السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ضرورة التأويل

ضرورة التأويل
18 يوليو 2017 20:24
في يومي 12 و13 من أبريل انعقد- تحت إشرافي- في جامعة القاهرة والمجلس الأعلى للثقافة مؤتمر دوليّ مهم بعنوان «فلسفة التأويل: آفاقها واتجاهاتها». وسأحاول هنا إجمال خلاصة ما قلته في محاضرتي الافتتاحية لهذا المؤتمر بعنوان «ضرورة التأويل بوصفه توجهًا معرفيًّا»، بحيث يكون ملائمًا للقارئ أو المثقف العام.     قبل أن نتحدث عن ضرورة التأويل، لا بد من أن نحدد  أولًا ماذا نقصد بالتأويل. ولكن ما إن نطرح التساؤل عن معنى التأويل، حتى نجد أنفسنا في مواجهة معضلة كبيرة؛ ذلك أن التأويل كمفهوم شائع وكمصطلح متداول في كثير من الكتابات والمجالات المعرفية، فضلًا عن المجادلات الشفاهية والكلام المُرسَل في خطاب المثقفين- يظل مفهومًا فضفاضًا، وملتبسًا أحيانًا. وعادةً ما يُفهم التأويل ببساطة على أنه تفسير، وهذا فهم ملتبس؛ لأن كل تأويل يكون تفسيرًا؛ ولكن ليس كل تفسير يكون تأويلًا. يضاف إلى ذلك أن معنى التأويل قد مر بمراحل وتطورات عديدة عبر تاريخ المعرفة الإنسانية في سعيها نحو الفهم والتفسير.  أصل المصطلح: مصطلح الهرمنيوطيقا أو التأويل   Hermeneutics  مستمد من اسم «هرمِس»  Hermes الذي يشير إلى ذلك الإله الذي يختلف عن  غيره من الآلهة في الأسطورة اليونانية؛ إذ أنه أيضًا رسول الآلهة إلى البشر، المنوط به تفسير كلام الآلهة وتبليغ نبوءاتها. ذلك أن كلام الآلهة يكون بمثابة نبؤات غامضة توحي بالمعنى؛ ومن ثم فإن معناها يتطلب فهمًا وتفسيرًا. ومن هذا المصدر البعيد تم استخدام مصطلح الهرمنيوطيقا في العصر الوسيط باعتباره مصطلحًا مدرسيًّا لاهوتيًّا يشير إلى ذلك العلم أو النظام المعرفي الذي يحكم&ndash من خلال مجموعة من المبادئ والقواعد- عملية تفسير نصوص الكتاب المقدس التي تتطلب فهمًا وتفسيرًا بسبب غموض معناها، حتى يصبح هذا المعنى مقبولاً ومنسجمًا مع العقائد الإيمانية. وفي تراث الفكر الإسلامي ظل هذا التوجه في التأويل هو التوجه السائد مع استبدال النص القرآني بالكتاب المقدس، باستثناء حالات قليلة اتسع فيها أفق التأويل وبلغ ذروة نضجه، خاصةً مع ابن العربي. في القرن التاسع عشر حدث تطور مهم في مجال الهيرمنيوطيقا (أو التأويل)، إذ اتسع هذا المجال ليشمل كل ظاهرة يتطلب معناها تفسيرًا. فمع شليرماخر أصبح التأويل نشاطًا عامًا في التفسير يقوم على الفهم. ومع ذلك، فقد ظل تفسير النصوص الدينية هو ما يشغل اهتمام شليرماخر في المقام الأول، فيما يرى جادامر. ومع هيدجر اتخذ التأويل بعدًا أونطولوجيًا، إذ أن تفسير حقيقة أو معنى شيء ما يقوم دائمًا على أساس أونطولوجي لعملية الفهم؛ ذلك أن كل تفسير مقصود يحدث على أساس من فهم الوجود بطريقة سابقة على التأمل من خلال الموقف الذي يوجد فيه المفسر، فالمفسر محكوم على الأقل بالشرط الأونطولوجي لوجوده، أي محكوم بزمانيته (ماضيه وحاضره ومستقبله)، وبذلك فإن كل إدراك لمعنى يكون إدراكًا متناهيًا من داخل الموقف التاريخي للإنسان، الذي يكون معطى بشكل سابق على التنظير.    