الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«البقشيش» مقابل خدمات أم عرفٌ مفروض؟

«البقشيش» مقابل خدمات أم عرفٌ مفروض؟
10 يوليو 2010 19:39
يعود تاريخ «البقشيش» أو الإكرامية بالشكل السائد حالياً إلى القرن الثامن عشر، إذ ظهرت ممارستها أول مرة بين مرتادي الحانات الإنجليزية الذين كان البعض منهم يَهَبُ مقابلاً إضافيا للنادل أو الساقي تعبيراً له عن امتنانه لحسن خدمته، ثم انتشرت في باقي مدن أوروبا. ومع توحد أنماط الحياة في مختلف دول العالم فيما صار يعرف في نهاية القرن العشرين بالعولمة، أصبحت هذه العادة مرتبطة من حيث الانتشار بعدد من المهن بدءاً بنوادل المطاعم والمقاهي والمؤسسات، ومروراً بسائقي سيارات الأجرة وعمال الفنادق والمطارات. ولقد ترسخت بشكل كبير في مجتمعنا المعاصر وغدت أحد الأعراف الاجتماعية التي تمثل بالنسبة للمستفيدين مهنا جزءاً لا يتجزأ من مصدر رزقٍ يضاف إلى راتبهم الشهري، الذي يترقَّع ويصبح لا بأس به إذا درج صاحبه على ادخار ما يجود به عليه الزبائن من بقشيش، خاصة إن كان الكرماء والأسخياء من الأغنياء من زبنائه ومرتاديه، وقد يحدث أن تصل قيمة البقشيش إلى ما يعادل الراتب الشهري للنادل أو يفوقه. تقنين أصبح عدد من المطاعم المعروفة ومتعددة الفروع تضيف إلى قائمة الطعام لديها بنداً تسميه «مقابل الخدمة» تتراوح نسبته إلى قيمة الفاتورة الإجمالية للوجبة ابتداءً من 5%. وقد قدرت الولايات المتحدة الأميركية قيمة مدخرات نوادل المطاعم والمقاهي فقط عام 2003 بأكثر من 26 مليار دولار. لكل دوافعه تختلف دوافع منح الزبون البقشيش للنادل، فلم يعد هذا النوع من الإكرامية يُعبِّر بالضرورة عن حسن الخدمة وتميزها، بل قد يُبادِر إليه الزبون بدوافع عاطفية تُجنِّبه الإحساس بالإحراج أو تجعله يشعر أفضل نظراً لأن معظم النوادل أصبحوا يتوقعون الحصول على البقشيش، قلَّ أم كثُر. ويتفنن النوادل في تقديم خدماتهم إلى زبائنهم ويبدِعون فيها، بل إن بعضهم صاروا أشبه بخبراء علم نفس، بحيث يستطيعون التنبؤ بسخاء الزبون من عدمه بمجرد دخوله المكان والنظر إلى ملامح وجهه والتحدث معه. ويمكن إجمال أبرز دوافع إعطاء البقشيش فيما يلي: - تفادي الإحراج الاجتماعي من قبل المحيطين أو الأصدقاء أو المرافقين. - الرغبة في اكتساب إعجاب الآخرين وإبهارهم. - تشجيع المستفيد من الإكرامية على الاستمرار في تقديم خدمات جيدة وعلى نفس المستوى في المستقبل. - التعبير عن رضا الزبون بجودة الخدمة أو انبهاره بنوع الأكل إذا كان في مطعم. - مسايرة الأعراف الاجتماعية السائدة. - الخوف من تلاعب مقدم الخدمة بالطعام أو الشراب انتقاماً من الزبون في المرة الموالية. النوادل الخوارج لا تشعر بالاستياء إذا رفض نادل ما قبول إكراميتك، فقد سبق لذلك أن حصل وما زال يحصل مع بعض من تتعالى أنفسهم عن تلقي البقشيش ويعتبرون قبوله نوعاً من الإهانة. إلا أن نسبة هؤلاء تبقى قليلة إذا ما قورنت بغيرهم من الذين هم أكثر تقبلاًّ له وحافزية وإقبالاً على العمل بإتقان وجودة وابتهاج. من دريهمات إلى أوراق المئة والألف تتفاوت قيمة الإكرامية من شخص لآخر، وقد يصل في بعض الأحيان إلى أوراق مالية من فئة المئة والألف ومضاعفاتهما عندما يبتسم الحظ لأحدهم ويُصادفُ أحد الأسخياء، أو السعداء الذين يحبون مشاركة الآخرين احتفالهم بحدث ما، بمن فيهم النوادل، فيكون البقشيش هو أبلغ تعبير لمشاطرة النادل هذه الفرحة. أشهر المستفيدين اتسعت رقعة المستفيدين من البقشيش ولم تعد تقتصر على الساقي في الحانات، بل اتسع نطاقها وأصبحت تشمل مهناً متعددة أبرزها الحلاق، وسائق التاكسي، وعمال التوصيل المجاني (بيتزا، زهور، ...)، وعمال محطات البترول، وعمال النظافة، والنوادل، والمزينين في الصالونات وحفلات الزفاف والمناسبات، والعازفين والموسيقيين في الأعراس. معادلة رياضية يرى عدد من الزبائن أن إعطاء البقشيش من عدمه يتوقف على مدى جودة الخدمة المقدَّمة، فخدمة متميزة تفوق التوقعات تعني «بقشيشاً عالياً وسخياً»، وخدمة بائسة وأقل من التوقعات تعني «بقشيشاً زهيداً» أو «لا شيء». وترى هذه الفئة أن اعتبار البقشيش عُرْفاً اجتماعياً واجباً ورمزاً لمسايرة ركب المجتمع المدني المتحضر هو تفكير خاطئ، فليس كل عُرْفٍ اجتماعي صائباً بالضرورة، والبقشيش يجب أن يكون إرادياً محضاً، ويعطى عن طيب خاطر وبعيداً كل البعد عن أي نوع من الضغوط، سواء كانت اجتماعية أو ثقافية أو غيرها.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©