العرب كما يقول الأب هنري، محرضا آرن، هم “أبشع الأجناس التي وضعها إبليس فوق الأرض، ليسوا رجالا بل شياطين في هيئة بشر، فهم لا يترددون في خوزقة أطفال مسيحيين فوق رماحهم ثم شَوْيِهم كي يملأوا بطونهم بعد ذلك. فهم معروفون بتقاليدهم الفاسقة، وسُكرهم الذي لا يعرف حدوداً، وممارساتهم الدائمة للواط والمتاجرة بالحيوانات. وكل عربي من الشرق يُقتل فهو مشهد يُغبط الرب..”. هذه الجرعة من التحريض والتشويه، سيحملها الشاب المعروف بشدة تواضعه ورومانسيته، الشاب الذي نراه في واحد من مشاهد حبه لسيسيليا على قدر من الخجل يجعل حبه أفلاطونياً، وحين يختار شعرا من نشيد الإنشاد.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©