ومع جادامر انتقل التأويل الفلسفي نقلة كبرى باعتباره فلسفة لها معالمها الواضحة وأصولها وأخلاقياتها، وبوصفه اتجاهًا في المعرفة والفهم يمكن أن يكون فاعلًا ومفيدًا في سائر العلوم الإنسانية على الأقل. هذا الاتجاه أو التوجه المعرفي يسعى في المقام الأول  إلى فهم العالم الذي نعيش فيه، وقهر الحالة الاغترابية التي نستشعرها إزاء الظواهر العديدة والمعقدة التي تكتنفنا. وتلك مشكلة عامة في الفهم تجعل التأويل يتسع لتفسير كل شيء يكون قابلًا للفهم والتعقل؛ إذ أن الاغتراب الذي نستشعره إزاء معنى نص ديني ما يمكن بالمثل أن نستشعره إزاء أي معنى آخر نواجهه في موقف ما ولا تكون قادرين على أن نجعله متوافقًا مع عالمنا أو مندمجًا فيه. فهذا الاغتراب يمكن أن يحدث- على سبيل المثال- عندما ننهمك في محادثة أو نواجه عملاً فنيًا ما أو نتأمل أحداثًا تاريخية، ففي كل هذه الحالات يجب أن تتكفل مهمة التفسير بعبور الهوة بين العالم المألوف الذي نمكث فيه والمعنى الغريب الذي يرفض أن يُستوعَب في آفاق عالمنا. ولاشك أن فلسفة التأويل تمثل الآن تيارًا أساسيًا واسعًا في الفلسفة المعاصرة لا يقتصر على جادامر، وإنما يشارك فيه فلاسفة بارزون آخرون. والحقيقة أن هذا التيار معنى في المقام الأول بتأويل النص: كالنص الفلسفي والديني والأدبي..إلخ، ولكنه يمتد أيضًا ليشمل تأويل كل شيء يكون قابلًا للفهم والتعقل: كالرموز والأساطير وظواهر الفن. وربما لهذا السبب أصبح التأويل «موضة» في الفلسفة المعاصرة كما يقول جادامر، فكل اتجاه يريد أن يصف نفسه على أنه «تأويلي». ولاشك أيضًا أن التأويل قد أصبح مطلبًا ملحًا في حياتنا الفكرية المعاصرة التي يسودها الاغتراب بسبب تعقد وتشذر المعرفة فيها، والتباعد بين ثقافة الماضي والحاضر، والصراع بين ثقافات وعقائد الشعوب رغم كل ما تم ترويجه عن فوائد العولمة وذرائعها التكنولوجية التي ستعمل على تقارب الثقافات، وما إلى ذلك من وعود زائفة أو مستترة تحت غطاء إيديولوجي سياسي. ومن المهم التأكيد على أن التأويل ليس مذهبًا ولا نظرية، إنما هو أسلوب في الفهم والمعرفة، متحرر من شتى النزعات المذهبية، ومضاد لكل النزعات التعالمية والدوجماطيقية (الإيقانية) التي تدعى وجود الحقيقة الموضوعية التي يمكن حسابها، فالحقيقة تظل دائمًا حقيقة إنسانية، بمعنى أنها تظل «حقيقة بالنسبة لنا» وليست «حقيقة في ذاتها». وربما يكون هذا الطابع التحرري كأسلوب مميز للفكر هو الذي يكفل لهذا الفكر البقاء من بين العديد من المذاهب والتيارات الفلسفية المعاصرة له؛ إذ أنه يهدف في المقام الأول إلى تذويب المواقف المتصلبة والمواقف سريعة التجمد في المذاهب والنظريات الفلسفية. ومن هنا يمكن القول بأن التأويل الفلسفي يختلف- على سبيل المثال- عن النظرية النقدية لدى