تُمثل كوريا الجنوبية نموذجاً بارزاً للدول التي تجمع المتناقضات الشهيرة التي تتمثل بالمساحات الضيّقة، والطموحات الصناعية والإنتاجية الهائلة، والفقر الشديد بمصادر الطاقة.
ولا تحاكيها في هذه الظواهر إلا دول قليلة مثل اليابان وسنغافورة وتايوان؛ وهذا ما جعلها تضطر لاستيراد 97% من مجمل استهلاكها من الطاقة من الخارج. وكان لهذا الواقع أن يفرض نفسه على صنّاع القرار الكوريين منذ عدة عقود. وأعلنت الحكومة الكورية منذ أكثر من عقدين بأن “الطاقة النووية أصبحت تمثل أولوية استراتيجية” للبلاد.
وبعد أن تمكن الكوريون من بناء العديد من محطات الطاقة النووية، ونظراً للتطور الصناعي، والإنتاج السريع الذي سجلته كوريا الجنوبية خلال السنوات الخمس الأخيرة، فلقد قررت الحكومة زيادة إنتاجها من الطاقة النووية بمعدل 56% إلى 27.3 جيجاوات بحلول عام 2020.
واليوم، تشغّل كوريا الجنوبية 20 مفاعلاً نووياً تنتج نحو 40% من مجمل الطاقة الكهربائية التي تحتاجها.
ومنذ انطلاق الطفرة الصناعية في كوريا الجنوبية في عام 1990، وخاصة مع النمو الكبير الذي شهدته الصناعات الثقيلة وصناعة السيارات وبناء السفن والمعدات الضخمة، كان الطلب على الطاقة الكهربائية يزداد بمعدل يفوق 9% سنوياً.
وفي عام 2006، بلغ معدل الاستهلاك السنوي الفردي من الطاقة الكهربائية 7700 كيلووات ساعة ارتفاعاً من 850 كيلووات ساعة في عام 1980.
وخلال السنوات الثلاث الماضية، سجّلت كوريا الجنوبية نمواً سنوياً في الناتج المحلي الإجمالي بلغ 8.6%.
وترافق هذا النمو مع زيادة كبيرة في استهلاك الطاقة الكهربائية من 33 مليار كيلووات ساعة عام 1980 إلى 371 مليار كيلووات ساعة في عام 2006، وما لبث استهلاك الطاقة أن قفز إلى 439 مليار كيلووات ساعة عام 2007.
وفيما بلغت الطاقة الكهربائية المولّدة من المحطات النووية 72.5 جيجاوات في عام 2008، فإن من المتوقع أن ترتفع إلى 88 مليار جيجاوات عام 2017.
طاقة منخفضة التكلفة
ويعدّ انخفاض التكلفة من بين أهم ميزات التكنولوجيا الكورية الجنوبية لتوليد الطاقة الكهربائية من المحطات النووية. ففي عام 2008، نشرت الوكالة الكورية للطاقة النووية تقريراً أشارت فيه إلى أن توليد الكيلووات ساعة من الطاقة الكهربائية من المحطات النووية يكلّف 39 ون كوري (3 سنتات أميركية).
وبالمقارنة مع تكلفة إنتاج الطاقة باستخدام المصادر الأخرى، يمكن الوقوف على المستقبل الواعد للطاقة النووية؛ حيث يكلف إنتاج الكيلووات ساعة بحرق الفحم الحجري 53.7 ون كوري، ومن الغاز الطبيعي المسال 143.6 ون، ومن المساقط المائية 162 ون.
كيبكو .. الخبرة الطويلة
وخلال الأربعين عاماً الممتدة بين 1961 وحتى 2001، كانت “الشركة الكورية الجنوبية للطاقة الكهربائية” KEPCO هي الوحيدة المتخصصة بتوليد الكهرباء وتوزيعها في كوريا الجنوبية. وفي عام 1989 عمدت الحكومة إلى بيع 21% من أصولها للخواص. وتمت عقب ذلك إعادة هيكلة قسم توليد الطاقة التابع للشركة إلى ست شركات تكفلت بإنتاج كل الطاقة النووية المسطّرة. وبلغت ميزانية الإنفاق على المحطات النووية في عام 2009 أكثر من 3.68 مليار دولار. وتعمل الشركة الآن على بناء 18 محطة نووية للطاقة، بحيث ينتهي العمل فيها بحلول عام 2030 بتكلفة إجمالية تتراوح بين 32 و40 مليار دولار.
سياسة التطوير
ويعود انطلاق المشروع النووي لكوريا الجنوبية إلى عام 1957 عندما أصبحت عضواً في الوكالة الدولية للطاقة النووية. وفي عام 1958، تم عرض مشروع “قانون الطاقة النووية” على الحكومة.
وفي عام 1959 وبعد الموافقة على المشروع، تم تأسيس “مكتب الطاقة النووية” بقرار حكومي. وحتى عام 1962، اقتصرت المنشآت النووية في كوريا الجنوبية على مفاعل بحوث صغير.
وكانت أول محطة نووية تقام في البلاد هي تلك التي أطلق عليها اسم “دي كوري-1”. وفي عام 1977 بدأ تشغيلها التجريبي دون أن تدخل مرحلة الإنتاج التجاري إلا في عقد الثمانينيات.
ويعتمد المشروع الكوري لإنتاج الطاقة النووية بشكل أساسي على الأمن والسلامة، ويهدف إلى الحد من واردات الدولة من مصادر الطاقة الأجنبية. وورد في صلب الخطط الموضوعة لهذه الغاية أن تشكل الطاقة النووية مصدراً أساسياً لإنتاج الطاقة الكهربائية.
مشاريع للمستقبل
في عام 2007، وضعت خطة لتنفيذ برنامج نووي خلال 4 سنوات تمتد حتى عام 2011 ويهدف لدفع كوريا الجنوبية إلى المرتبة الخامسة على المستوى العالمي من حيث معدل إنتاجها من الطاقة النووية بالمقارنة مع استهلاكها من الطاقة الكهربائية.
ومن المؤمل أن يرتفع هذا المعدل إلى 60% بحلول عام 2035. ويقضي البرنامج ببناء مفاعلات آمنة من نوع “إيه بي آر 1400” تبلغ جملة تكلفتها 100 مليار دولار وبحيث يكتمل العمل فيها قبل نهاية عام 2030.
عن موقع world-nuclear.org
عدد اليوم
