الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الرصاص والسياسة والانتخابات

5 سبتمبر 2016 21:58
ما زال دونالد ترامب يدّعي أن «الجريمة داخل المدن بلغت مستويات قياسية»، واعداً بإنقاذ الأميركيين الأفارقة من «المذابح»، والحال أن هذا الوضع الكارثي الذي يتحدث عنه ترامب لا يوجد إلا في خياله، فالأرقام والإحصائيات تؤكد أن الجريمة في المدن باتت اليوم في مستويات منخفضة تاريخياً، بيد أن بعض الأمور، بالطبع، أبعد ما تكون عن الوضع الممتاز أو المثالي في مدننا، وهناك الكثير من الأمور التي يتعين القيام بها لمساعدة الأميركيين السود؛ ومن ذلك، مثلاً، الكف عن ضخ الرصاص في دم أطفالهم. قد تعتقد أنني أتحدث عن أزمة المياه في مدينة فلينت (ولاية ميشيغن) التي أثارت موجة غضب عارمة عبر البلاد في وقت سابق من هذا العام قبل أن تختفي من عناوين الصحف، لكن فلينت لم تكن سوى مثال لمشكلة أكبر بكثير، مشكلة ينبغي أن تكون جزءاً من نقاشنا السياسي: فسواء رغبنا في ذلك أم كرهنا، فإن تسمم الأطفال ليس موضوع تعصب حزبي. ولا شك أن ثمة رصاصاً أقل بكثير في أميركا اليوم مقارنة بما كان عليه الحال في ما يعتبره أنصاره ترامب «الأيام الخوالي»، بل إن بعض المحللين يذهبون إلى أن انخفاض التلوث بالرصاص كان أحد العوامل المهمة في تراجع الجريمة، لكني قرأتُ للتو دراسة جديدة لثلة من علماء الاقتصاد وخبراء الصحة تؤكد التوافق المتزايد على أنه حتى المستويات المنخفضة من الرصاص في دم الأطفال لها تأثيرات خطيرة على الأداء الإدراكي، وأن التعرض للرصاص له علاقة قوية بالنشوء في وسط فقير. لكن كيف يمكن حدوث هذا في بلد يدّعي أنه يؤمن بتكافؤ الفرص؟ أعتقد أنه غني عن البيان أن الأطفال الذين يتعرضون للتسمم في بيئتهم لا يحظون بالفرص نفسها التي لدى أطفال آخرين. وللحصول على صورة أكبر وأشمل قرأتُ كتاب «حروب الرصاص.. سياسة العلوم ومصير أطفال أميركا» الصادر في 2013، والحقيقة أن القصة التي يرويها الكتاب ليست مفاجئة تماماً، لكنها تظل محزنة، ذلك أننا ندرك الأذى الذي يتسبب فيه الرصاص بالنسبة للأجيال؛ لكن الأعمال التي نقوم بها من أجل تجنب ذلك تكون متأخرة، وتظل غير مكتملة حتى اليوم. وعلى سبيل المثال، فقطاع الرصاص لم يكن يرغب في رؤية تجارته تبور بسبب قوانين وتنظيمات جديدة؛ فركن إلى التقليل من شأن العلم والمبالغة بشأن كلفة حماية الجمهور، وهي استراتيجية مألوفة بالنسبة لكل من تابع النقاشات السابقة حول الأمطار الحمضية أو الأوزون أو تغير المناخ، غير أنه في حالة الرصاص، كان ثمة عنصر إضافي، ألا وهو إلقاء اللوم على الضحايا وتحميلهم المسؤولية: التأكيد على أن التسمم بالرصاص مشكلة لا تعاني منها سوى «العائلات السوداء وتلك المنحدرة من بورتوريكو»، التي لا تقوم بتصليح مساكنها والاعتناء بأطفالها! هذه الاستراتيجية نجحت في تأخير تدابير معالجة المشكلة على مدى عقود طويلة، عقود خلّفت تركة سامة على شكل ملايين المنازل والشقق المطلية بطلاءات تحتوي على رصاص. وهو ما يجرّنا إلى الوضع السياسي الحالي، فهيلاري كلينتون تعهدت «إزالة الرصاص من كل مكان» في غضون خمس سنوات، وربما لن تستطيع إقناع الكونجرس بتمويل تلك الأجندة البيئية الطموحة؛ لكن تاريخها، لا سيما تركيزها الطويل على سياسات تهم العائلة، يشير إلى أنها ستبذل جهداً كبيراً. ومن جهة أخرى، هناك ترامب الذي يرفض قوانين وتنظيمات حكومية من أي نوع. ويمكن القول إن في إمكان المرء أن يتخيل ما سيفكر فيه أصدقاؤه المطوّرون العقاريون بشأن إرغامهم على إزالة الرصاص المتبقي من مبانيهم. بيت القصيد هنا هو أن الانقسام بخصوص الرصاص ينبغي ألا يُنظر إليه باعتباره مهما في حد ذاته، لكن أيضاً باعتباره مؤشراً على الرهانات الأكبر، غير أنك إذا كنت تعتقد أن العلم هو الذي ينبغي أن يحدّد السياسات، وأنه ينبغي حماية الأطفال من السموم، فإن ذلك موقف حزبي متعصب! *محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©