مفكري مدرسة فرانكفورت التي لم تستطع أن تحرر نفسها تمامًا من شائبة الدوجماطيقية. وربما يكون هابرماس هو الأقرب إلى التأويل الفلسفي؛ لأنه الأكثر معاصرة من فلاسفة مدرسة فرانكفورت على أهميتهم، ومن ثم الأكثر تحررًا من أي أصول ماركسية دوجماطيقية. وأذكر في هذا الصدد أنني التقيت هابرماس مع نخبة من أساتذة كلية الآداب في جلسة حوار بقاعة طه حسين بكلية الآداب منذ عشر سنوات تقريبًا، حيث قلت له أن مفهومه عن العقل التواصلي يبدو متأثرًا بقوة بمفهوم جادامر عن «تلاحم الآفاق»، وقد أكَّد عندئذ هابرماس على ذلك قائلًا: أنا نفسي من أتباع جادامر I&rsquom myself Gadamerian.    وإذا لم يكن التأويل مذهبًا ولا نظرية، فماذا عساه أن يكون؟ وما الضوابط التي تحكمه حتى لا يكون فضافضًا؟ ضوابط عملية الفهم والتفسير: 1-الوعي المسبق كشرط للتفسير والفهم:  يفترض التأويل شرط الوعي المسبق بموضوع التأويل. ولكن ينبغي أن نلاحظ أن الوعي المسبق بموضوع التفسير هنا لا يعني أبدًا أن المفسر يفرض مقولاته الخاصة على الموضوع أو النص المراد تفسيره، أو أن المفسر يفهم العمل الفني أو النص الأدبي أو أي نص آخر من خلال أفكار مسبقة جاهزة ومعدة سلفًا ليقوم بعد ذلك بتطبيقها علي العمل أو النص. فالمعنى المقصود هنا- بخلاف ذلك- هو أن نقص الوعي المسبق بما يكون موضوعًا للبحث والتساؤل، يعوق منذ البداية إمكانية التساؤل، وبالتالي إمكانية التفسير ذاتها. فالفهم في حقيقته هو نوع من التساؤل الذي يثير تساؤلات أخرى جديدة باستمرار. ومن غير الممكن أن يفهم المرء موضوعًا ما ويضطلع بتفسيره ما لم يكن هذا الموضوع قد ولَّد لديه تساؤلات من قبل، أي شغله وأثار همه واهتمامه. وبدون هذا لن يكون هناك أي فهم قادر على تفسير الموضوع المراد، بل ربما أمكن القول إنه لن يكون هناك أي تعاطف مع هذا الموضوع. والتعاطف هنا يعني القدرة على الاقتراب من الموضوع بناءً على حالة من الألفة والخبرة السابقة به لدى المفسر. والأرجح أن الشخص الذي لا يتحقق لديه هذا الشرط لن يكون مفتقدًا فحسب التعاطف مع الموضوع، بل سوف يتخذ منه موقفًا عدائيًّا؛ ولهذا يُقال دائمًا: إن الناس أعداء ما جهلوا. وهذا هو المعنى المقصود «بالفهم التعاطفي أو الفهم المتعاطف» لدى هيدجر. 2- إمكان تعدد التفسيرات وتضاربها وصراعها: ليس هناك تفسير واحد نهائي يمكن أن يدعي بلوغ الحقيقة المطلقة؛ ببساطة لأنه لا وجود لحقيقة مطلقة أو نهائية: فالحقيقة دائمًا نسبية، بمعنى أنها مرتبطة - من ناحية - بزمانية الموضوع المراد تفسيره (أي بالسياق التاريخي الأصلي لهذا الموضوع)، وبمعنى أنها مرتبطة- من ناحية أخرى- بزمانية المفسر ذاته (أي بالسياق التاريخي الذي يحيا فيه المفسر وينظر من خلاله لموضوع التفسير). وهذا الكلام يصدق على النص الديني مثلما يصدق على النص الأدبي الخصب؛ فكلاهما يسمح بتعدد التفسيرات واختلافها. وبطبيعة الحال، فإن هذا التعدد لا يكون إلى ما لا نهاية، وإلا