الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اليابان: خطة الإنقاذ الأميركية··· خطوة أولى

اليابان: خطة الإنقاذ الأميركية··· خطوة أولى
13 أكتوبر 2008 23:48
مع استفحال الأزمة المالية العالمية الحالية، تجد اليابان نفسها في حالة تدفعها للشعور، بأنها قد شهدت شيئا مثل هذا من قبل؛ الدراما التي تكشفت فصولها في ''وول ستريت'' وواشنطن، ترددت أصداؤها في اليابان في صورة كم كبير من المقارنات التي عقدتها الصحف وصناع السياسة بين هذه الأزمة، وبين الأزمة المصرفية التي تعرضت لها بلادهم في عقد التسعينيات من القرن الماضي، والتي استلزمت من حكومتهم في ذلك الوقت التدخل من خلال خطط إنقاذ باهظة التكلفة· وهناك -كما يبدو- إجماع كاسح على أن حزمة الإنقاذ الأميركية التي أُعلن عنها الاسبوع الماضي، والتي تكلف 700 مليار دولار، ليست سوى الخطوة الأولى في رحلة شاقة نحو الإنقاذ المالي شبيهة بتلك التي قامت بها اليابان منذ عقد من الزمان تقريبا؛ وتوضيحا لهذه النقطة، يقول ''هيروفومي جومي'' -المفوض السابق لـ''وكالة الخدمات المالية في اليابان'' وهي الهيئة الرقابية المصرفية التي أشرفت في حينها على إنقاذ البنوك-: ''إن أميركا تسير في نفس الطريق الذي ســــارت فيــــه اليابــــان، وهو طريق سيكــــون طويــلا وشاقا وعليهــــا أن تعرف أن هنــــاك المزيد من الآلام والاضطرابـــات التي ستعاني منها مستقبلا''· وأوجه الشبة بين الحالتين الأميركية واليابانية تبعث على الدهشة في الحقيقة؛ فمثلما هو حادث في أميركا الآن، فإن اليابان واجهت في بواكير التسعينيات من القرن الماضي أزمة مصرفية وعقارية قوضت اقتصادها برمته، وتطلبت تدخلا كبيرا من قبل الحكومة· في ذلك الوقت سقطت بعض من أكثر المؤسسات المالية في اليابان احتراما، بعد أن أدت الخسائر المتفاقمة الناتجة عن المشروعات الفاشلة، والقروض العقارية غير المسددة، إلى سقوط النظام المالي للبلاد في هاوية الشلل؛ على أن ذلك لا ينفي أن هناك أيضا نقاط اختلاف واضحة بين الأزمة الأميركية الحالية ومثيلتها اليابانية السابقة، منها على سبيل المثال أن رد الفعل الأميركي كـــان أسرع كثيرا من نظيره الياباني، حيث قررت واشنطن تخصيص حزمة إنقاذ، يتحمل تكلفتها دافعو الضرائب بعد عام واحد فقط من ظهور بوادر أزمة الرهن العقاري في صيف ،2007 في حين لم تُقدِم اليابان على تنفيذ عملية إنقاذ شاملة إلا بعد مرور ثماني سنوات على ظهور أزمتها المصرفية، وهو تأخر ساهم في دخولها في حقبة من الركود الطويل أطلقت عليها ''عقد اليابان الضائع''· وهذه الذكريات المريرة، التي لا تزال حية في الأذهان، جعلت اليابان هذه المرة تتعاطف مع أميركا، وتتجنب إلقاء الدروس عليها -على الرغم من أن البنوك اليابانية تكـــاد تكــــون قد أفلتــت شبه سالمة تقريبا من الأزمة الحالية، على الأقل حتى الآن، لأنها لم تكن تحتفظ سوى بكميات محدودة من ديون الرهونات الأميركية- وهو ما يتناقض مع ما حدث في ثمانينيات القرن الماضي؛ ولكن مدى التشابه بين الطريق الذي اختطته اليابان لنفسها، والطريق الذي تنوي أميركا السير فيه لتخطي أزمتها الراهنة يظل مع ذلك محورا للجدل· فمن ناحية نجد أن ''النقود السهلة'' التي غذت الفقاعة العقارية في البلدين، قد جاءت من مصادر مختلفــــة: ففي حالـــة اليابان تمت تغذية الفقاعة وتنميتها محليا من خلال معدلات فائدة منخفضة للغاية؛ أما في حالة أميركا فقد تم ذلك اعتمادا على الاقتراض بكثافة من الخارج؛ فضلا عن ذلك، نجد أن النظام المالي الشفاف في أميركا، استطاع رصد المشكلات الأساسية بسرعة نسبية، في حين أضاعت اليابان سنوات وهي تحاول التهوين من الخسائر التي منيت بها بنوكها، من خلال اتباع أساليب محاسبية معقدة· مع ذلك يبقى وجه شبه لافت بين الحالتين، وهو ذلك الرفض الشعبي الشديد لتدشين عملية إنقاذ ممولة من خلال دافعي الضرائب، حتى بعد أن تبين أن المؤسسات المالية تعاني من مشكلة حقيقية؛ وعندما تمكنت اليابان في خاتمة المطاف من تقديم حزمة إنقاذها الأولى من الأموال العامة عن طريق ضخ ما يقرب من 6,5 مليار دولار في مؤسسات الإقراض العقاري غير المصرفية عام،1995 فإن ذلك أثار غضبا شعبيا عارما شمل القيام باعتصام من قبل أعضاء البرلمان التابعين للمعارضة، ولم تتمكن اليابان من تحميل حزمة الإنقاذ على دافعي الضرائب من أجل تنفيذ عملية إنقاذ شاملة للبنوك إلا في عام 1998 وفقط عندما تهاوت بعض البنوك وشركات السمسرة الكبرى مثل ''يامايتشي للأوراق المالية''؛ هذه تقريبا نفس النقطة في الأزمة التي وصلت إليها أميركا· هناك درس آخر تقدمه التجربة اليابانية لأميركا، وهو أن خطة الإنقاذ الأميركية يمكن أن ينتهي بها الحال وقد كلفت دافعي الضرائب الأميركيين مبلغا أقل بكثير من مبلغ 700 مليار دولار المرصود، أو أي مبلغ آخر قد يستقر الأمر عليه، فقد خصصت اليابان 450 مليار دولار لإنقاذ قطاعها المصرفي، ولكن الذي حدث بعد ذلك، هو أنه عندما تحسن اقتصادها، تمكنت من استرداد 350 مليار دولار من هذا المبلغ من خلال بيع الديون الرديئة ومخزونات البنوك الراكدة؛ أما الدرس النهائي، أن تأثير الأزمة المالية قد يفيض ليطال القطاع الاقتصادي الحقيقي وليس الافتراضي، وهو ما يمكن أن يجعل أميركا تدخل مرحلة من الكساد الطويل والصعب· ولكن تلك الأزمة -مع ذلك- لا تخلو من فوائد، وذلك إذا ما أجبر الكساد الأميركيين على تقليص استهلاكهم، والتخلص من عادة الاعتماد على القروض الخارجية· مارتين فاكلر - طوكيو ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©