أدى ذلك إلى نوع من النسبية المطلقة التي تجعل كل التفسيرات ممكنة ومتساوية من حيث أهميتها وقيمتها. وهذا غير صحيح، لأن معنى التعدد في التفسيرات هنا أن العمل الفني الإبداعي يكون فيه قدر من الخصوبة يسمح باستيعاب أكثر من تفسير، بشرط أن يجد كل تفسير أساسًا له يبرره في العمل ذاته. وهذا يصدق على تفسير النص بوجه عام. 3- تجاوز التأطير الشكلاني للنص:    التأويل يجافي كل نزعة شكلانية تسعى إلى تأطير النص من خلال مجموعة من القواعد التي تتعامل مع الشكل المجرد. كما أن التأويل يجافي كل نزعة دوجماطيقية (مذهبية إيقانية) تفرض على موضوع التأويل توجهات إيديولوجية أو سياسية. وبوحه عام يمكن القول بأن التأويل يجافي كل نزعة تستند إلى مواقف متصلبة في التفسير. فالحقيقة أن التأويل يقصد المعنى، ويرى أن هذا المعنى لا يمكن استيعابه بمنأى عن فهم تاريخية المفسر وتاريخية النص ذاته (ولا أقول تاريخية المبدع). وتاريخية النص تعني ضرورة فهم أو تفهم السياق التاريخي للنص، فكل نص هو نص قد كُتِب في عصر ما ومكان ما ليقول شيئًا ما.    إن تجاوز عملية تأطير النص تستلزم إذاً ألا يكون دور الذات أو المفسر سلبيًا بحيث يلتزم الصمت أمام النص، وإنما ينبغي أن يقيم حوارًا مع النص يكون متحررًا من كل نزعة أداتية أو استراتيجية تهدف إلى تحقيق غرض مسبق أو تُخفي دوافع معينة. ذلك الحوار  يكاد يختفي من عالمنا الراهن في ثقافته وتعليمه، كما أبان لنا جادامر. ما الذي يعنيه كل هذا بالنسبة إلى وضعنا الراهن على مستوى الفكر؟    أقول ببساطة لنا وللرجل البسيط الذي طالما أراد أن يفهم  ماذا يقول الفلاسفة والمفكرون... أقول إن مأساتنا بدأت بالضبط عندما تخلينا عن التأويل كمكون أساسي في ثقافتنا، حتى حينما تجلى هذا التأويل في  تراثنا على مستوى تأويل النص الديني، بحكم السياق التاريخي للعصر الوسيط. والرأي عندي أن الحضارة العربية الإسلامية أعلنت عن وفاتها رسميًّا بموت ابن رشد (الذي كان يمثل ذروة التأويل الفلسفي) وابن العربي (الذي كان يمثل ذروة التأويل الصوفي الفلسفي الذي يتجاوز تفسير النص الديني إلى تفسير الوجود العام والوجود الإنساني). ولا شك أن إحراق كتب الوليد ابن رشد كان بمثابة علامة فارقة دالة على أفول الفكر، ومن ثم  أفول الحضارة. فمن ذلك الحين راحت الثقافة أو الفكر، ومن ثم الحضارة، في سبات عميق، لم تصحو منه إلا لحظات قصيرة هناك وهناك في أوقات متقاربة معلومة.  تجاوز التراث بـ «تأويله»    وعلى هذا يمكن القول إن الإبداع لايمكن أن يتحقق إذا ظل الماضي حاضرًا فينا حضورًا راسخًا قويًا بكل لحظاته السكونية، وإذا لم تتحقق عملية تجاوز للتراث. وعملية تجاوز التراث- فيما نرى- عملية مزدوجة تنطوي على فعلين مرتبطين ارتباطًا وثيقًا، وهما: تجاوز التراث بمعنى عملية تأويله التي تضعه موضع الفحص والمراجعة والتساؤل بهدف الفهم، وتجاوز التراث بمعنى ممارسة الفعل الإبداعي الذي تكمن ماهيته في خلق شيء جديد يتجاوز الموروث أو التقليد السائد. ومع ذلك، فإن الفعل الأول (ممارسة تأويل التراث) يعد شرطًا لازمًا للفعل الثاني (ممارسة الفعل الإبداعي) في عملية تجاوز التراث.    ومع ذلك، فإن تأويل التراث ليس هو الشرط الوحيد للإبداع؛ فلا شك أن هناك شروطًا أخرى عديدة لتحقق العملية الإبداعية بوصفها فاعلية إنسانية: كالشرط السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي أو المعرفي. ولا شك أيضًا أن هذه الشروط تختلف من حيث أولوياتها: فربما يكون الشرط السياسي هو أول هذه الشروط، باعتباره ذلك المطلب الضروري الذي يتمثل في سيادة نظام ديمقراطي حقيقي في سائر مؤسسات الدولة يتعلم من خلاله الناس أن يمارسوا حريتهم في الرأي والتفكير والنقد، وأن يصنعوا شكل وأسلوب حياتهم بأنفسهم. كما أنه يمكن القول إن كل شرط من هذه الشروط له أولوياته الذاتية فيما يتعلق بآلياته والعوامل المحددة له. غير أنه توجد بالتأكيد بين هذه الشروط وأولوياتها تأثيرات وتفاعلات متبادلة، بحيث يمكن القول إنها تتضافر معًا في إحداث التغيير المطلوب في الفكر والثقافة بوجه عام. وهكذا، فإننا وإن اختلفنا حول أولويات الشروط المهيئة للإبداع وآليات كل منها، فلا أظن أننا يمكن أن نختلف على أن تأويل التراث يعد شرطًا ضروريًا للإبداع، أو هو- بمعنى أدق- أحد الآليات الأساسية المهيئة للمناخ الثقافي اللازم للإبداع في أي أمة، وهذا يعني كونه شرطًا ضروريًا وإن لم يكن كافيًا لتحقق الإبداع. بل شرطًا لكل تعليم يريد أن يكون تعليمًا ليبراليًّا. وبوسعي القول إن غياب التأويل- بالمعنى السالف- هو المسئول الأول عن غياب نهضة تعليمية وثقافية، وهو المسؤول عن تفشي كل فكر سلفي تكفيري؛ فهذا منبع الإرهاب الذي نعاني ويلاته. «موضة» معاصرة لاشك أن فلسفة التأويل تمثل الآن تيارًا أساسيًا واسعًا في الفلسفة المعاصرة لا يقتصر على جادامر، وإنما يشارك فيه فلاسفة بارزون آخرون. والحقيقة أن هذا التيار معني في المقام الأول بتأويل النص: كالنص الفلسفي والديني والأدبي..إلخ، ولكنه يمتد أيضًا ليشمل تأويل كل شيء يكون قابلًا للفهم والتعقل: كالرموز والأساطير وظواهر الفن. وربما لهذا السبب أصبح التأويل «موضة» في الفلسفة المعاصرة كما يقول جادامر، فكل اتجاه يريد أن يصف نفسه على أنه «تأويلي». غياب التأويل.. حضور الإرهاب! لا أظن أننا يمكن أن نختلف على أن تأويل التراث يعد شرطًا ضروريًا للإبداع، أو هو- بمعنى أدق- إحدى الآليات الأساسية المهيئة للمناخ الثقافي اللازم للإبداع في أي أمة، وهذا يعني كونه شرطًا ضروريًا وإن لم يكن كافيًا لتحقق الإبداع، بل شرط لكل تعليم يريد أن يكون تعليمًا ليبراليًّا. وبوسعي القول إن غياب التأويل- بالمعنى السالف- هو المسؤول الأول عن غياب نهضة تعليمية وثقافية، وهو المسؤول عن تفشي كل فكر سلفي تكفيري، فهذا منبع الإرهاب الذي نعاني ويلاته.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©